تقرير: "الجيش" الإسرائيلي جزء من آلة الحرب الأميركية
الصحافي الأميركي، نورمان سولمون، يقول إنّ الاختلاف بين واشنطن و"تلّ أبيب"، تكتيكيّ بسيط ولا يؤدّي إلى زعزعة التّحالف الأساسي العميق بين البلدين.
يتمحور الخلاف بين حكومتي "إسرائيل" والولايات المتَّحدة، حول عدد المدنيّين الفلسطينيين الّذين يجوز قتلهم. حتَّى الآن، اقترب عدد الضَّحايا من جراء العدوان الإسرائيليّ على غزَّة من 10 آلاف شخص، معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السنّ.
يبقى هذا الاختلاف بين واشنطن و"تلّ أبيب"، تكتيكيَّاً بسيطاً لا يؤدّي إلى زعزعة التَّحالف الأساسيّ العميق بين البلدين، بل على العكس، فقد تضاعفت المساعدات الأميركية للاحتلال الإسرائيليّ 10 أضعاف حيث حصلت "إسرائيل" على 38 مليار دولار من المساعدات العسكريَّة.
والآن، مع استمرار المذبحة في غزَّة، تسارع واشنطن إلى تقديم مساعدات عسكرية إضافيَّة بقيمة 14 مليار دولار.
وقبل أيَّام، تحدّثت صحيفة "ذيس تايمز"، عن سعي إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، للحصول على إذن من الكونغرس للموافقة الشَّاملة من جانب واحد على البيع المستقبليّ للمعدَّات والأسلحة العسكريَّة مثل الصواريخ الباليستيَّة وذخيرة المدفعيَّة لـ"إسرائيل" دون إخطار الكونغرس.
وهكذا، ستكون الحكومة الإسرائيليَّة قادرة على شراء ما يصل إلى 3.5 مليار دولار من المواد والخدمات العسكريَّة في سرّية تامَّة.
مع ذلك، يشعر بعض كبار المسؤولين الأميركيّين بالقلق إزاء تصَّاعد الغضب الجماهيريّ العالميّ على أعمال القتل المروّعة والوحشيَّة التي ترتكبها حكومة بنيامين نتنياهو في غزَّة.
لكن، الخروج عن الصَّمت المريب لهؤلاء لا يزال خجولاً ويصطدم بإصرار "تلّ أبيب" على استكمال التَّطهير العرقي والإبادة الجماعيَّة في غزّة.
وبينما كانت القوات الإسرائيليَّة تستخدم الأسلحة الأميركيَّة لذبح المدنيّين الفلسطينيّين، كانت رحلات الأسطول الجوّيّ العسكريّ الأميركيّ، تهبط في "إسرائيل" لإعادة إمدادها بأحدث وسائل القتل من جيب دافعي الضَّرائب الأميركيّين.
وتظهر الصُّور التي تمَّ التقاطها أنّ الشّحنات العسكريَّة توجهت من قاعدة ترافيس الجوية في ولاية كاليفورنيا إلى قاعدة رامشتاين الجوية في ألمانيا ومنها إلى "تلّ أبيب".
وبشكل عامّ، أسطول النَّقل التَّابع للقوَّات الجوية يعمل بشكل مطرد لتوصيل الذَّخائر الأساسيَّة والمركبات المدرَّعة والمساعدات إلى "إسرائيل". وهكذا، تتلقَّى "دولة" الفصل العنصريّ دفعة كبيرة للمساعدة في قتل أطفال غزَّة.
وفي السياق، أصدرت منظمة "أوكسفام أميركا"، تقريراً موجزاً تدين فيه خطط البنتاغون لشحن عشرات الآلاف من قذائف المدفعية عيار 155 ملم إلى "الجيش" الإسرائيليّ.
وأشارت المنظَّمة إلى أنَّ "استخدام إسرائيل لهذه الذَّخيرة في حروبها السَّابقة على الفلسطينيّين، يدل على أنّ استخدامها هذه المرَّة أيضاً سيكون بالتَّأكيد عشوائيّاً، وغير قانوني".
بدوره، كتب كلايف بالدوين، كبير المستشارين القانونيّين لـمنظَّمة "هيومن رايتس ووتش": "لقد استخدمت القوات الإسرائيليَّة الفسفورالأبيض في حربها على غزَّة، وهو مادَّة كيميائيَّة تشتعل عند ملامستها للأوكسجين، مسبّبةً حروقاً مروعة وشديدة، وفي أحياء مكتظَّة بالسكَّان يمكن أن يحرق الفسفور الأبيض العظام، وغالباً ما تكون الحروق التي تصل إلى 10% من جسم الإنسان قاتلة".
وأضاف بالدوين: "لقد انخرطت إسرائيل أيضاً في العقاب الجماعيّ لسكَّان غزَّة من خلال قطع الغذاء والماء والكهرباء والوقود. هذه جريمة حرب، وكذلك منع وصول المساعدات الإنسانيَّة عمداً إلى المدنيّين المحتاجين".
