"إزفستيا": عن المتضررين من التقارب السعودي الإيراني
البديل السلمي الذي تقدمه الصين للتوسع الأميركي يجذب بشكل متزايد دول الشرق الأوسط، ويؤدي إلى زيادة الوزن والنفوذ السياسي لجمهورية الصين الشعبية في المنطقة.
يتحدث الدبلوماسي المخضرم، خبير نادي فالداي الدولي للحوار، سفير الاتحاد الروسي السابق في طهران، ألكسندر مارياسوف، في مقالة في صفحات صحيفة "إزفستيا" المسكوفية عن الدفء في العلاقات بين الجمهورية الإسلامية في إيران والمملكة العربية السعودية وكيفية تأثيره في المنطقة، وعن أولئك الذين لا يحبذون هذه العلاقات وردود أفعالهم المحتملة.
وفيما يلي نص المقال كاملاً منقولاً إلى العربية:
ناقشت وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة بشكل نشط بيان قائد البحرية الإيرانية العميد البحري شهرام إيراني، الذي صرح أن بلاده والسعودية ودولاً أخرى في المنطقة تعتزم تشكيل تحالف لضمان الأمن البحري في شمال المحيط الهندي.
بشكل عام، يخلق تطبيع العلاقات بين الجمهورية الإسلامية في إيران والمملكة العربية السعودية ظروفاً مؤاتية للتخفيف من التوتر في المنطقة وحل حالات النزاع، ويحفز عمليات التنمية الاقتصادية لدول الشرق الأوسط، ويحفز اندماجها في النظام الاقتصادي العالمي سريع التغير.
ومع ذلك، فإن الخلافات الدينية والسياسية المتبقية بين إيران والسعودية لا تزال مادة يمكن أن تستخدمها الولايات المتحدة الأميركية و"إسرائيل"، المعاديتان لإيران، لتعقيد عملية استمرار الدفء في العلاقات بين الدولتين الجارتين.
بدءاً من عام 2021، حاول عدد من الدول العربية، وعلى رأسها عُمان والعراق، دفع الإيرانيين والسعوديين إلى تطبيع العلاقات، لكن من دون نجاح كبير. تغير الوضع عندما انضمت الصين إلى جهود حفظ السلام، وأصبحت شريكاً تجارياً واقتصادياً وسياسياً مهماً لإيران، وهي مهتمة أيضاً بتطوير علاقات اقتصادية أوثق مع المملكة؛ أكبر دولة منتجة للنفط في العالم.
وفقاً لخطة بكين، التي تعمل على توسيع آفاق نفوذها الدولي، فإن جهودها لحفظ السلام لتخفيف التوتر في العلاقات الإيرانية السعودية ستساعد في تعزيز المواقف الاقتصادية والجيوسياسية للصين في الشرق الأوسط، وخصوصاً في مواجهة نفوذ الولايات المتحدة هناك، وإضعافها.
تم إعداد شروط تكثيف عملية التفاوض بين طهران والرياض من خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية في كانون الأول/ديسمبر 2022 وزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى الصين في شباط/فبراير من العام الحالي.
بعد ذلك، في بكين، بوساطة من الجانب الصيني، بدأت مفاوضات بين الوفدين الإيراني والسعودي، وانتهت في أوائل آذار/مارس الماضي، واتفق الطرفان على إعادة العلاقات الدبلوماسية وتجديد معاهدة الأمن لعام 2001 واتفاقية 1998 بشأن التعاون في التجارة والاقتصاد والثقافة والعلوم والتكنولوجيا.
وبحسب مصادر مطلعة، توصل الطرفان إلى اتفاقيات مهمة بشأن ضمان الأمن المتبادل.
من المؤكد أن تطبيع العلاقات الإيرانية السعودية سيحسن الوضع العام في الشرق الأوسط، وسيستفيد منه الطرفان. سيساعد تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها إيران في تخفيف ضغط العقوبات الغربية وفك العزلة الدولية عنها. هذه الاتفاقيات ستوجه ضربة إلى المحاولات الأميركية الإسرائيلية لبناء كتلة مناهضة لإيران بمشاركة الدول العربية، وسيخفض احتمال نشوب نزاع مسلح مع إيران.
سيتم تهيئة الظروف المواتية في السعودية لتنفيذ خطة طموحة واسعة النطاق للتنمية الاجتماعية والاقتصادية للمملكة كجزء من رؤية 2030 التي وضعها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بهدف تحويل المملكة إلى أكبر مركز تجاري واقتصادي ومالي ولوجستي وثقافي إقليمي، وهو مفهوم يتناسب عضوياً مع النظام الاقتصادي العالمي المتغير والعالم الناشئ متعدد الأقطاب.
أما بكين، التي بذلت قصارى جهدها لتطبيع العلاقات بين إيران والسعودية، فإنها ستعزز صورة صانع السلام لديها، والأهم من ذلك أنها ستوفر ظروفاً مؤاتية لتوسعها التجاري والاقتصادي في الشرق الأوسط، وتنفيذ حزام واحد متعدد النواقل على نطاق واسع، والحصول على موطئ قدم في أسواق النفط والغاز المهمة.
إن عمليات حفظ السلام التي تقوم بها الصين، ورغبتها في تطوير علاقات ودية مع جميع دول المنطقة من دون أنواع مختلفة من الرهاب والاستثناءات، تقارن بشكل إيجابي مع سياسة الضغط والابتزاز والتهديدات العسكرية الأميركية التي تتزايد في نظر العالم الإسلامي. إن البديل السلمي الذي تقدمه بكين للتوسع الأميركي يجذب بشكل متزايد دول الشرق الأوسط، ويؤدي إلى زيادة الوزن والنفوذ السياسي لجمهورية الصين الشعبية في المنطقة.
في الوقت نفسه، من الواضح أن الولايات المتحدة و"إسرائيل" لن تقبلا خسارة المبادرة الاستراتيجية، وستعوقان بكل طريقة ممكنة عملية تحقيق الاستقرار في المنطقة. تواصل واشنطن الحفاظ على وجودها العسكري هناك. وقد ألزمت العديد من دول الشرق الأوسط بالتزامات بموجب معاهدات ثنائية.
أما "إسرائيل"، فهي، كما يبدو، لن تتخلى عن محاولاتها تأليب الدول العربية ضد إيران، وابتزازها بـ"التهديد النووي" الإيراني. إضافة إلى ذلك، على الرغم من الاتفاقيات التي تم التوصل إليها، لا تزال الخلافات المذهبية والسياسية الجادة قائمة بين إيران والسعودية، والتي يمكن أن تستخدمها الولايات المتحدة و"إسرائيل" كمادة لمحاولة تعطيل عملية تطبيع العلاقات في المنطقة.
نقلها إلى العربية: عماد الدين رائف.