من "ساحل الذهب" إلى غانا.. نكروما رائد الاستقلال الوطني
المناضل الغاني كوامي نكروما من بين أوائل المناضلين الأفارقة ضد الاستعمار البريطاني خلال ستة عقود، وأول رئيس لغانا أعلنها دولة مستقلة عن الاستعمار عام 1957، حيث أطلق عليها اسم "غانا" بدلاً من "ساحل الذهب"، وأحد أبرز مؤسسي حركة عدم الانحياز.
نكروما: "إذا حصلنا على حُكمٍ ذاتي فسوف نحوّل ساحل الذهب (غانا) إلى جنة خلال 10 سنوات".
يعدّ الزعيم الغاني، كوامي نكروما، الذي ولد في 21 أيلول/سبتمبر 1909 في أكرا عاصمة غانا (غربي أفريقيا)، من أهم المناضلين الأفارقة الأوائل ضد الاستعمار البريطاني، في القرن العشرين، وأحد أبرز دعاة الوحدة الأفريقية ضد الاستعمار الغربي.
تلقى تعليمه لمدة 9 أعوام على أيدي مبشّرين كاثوليك في مدرسة الروم الكاثوليك، ثم التحق بكلية "أخيموتا" في أكرا، وأصبح مدرّساً في المدارس الابتدائية الكاثوليكية الرومانية، وفي معهد اللاهوت أيضاً.
عام 1939، حصل على بكالوريوس في الاقتصاد وعلم الاجتماع، ثم على بكالوريوس في اللاهوت عام 1942، وبعدها نال درجة الماجستير في الفلسفة، ليبدأ تحضير نفسه لرسالة الدكتوراه.
وفقاً لموقع Black History Heroes، تأثر نكروما في فترة دراسته بمبادئ الاشتراكية وتعلّق بأفكار كارل ماركس، وفلاديمير لينين، وماركوس جارفي، الزعيم الأميركي الأسود في عشرينيات القرن الماضي. كان يصف نفسه بأنه "مسيحي غير طائفي واشتراكي ماركسي".
بسبب تعلّقه بالسياسة، قرّر نكروما الذهاب إلى الولايات المتحدة للدراسة. وصل أولاً إلى نيويورك عام 1935 ثم انتقل إلى بنسلفانيا والتحق بجامعة لنكولن وهي (أَقدَم كليّة للسود في الولايات المتحدة، والتي كانت تأسّست قبل الحرب الأهلية). وفي عام 1945، التحق بمدرسة الاقتصاد في لندن، ونشط في العمل الطلابي خلال فترة وجوده هناك.
بحسب موسوعة Britannica، أثرت أجواء جامعة لنكولن في تكوين شخصية ناكروما، إذ أدرك الفرق بين الأعراق المختلفة، داخل المجتمع الأميركي، وأزمة العنصرية، فانغمس في "مجتمعات السود"، كما تردّد على كنائسهم في نيويورك وفيلادلفيا.
وفي إطار نشاطه داخل المجتمع الأميركي للأفارقة، أقام نكروما علاقات مع العديد من المثقفين الأميركيين، وأصبح رئيساً لمنظمة الطلاب الأفارقة في الولايات المتحدة وكندا.
في عام 1945، توجه إلى بريطانيا، واستطاع تنظيم "المؤتمر الأفريقي الخامس" في مانشستر، والذي يهدف إلى ربط المثقفين في الدول الأفريقية المستعمرة ببعضهم البعض وبالناشطين والكتاب والفنانين من العالم الغربي.
نكروما والنضال من أجل الاستقلال
كانت غانا في بداية القرن العشرين (1896) إحدى المستعمرات البريطانية الكبرى لستة عقود، معروفة بـاسم "ساحل الذهب"، ومشهورة بمزارعها الخصبة، إذ تعدّ أكبر مُنتجٍ للكاكاو في العالم.
عام 1947، نالت الهند استقلالها، فتفاءل نكروما بحصول "ساحل الذهب" على الاستقلال، وقال في هذا الصدد: "إذا حصلنا على حُكمٍ ذاتي فسوف نحوّل ساحل الذهب إلى جنة خلال 10 سنوات".
في الأثناء، أعلن المحامي والسياسي الغاني جيه بي دانكوه عن اتفاقية "ساحل الذهب المتحدة"، لتنظيم العمل ضدّ الاستعمار، والحصول على الحكم الذاتي بالوسائل الدستورية، وطلب دانكوه من نكروما أن يصبح سكرتيراً لتلك الحركة.
