"إسرائيل هيوم": أزمة قوة بشرية تتفاقم.. 1500 ضابط إسرائيلي تسرّحوا منذ 2017
"إسرائيل هيوم" تتحدث في مقالها عن الأزمة التي يعاني منها جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتقول إن أزمة القوة البشرية تتفاقم منذ أعوام ووصلت إلى "حضيضٍ غير مسبوق".
نشرت صحيفة "إسرائيل هيوم" مقالاً لمحلل الشؤون العسكرية الإسرائيلي يوآف ليمور، تحدث فيه عن أزمة القوة البشرية التي يعاني منها جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وفيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:
وصلت أزمة القوة البشرية في الجيش الإسرائيلي إلى حضيضٍ غير مسبوق، في أعقاب ارتفاعٍ حادٍ في عدد الضباط في الرتب الوسطى الذين يطلبون التسرّح إلى المدنية.
في الشهر الماضي، كشفت مراسلتنا للشؤون العسكرية، ليلاخ شوفال، أنّ سنة 2021 شهدت ارتفاعاً بنسبة 30% في عدد الضباط برتبة رائد الذين يطلبون التسرّح من الجيش. والآن وصلت المعطيات الكاملة إلى "إسرائيل هيوم"، وهي تُظهر أنّ الأمر يتعلق بمنحى مستمر منذ عدة سنوات، ويتفاقم أكثر فأكثر في السنة الحالية.
بحسب معطيات شعبة القوى البشرية، التي قُدّمت مؤخراً لقيادة الجيش الإسرائيلي، وكذلك للمستوى السياسي، في سنة 2017 تسرّح من الجيش الإسرائيلي 281 ضابطاً برتبة رائد، وفي سنة 2018 ارتفع عدد المتسرحين إلى 289، وفي سنة 2019 ارتفع عددهم مرة أخرى إلى 306. وفي سنة 2020 وصل العدد إلى 354. كما ذكرنا، في السنة الماضية، سُجّل ارتفاع دراماتيكي ليصل عدد المتسرحين برتبة رائد إلى 457، وفقط في الأشهر الأولى من سنة 2022 طلب 77 ضابطاً إنهاء خدمتهم والتسرّح، والتقدير هو أنّ هذا المنحى سيتفاقم خلال السنة.
تقاعد أقل إغراءً
التفسير الأساسي للتسرح الجماعي لضباط في الرتب المتوسطة يكمن في النموذج الجديد للخدمة الدائمة وفي الانتقال من تقاعد وفق ميزانية استكمالية (التزام الجيش بدفع الفروقات من ميزانيته) إلى تقاعدٍ تراكمي (صندوق تقاعد). في الماضي استفاد المتسرحون من التقاعد وفق الميزانية، لكن طُلب منهم البقاء في الجيش الإسرائيلي إلى عمر لا يقل عن 42 سنة من أجل البدء بالاستفادة منها، وهو إغراء دفع كثيرين إلى البقاء في الجيش وهم يعلمون أنّهم سيتسرحون في عمرٍ شاب نسبياً وسيستفيدون من حقوقٍ غير عادية بقية حياتهم.
في المقابل، التقاعد التراكمي يُحتسب لعناصر الخدمة الدائمة من لحظة إنهاء الخدمة الإلزامية. صحيح أنّه يُكسبهم حقوقاً مقلّصة أكثر بكثير من التقاعد وفق ميزانية، لكن فيه ميزة واحدة بارزة: الضابط يمكنه أنّ يقرر التسرح في أي عمر، ويأخذ معه المعاش التقاعدي الذي راكمه حتى تلك اللحظة.
كان من المفترض بهذا النموذج أن يقلّص عدد الضباط المتقاعدين، والتخفيف من كلفة الرواتب على الميزانية الأمنية. لكن فعلياً، يتسبب في أنّه بدل أن يبقى الأفضل في الجيش طوال كل الطريق، والأقل جودة يتسرحون، كثيرٌ من الضباط المقدَّرين يُجرون حساب فائدة شخصية ويفضّلون التسرح بعمرٍ أقل من الماضي وبدء مهنة ثانية في المدنية.
أسباب ذلك متنوعة، بدءاً من معروض الوظائف الكبير والرواتب الأعلى بكثير التي تقترحها السوق المدنية، مروراً بالمسار المعقّد الذي يُطلب منهم المرور فيه من أجل التقدّم إلى أعلى الرتب في الجيش الإسرائيلي (فقط 1 من 11 ضابطاً يبدؤون خدمة دائمة بعمر 21 سنة سيواصلون الخدمة إلى عمر 42 سنة)، وصولاً إلى الكلام السلبي والمؤذي القائم في السنوات الأخيرة في شرائح واسعة من المجتمع الإسرائيلي تجاه عناصر الخدمة الدائمة، الذين يُقدّمون غير مرة على أنّهم استمتاعيون يعيشون على حساب العموم.