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، كانت عبارة "القانون الإنسانيّ الدولي" الصَّادرة عن بايدن، نفاقاً علنيَّاً يغطّي دعمه للجرائم الإسرائيليَّة في غزَّة.
وفي نهاية الأسبوع الماضي، أشارت منظمة "الفوز بلا حرب" إلى أنَّ كبار مسؤولي الإدارة يشعرون بقلق متزايد إزاء الطَّريقة التي تدير بها الحكومة الإسرائيليَّة عمليَّاتها العسكريَّة في غزَّة، فضلاً عن التَّداعيات لدعم إدارة بايدن لاستراتيجيَّة العقاب الجماعيّ الإسرائيليَّة وانتهاك القانون الدولي بشكل واضح.
ويخشى الكثيرون أن يتم إلقاء اللَّوم على الولايات المتَّحدة في الهجمات العشوائيَّة التي يشنّها "الجيش" الإسرائيلي على المدنيّين، وخاصَّة النّساء والأطفال.
وتورد التَّقارير الإخبارية الآن، أنَّ بايدن ووزير الخارجيَّة أنتوني بلينكن يريدان القليل من تصحيح المسار. بالنسبة لهما، أصبح القتل المستمرُّ على نطاق واسع للمدنيّين الفلسطينيّين مثيراً للقلق فقط عندما أصبح مشكلة علاقات عامَّة.
ومن المذهل أن نرى مثل هذه السّياسات غير الأخلاقيَّة في الوقت الحقيقيّ، وهي ترتدي ملابس لا تنضب من الخطابة الملطّفة والأحاديث المزدوجة. وبالنسبة لسكَّان غزَّة والجماهير الغاضبة حول العالم، ترى في الموقف الأميركي عاراً لا يمكن محوه.
والآن، مسترشداً بالحسابات السياسيَّة، يحاول البيت الأبيض إقناع رئيس حكومة الاحتلال بمعايرة الجرعات القاتلة في قصف غزَّة. ولكن كما أوضح نتنياهو في الأيَّام الأخيرة، فإنّ "إسرائيل" ستفعل ما تريد، على الرَّغم من مناشدات راعيها.
في الواقع تعمل "إسرائيل" إلى حدٍّ كبير في الشَّرق الأوسط كجزء من آلة الحرب الأميركيَّة، مع مراعاة واشنطن لأجندة "إسرائيل" الخاصَّة. ومع ذلك، فإنّ الحكومتين مرتبطتان بمصالح استراتيجيَّة مشتركة وطويلة الأمد وشاملة في الشَّرق الأوسط، والتي ليس لها أيُّ صلة على الإطلاق بمجال حقوق الإنسان، باستثناء استخدامها كمجرَّد زخارف خطابية.
ولقد أوضح بايدن نفاقه في قضايا الحقوق في العام الماضي، عندما غطَّى التحالف السُّعوديّ في الحرب على اليمن 8 سنوات أودت بحياة نحو 400 ألف شخص.
تحتاج آلة الحرب إلى التَّزييت المستمرّ من وسائل الإعلام. ويتطلَّب ذلك صيانة مستمرَّة للافتراض المزدوج القائل بأنَّ "إسرائيل عندما ترهب وتقتل الفلسطينيّين من الجو، فهي تحارب الإرهاب"، بممارسته بضراوة.
ومهما كانت الخلافات التي قد تظهر من وقت لآخر، فإنّ الولايات المتَّحدة و"إسرائيل" تظلان مُتشابكتين. بالنّسبة للنُّخبة الحاكمة في واشنطن، فإنّ التَّحالف الثنائيُّ يعتبر أكثر أهميَّة بكثير من حياة الشَّعب الفلسطينيّ. ومن غير المرجح أن تواجه الحكومة الأميركيَّة "إسرائيل" فعلاً بشأن موجة القتل المفتوحة التي ترتكبها في غزَّة.
حين ترشحت نانسي بيلوسي لولاية ثانية لرئاسة مجلس النَّواب الأميركيّ في العام 2019، صرحت بما يلي: "لقد قلت للناس عندما سألوني، إذا انهار مبنى الكابيتول على الأرض، والشَّيء الوحيد الذي سيبقى هو التزامنا بمساعدتنا، وأنا لا أسميها حتَّى مساعدة بل شراكة مع إسرائيل، أمر أساسيُّ لما أميركا عليه اليوم".
ومع الأخذ بعين الاعتبار المبالغة الغريبة، فإنّ بيان بيلوسي يكشف عن نوع العقليَّة التي لا تزال تسيطر على واشنطن الرسميَّة. ولن يتغيَّر الأمر دون حركة شعبية ضخمة داخل وخارج أميركا، ترفض الإرهاب وتنتصر لحقوق الإنسان والقانون الدولي.
نقله إلى العربية حسين قطايا