عاد نكروما إلى البلاد عام 1947، ليبدأ في إنشاء قاعدة جماهيرية للحركة الجديدة. وفي شباط/فبراير 1948 وقعت أعمال شغب، فاعتقلته القوات البريطانية مع دانكوه وقادة الحركة لفترة وجيزة، ثم وقع الانقسام بين نكروما وأنصاره وبين دانكوه، فانفصل عن الحركة وعمل على تأسيس حزبه الخاص، وأسّس في حزيران/يونيو 1949 بمشاركة أصدقائه وأنصاره حزب "المؤتمر الشعبي"، بهدف مقاومة سلطات الاستعمار البريطاني.
نكروما يطلق اسم غانا بدلاً من "ساحل الذهب" على بلاده
كان أول رئيس للوزراء من 6 آذار/مارس 1957 وحتى 1 تموز/يوليو 1960.
في آذار/مارس 1957، قرر نكروما تسمية بلاده "غانا" بدلاً من "ساحل الذهب"، وأعلنها دولةً مستقلة عن الاستعمار البريطاني. أصل كلمة غانا يعني "الملك المُحارب"، وكان هذا اللقب يُمنح لملوك الإمبراطوريّة الغانيّة في العصور الوسطى في منطقة غانا. وبعد ذلك، أصبح اسمها رسميّاً "جمهوريّة غانا" إلى وقتنا الحاضر. من خلال استفتاءٍ أقيم عام 1960. وأصبح نكروما في تموز/يوليو من العام نفسه أول رئيسٍ لها، مع صلاحيات تشريعية وتنفيذية واسعة بموجب الدستور الجديد، واختار المسار الاشتراكي، وبقي حتى 24 شباط/فبراير 1966.
على الرغم من أنّ سياسة حكم نكروما وُصفت بأنها سلطوية، إذ كانت حكومته تزجّ بالمعارضين في السجون من دون محاكمة، فإنّ شعبيته بقيت واسعة النطاق داخل البلاد.
عام 1961، ارتفع العجز في ميزان مدفوعات البلاد إلى أكثر من 125 مليون دولار، وانكمش اقتصادها، وشهدت موجة اضطراباتٍ عمالية واسعة النطاق، فبدأ نكروما تطوير جهازٍ أمني أكثر صرامة للسيطرة على البلاد، عبر التوجه بشكلٍ متزايد إلى الدول الشيوعية للحصول على الدعم.
تأسيس "حركة عدم الانحياز"
كان نكروما واحداً من الذين أسسوا "حركة عدم الانحياز" بعد نجاح مؤتمر "باندونغ" مطلع الخمسينيات، وكان الحدث الرئيس الذي قاد بشكل مباشر إلى قيام الحركة بعد 6 أعوام، حيث تبنت كامل مبادئه، خلال مؤتمر القمة الأول الذي عقد في العاصمة اليوغسلافية بلغراد بين 1-6 أيلول/سبتمبر 1961، وحضرته 25 دولة: الهند، ومصر، وأفغانستان، والجزائر، واليمن، وميانمار، وكمبوديا، وسريلانكا، والكونغو، وكوبا، وقبرص، وإثيوبيا، وغانا، وغينيا، وإندونيسيا، والعراق، ولبنان، ومالي، والمغرب، ونيبال، والمملكة العربية السعودية، والصومال، والسودان، وسوريا، وتونس، إلى جانب يوغوسلافيا.
أما رموز "حركة عدم الانحياز" والآباء المؤسسون لها فهم: رئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو، والرئيس اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو، والمصري جمال عبد الناصر، والغاني كوامي نكروما، والإندونيسي أحمد سوكارنو، والجزائري هواري بو مدين.
ويعود مصطلح "حركة عدم الانحياز"، بحسب مصادر عديدة، إلى فينجاليل كريشنا مينون، السياسي والدبلوماسي الهندي، الذي تسلّم منصب وزير دفاع الهند، خلال فترة من حكم جواهر لال نهرو، أول رئيس وزراء للهند بعد استقلالها.
عدّ نكروما من مؤسسي منظمة الوحدة الأفريقية، قبل إسدال الستار عنها في تموز/يوليو 2002.