هذا المنحى برز بوجهٍ خاص في السنوات الأخيرة في الوظائف التكنولوجية وفي الاستخبارات، وكذلك في مجالات اللوجستية والقوة البشرية، وأقل في الوحدات القتالية. وفسّروا هذا في الجيش الإسرائيلي بالتحدّي الدائم الماثل أمام الضباط المقاتلين، في قبال الإغراءات التي يضعها عالم المدنية أمام ضباط في تشكيلات أخرى. مع هذا، سُجّل في السنة الماضية أيضاً ارتفاع في عدد المسرحين من بين الضباط المقاتلين.
"وضعٌ خطير"
في الجيش الإسرائيلي قلقون جداً من هذا المنحى، لأنّ غالبية المتسرحين كانوا مصنّفين على أنّهم "عناصر خدمة دائمة"، ورغم هذا قرروا التسرح إلى المدنية.
مصدر كبير قال: "تنشئة عناصر خدمة دائمة والوصول بهم إلى المكان الذي يصلون فيه إلى ذروة مهنتهم، يستغرقان سنوات. في الماضي كنا نستفيد من ضباط كهؤلاء إلى حين التقاعد، لكنهم الآن يتسرحون في اللحظة التي يسأمون فيها أو يتلقون عرضاً أفضل في المدنية. هذا وضع خطير، يمكن أن يُبقي الجيدين أقل في الجيش الإسرائيلي. من اليوم، نحن أمام مشكلة حقيقية، إذا لم تتجند كل الجهات من أجل تقديم استجابة لها، قد تُلحق ضرراً بالغاً بأداء الجيش الإسرائيلي".
هذه الأزمة قادت قائد شعبة القوى البشرية، اللواء يانيف عاشور، إلى إصدار "جرس تنبيه" إلى كل ألوية الأركان، وكذلك إقامة مؤتمر في الشهر الماضي بمشاركة كل الكادر القيادي الأعلى للجيش الإسرائيلي (من رتبة مقدّم وما فوق)، واستُعرضت فيه المعطيات والمشاكل. مصدر كبير آخر قال: "أوضحنا للقادة أنّ الأمر يتعلق بتحدٍ قيادي من الدرجة الأولى".
وأشار المسؤول إلى أنّ راتب غالبية ضباط الجيش الإسرائيلي، وبالتأكيد في الرتب المنخفضة، هو "في المرتبة السفلى من الحاصلين على راتب في المؤسسة الأمنية والعسكرية، أقل من كل الذين يخدمون في شرطة "إسرائيل" وفي مصلحة السجون، وأقل بصورة مهمة من راتب الذين يخدمون في الموساد وفي الشاباك".
حسب قوله، الوضع يعتدل فقط في الرتب العليا، حيث الراتب أعلى مما هو عليه في الشرطة ومصلحة السجون، وأقل مما هو في الموساد والشاباك، لكن "الأمر يتعلق بنسبة واحدة فقط من بين الحاصلين على رواتب".
ويطلبون في الجيش الإسرائيلي من المالية تصحيح هذا الجور في الراتب، ويحذّرون من "ضررٍ قاسٍ في نوعية الأمن الذي سيُوفّر لمواطني إسرائيل". الموضوع قيد النقاش بين وزارتي الأمن والمالية، لكن المسؤولين أعربوا عن تشاؤمهم حيال إمكانية أنّ يُحل قريباً، وحذّروا: "قد ندفع ثمناً باهظاً في الطريق".
الناطق باسم الجيش الإسرائيلي قال: "مصدر قوة الجيش الإسرائيلي يكمن في نوعية عناصره، بالتشديد على السلسلة القيادية. التغييرات في سوق العمل المدنية والطلب المتزايد على قوة بشرية نوعية يؤثّرون أيضاً على الجيش الإسرائيلي الذي يبذل جهوداً كثيرة كي يبقى الجيدون والنوعيون في صفوفه. في السنة الأخيرة بلورت شعبة القوى البشرية استراتيجية "أناس في زخم" مع التشديد، من بين جملة أمور، على تحسين شروط الخدمة، النظامية والدائمة. الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي يعملون ليل نهار من أجل أمن إسرائيل والجيش الإسرائيلي يقدّر عملهم".