مستشفيات قطاع غزة.. معاناة تحت وطأة المنع والحصار الإسرائيليين
420 يوماً متتالية، لا يزال الاحتلال فيها يُحْكم قبضته على الأجهزة الطبية التشخيصية، ويعرقل وصولها إلى مستشفيات قطاع غزة، ليؤدي ذلك إلى خروج كثير من أجهزة مستشفيات القطاع عن الخدمة.
يومٌ يتبعه يوم في غزة المحاصَرة، يعني أنّ ألماً يتبعه ألم. هذه هي حال المريض الذي ينتظر في طابورٍ طويلٍ أن يدخل قاعة التشخيص أو العلاج؛ القاعة التي من الممكن أن تمتلك الجهاز التشخيصي الوحيد في القطاع، والذي من المفترض أن يكفي لتشخيص آلاف الحالات - بحسب منطق الاحتلال الظلامي الغاشم -، وهي حال آلاف المرضى المسجلين في قوائم الانتظار لدخول أجهزة غير موجودة أصلاً في القطاع.
فرضَ الاحتلال الصهيوني حصاره المطبق على قطاع غزة قبل قرابة 16 عاماً، أمعن خلالها في إرهاق كاهل سكان القطاع بكلّ أنواع العقوبات، ضارباً بعُرض الحائط كل الأعراف والمواثيق الإنسانية والقانون الدولي، وتغوّلَ حصاره العدواني ليطال كافة مناحي الحياة في قطاع غزة، مستهدفاً، بصورة خاصة وممنهجة، قطاع الصحة والخدمات الطبية، والذي من المفترض أن يضمن القانون الدولي الإنساني حرمته، لكنَّ الاحتلال، في إجراءاته العقابية الظالمة، يتعمّد ضرب قطاع الصحة الفلسطيني، ويستهدف مؤسساته وديناميكيات عملها.
يكرر الاحتلال اعتداءاته المباشرة على القطاع الصحي، في كل عدوان عسكري سافر ضد قطاع غزة المحاصَر، فيستهدف بنيران أسلحته الطواقم الطبية وأجهزة الإسعاف والإجلاء للجرحى. كما استهدف بالقصف عدة مراكز صحية ومجمّعات طبية ومستشفيات خلال عدة هجمات حربية، ليعمّق الأزمة ويزيد في تدهور الحالة الصحية في القطاع.
ويواصل الاحتلال ممارساته الممنهجة بحق المؤسسات الصحيّة والمرضى في غزة، الأمر الذي زاد في معاناة المرضى وشكَّل تهديداً مباشراً لحياتهم، فيقف عائقاً أمام تزويد مستشفيات القطاع ومؤسسات الخدمات الطبية المتعددة فيه بما تطلبه من أجهزة ومعدات طبية ضرورية لضمان عملها
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، في بيان صحافي، إطلاق حملة مطالبة واسعة لكل الجهات المعنيّة بالضغط على الاحتلال، من أجل أن يُنهي استمرار منع إدخال الأجهزة الطبية والتشخيصية لمستشفيات قطاع غزة. وهو المنع الذي فاقم الأزمة الصحية في القطاع.
وجددت الوزارة مطالباتها، عبر الميادين نت، بضرورة التحرك نحو الضغط على كيان الاحتلال من أجل إدخال ما تحتاج إليه المستشفيات الحكومية الفلسطينية من أجهزة طبية خاصة، بصورة عاجلة.
تفاقُم خطورة الأزمة الإنسانية
يتضح جانب مؤلم من الظلم الواقع على سكان القطاع المحاصَر عندما يتم النظر إلى مصادرة حقوقهم الإنسانية في الطبابة والحصول على العلاج. فمتابعة فاحصة لواقع المستشفيات في القطاع تُظهر حجم الألم والقهر والمعاناة، التي يعيشها كل من المرضى والطواقم الطبية، على حدٍّ سواء. فالطواقم الطبية الفلسطينية، التي لا تكفّ عن مطالبة العالم بضمان توفير ما يستلزمه إنجاز عملها من إمكانات وتجهيزات وتسهيلات لوجستية، تُعاني عدمَ قدرتها على تلبية الحاجات الصحية للمواطن المريض، أو عجزها عن التشخيص والعلاج بسبب غياب الوسيلة التقنية، الأمر الذي يجعلها تحت وطأة إحساس مؤلم بالعجز - وإن كان خارجاً عن مسؤوليتها - ومعاناة مع السعي الدائم للتكيف والعمل تحت ظروف، أقل ما يمكن وصفها بأنها غير إنسانية.