نكروما وجمال عبد الناصر
تعززت العلاقات وتوطدت بين مصر وغانا في حقبة التحرر الوطني من الاستعمار، بين الزعيمين الراحلين جمال عبد الناصر وكوامي نكروما. وبحكم الصداقة المتينة التي تجمعه مع عبد الناصر، تزوج نكروما من المصرية فتحية رزق، بسبب مشاركتهما الأفكار الاشتراكية نفسها، ومن أجل تحقيق رؤيته للوحدة الأفريقية.
أنجب منها ثلاثة أطفال هم: جمال (على اسم الرئيس المصري)، وسامية، وسيكو. ومع مرور الوقت، بدأت فتحية تتولى وظائف عامة، فشغلت منصب الراعي الرئيسي للمجلس الوطني لنساء غانا، والرئيسة الفخرية لمرشدات غانا.
نكروما يتعرض لعدة محاولات اغتيال
تعرض الرئيس نكروما لمحاولات اغتيال عديدة بسبب تصرفات حزبه السلطوية. وبعد عدة محاولات لاغتياله وخصوصاً في بكولوغونجو، في آب/أغسطس 1962، اعتزل الحياة العامة.
عام 1964، أصبحت غانا تعمل بسياسة دولة الحزب الواحد التي جعلت من نكروما رئيساً مدى الحياة. في تلك الفترة، انشغل بتكوين جيلٍ جديد من الناشطين السياسيين الأفارقة السود، ثم تفاقمت الأزمة الاقتصادية في البلاد.
في 24 شباط/فبراير 1966، وبينما كان يزور نكروما بكين، استولى الجيش مع الشرطة على السلطة في غانا. لجأ نكروما حينها إلى غينيا، وبقي في كوناكري، ونزل ضيفاً على الرئيس أحمد سيكو توري، الذي جعله رئيساً فخرياً للبلاد، في حين فرّت زوجته فتحية وأطفالها الثلاثة على متن طائرةٍ أرسلها الرئيس جمال عبد الناصر. وأخذ نكروما من غينيا يدعو الغانيين إلى التمرد لكن من دون جدوى.
وقال في خطاب أرسله من منفاه إلى جون ميلن منتصف 1966: "لم أعد مهتماً بالكومنولث ولا منظمة الوحدة الأفريقية، لأن الأولى أصبحت مجرد أداة للاستعمار الجديد، ومفهومها لم يعد متصلاً بالنضال الأفريقي".
بقي نكروما في المنفى ولم يعد إلى غانا طوال حياته المتبقية، لكنه واصل الضغط من أجل تحقيق رؤيته للوحدة الأفريقية. وفي مذكراته "الأيام المظلمة في غانا"، لمّح إلى احتمال حصول "تواطؤٍ أميركي في الانقلاب ضدّه".
عام 1971 وبعد الانقلاب، بدأ الغانيون يتقبلون فكرة عودة مؤسس الدولة، غير أنّ المرض كان أسرع، فتوفي نكروما في بوخارست برومانيا في 27 نيسان/أبريل 1972. وبعد أن دُفن في غينيا أُعيد جثمانه إلى غانا، وشُيّع رسمياً.
مؤلفاته:
لنكروما مؤلفات عديدة منها: "أتكلم عن الحرية"، و"يجب أن تتحد أفريقيا"، و"الاستعمار الجديد"، وكذلك نشر سيرته الذاتية بعنوان "غانا".
ترجم بعض مؤلفاته إلى اللغة العربية، منها كتاب "الاستعمار الجديد: آخر مراحل الإمبريالية"، بواسطة عبد الحميد حمدي (دار الأندلس، بيروت، سنة 1966). ومن بين مؤلفاته أيضاً كتاب "صراع الطبقات في أفريقيا".
الأحزاب التي تتبع الفكر النكرومي
"حزب مؤتمر الشعب" أنشئ عام 1994 أثناء الكفاح من أجل الاستقلال على إيديولوجية كوامي نكروما وتقوم إيديولوجيته على أنه حزب شعبي يضم جميع الفئات جنباً إلى جنب مع الأغنياء والفقراء. و"حزب التضامن الشعبي العظيم" أنشئ في 18 أيلول/سبتمبر 1996 وجاء كرد فعل على خسارة حزب الشعب لانتخابات 1992. و"حزب المؤتمر الشعبي الوطني"، عام 1992 وهو يزعم أنه الحزب النكرومي الحقيقي ويمثل الامتداد الفكري والسياسي الذي أسسه نكروما. و"حزب المؤتمر الوطني الديمقراطي" والذي استمد قوته من ارتباطه برئيسه رولينجرز.