وأشارت وزارة الصحة، في تقارير، إلى أن حصار الاحتلال المفروض على القطاع حرم أكثر من 50 % من المرضى من حقوقهم في تلقي العلاج. وهذه الحقوق كفلها القانون الدولي الإنساني، والمواثيق الإنسانية، والمنظمات الدولية العاملة في الصحة العالمية. هذا إلى جانب أزمة دوائية حادة تعيشها مؤسسات الصحة في القطاع بصورة مستمرة، منذ فرض الاحتلال حصاره العدواني.
وأكدت الوزارة ما ورد في تقارير وبيانات جهات دولية، أفادت بأن أكثر من ألفي مريض لم يتمكنوا من الوصول في الوقت اللازم إلى المستشفيات التخصصية في الضفة الغربية والقدس المحتلتين والداخل الفلسطيني المحتل، من جراء إجراءات المماطلة التي يتبعها الاحتلال، وتأخر صدور تصاريح مرور لهم أو عدم إصدارها، الأمر الذي تسبب بتدهور حالتهم الصحية، وصولاً إلى وفاة حالات معينة منهم، وخصوصاً مرضى الأورام والسرطان وأمراض القلب والجلطات والفشل الكلوي، والذين يعيشون واقعاً قاسياً، إنسانياً وصحياً. كما يتعرض مرضى الكسور المعقدة والعنايات المركزة لمخاطر صحية بسبب صعوبة تحديد المشكلات الصحية وعدم توافر العناية الطبية المطلوبة.
وكانت جهات طبية وحقوقية متعددة أكدت أنَّ كثيرين من المرضى والجرحى المحوّلين إلى العلاج في مستشفيات الداخل المحتل، يتم التحقيق معهم ومضايقتهم واحتجازهم من جانب أجهزة الاحتلال الصهيوني الأمنية عند المعابر مع القطاع، من دون أدنى مراعاة لظروفهم الصحية الخاصة.
اقرأ أيضاً: صيادو قطاع غزة.. لقمة العيش بين رصاص الاحتلال وقيوده
تداعي الأجهزة الطبية.. ضرورة كسر الحصار
تتفاقم المرارة ويزداد الألم الذي يعانيه كل مريض ينتظر العلاج في غزة، مع كل تأخير في دخول الأجهزة والمعدات الطبية التي تنتظر بدورها "إذن السماح" الذي يرفض إصداره الاحتلال منذ أعوام.
كثيرة هي الحالات المَرَضيّة التي تصارع الموت من دون أجهزة كافية للإنعاش في المستشفيات، ليتم التعامل مع حالات الأولوية القصوى - وخصوصاً في أوقات التصعيد الحربي الصهيوني -، في ظل غياب الأجهزة التي منع الاحتلال أيضاً دخولها بغير وجه حق، ليزيد في معاناة قطاع الصحة في غزة، وهو القطاع الذي لا يستطيع – عملياً - الوقوف عند توفير مختلف الخدمات الطبية لـ 2.3 مليون نسمة، في مستشفيات تفتقر إلى أبسط المعدات الطبية.
420 يوماً متتالية، لا يزال الاحتلال فيها يُحْكم قبضته على الأجهزة الطبية التشخيصية، ويعرقل وصولها إلى مستشفيات قطاع غزة، بحسب وزارة الصحة، ويضع العراقيل لمنع إدخال 21 جهاز أشعة تشخيصية لمستشفيات قطاع غزة. كما يمنع إدخال قطع الغيار اللازمة لإصلاح 87 جهازاً طبياً متعطلاً في المستشفيات، منها 12 جهاز أشعة.
وأدى منع إدخال قطع غيار للأجهزة الطبية والتشخيصية المتعطلة في مستشفيات قطاع غزة، إلى خروجها عن الخدمة، كما تُبيّن المشاهد التي حصلت عليها الميادين نت من مستودعات مجمع الشفاء الطبي.
جهات رسمية وحقوقية تحمِّل الاحتلال المسؤولية
حمّلت وزارة الصحة الفلسطينية الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة مرضى قطاع غزة، كما طالبت كل الجهات ذات العلاقة، بالضغط المباشر على الاحتلال لإدخال الأجهزة الطبية والتشخيصية وقطع غيار الأجهزة المتعطلة، وبإنقاذ مرضى القطاع من عقوبات الاحتلال والحصار، عبر توفير احتياجاتهم العلاجية الكاملة.
وجدّدت جهات حقوقية ومؤسسات إغاثية فلسطينية ودولية مطالبها برفع الحصار الظالم عن قطاع غزة، وخصوصاً عن المستشفيات والمؤسسات الصحية فيه، ودعت إلى إعطائها تمييزاً تفرضه قواعد القانون الدولي وحقوق الإنسان.