لوغانسك تبسط سيطرتها على كامل أراضيها.. الأهمية الاقتصادية والجيوسياسية
جمهورية لوغانسك الشعبية تستعيد كامل أراضيها بمساعدة القوات الروسية والشيشانية، محققةً أحد أهم أهداف العملية العسكرية الروسية.
أعلنت وزارة الدفاع الروسية، الأحد، السيطرة الكاملة على ليسيتشانسك وتحرير أراضي جمهورية لوغانسك الشعبية بالكامل.
وأفادت وزارة الدفاع بأنّه "نتيجةً للعمليات العسكرية الناجحة، قامت القوات المسلحة للاتحاد الروسي، جنباً إلى جنب مع وحدات الشرطة الشعبية لجمهورية لوغانسك الشعبية، بالسيطرة الكاملة على مدينة ليسيتشانسك وعدد من البلدات القريبة منها، وأكبرها بيلوغوروفكا ونوفودروجيسك ومالوريازانتسيفو وبيلايا غورا.
وفي قتٍ لاحق، أعلن الجيش الأوكراني انسحابه من مدينة ليسيتشانسك في لوغانسك، والتي واجهت معارك منذ أسابيع، مشيراً إلى "تفوّق الجيش الروسي على الصعيد الميداني".
ويأتي ذلك بعد يومٍ واحدٍ من دخول مقاتلي القوات الخاصة في الحرس الوطني الروسي من جمهورية الشيشان، والكتيبة الثالثة من اللواء الرابع للدفاع ومقاتلي لوغانسك ومتطوعين آخرين مدينة ليسيتشانسك، آخر معاقل القوات الأوكرانية، وفق ما أعلنه رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف.
ويُعدّ تحرير جمهورية لوغانسك الشعبية وعودة سيطرة قواتها مع القوات الروسية على كامل حدودها التاريخية، حدثاً فارقاً في سياق تطورات العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، إذ إنّه بتحريرها، تكون روسيا حقّقت أحد أبرز أهداف عمليّتها العسكرية، فضلاً عما تمثّله هذه المقاطعة، من أهمّية جغرافية وسياسية واقتصادية.
جمهورية لوغانسك الشعبية
بالحديث عن موقعها الجغرافي، فإنّ جمهورية لوغانسك الشعبية هي جزء من إقليم دونباس في أوروبا الشرقية، الذي يضمّ أيضاً جمهورية دونيتسك الشعبية، حيث تقع لوغانسك شمال دونيتسك، ولها حدود مع روسيا في الشرق، والشمال والجنوب.
تًقسم لوغانسك إلى 18 منطقة إدارية، وتضمّ 37 مدينة و109 بلدات، وكانت قبل استقلالها تُشكّل ما يعادل نحو 4.4% من إجمالي مساحة أوكرانيا، بمساحة تقدّر بـ257 كيلومتر مربع، بينما يبلغ عدد سكان لوغانسك حوالى 2.2 مليون نسمة.
وتُعتبر جمهورية لوغانسك إحدى الجمهوريات المستقلة المعلنة من طرف واحد، وذلك في 27 نيسان/أبريل عام 2014، بعد أن صوّت معظم سكان مقاطعتي لوغانسك ودونيتسك في استفتاء عام لصالح الانفصال عن أوكرانيا، عقب انقلاب سياسي في كييف في شباط/فبراير 2014، أطاح بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش، المنحدر من دونيتسك، وأدّى إلى وصول قوى اليمين القومي المتطرفة إلى السلطة.
وفي شباط/فبراير الماضي، حصلت جمهوريتا لوغانسك ودونيتسك على اعترافٍ رسمي من قبل روسيا، التي لم تخفِ دعمها الاقتصادي والسياسي للجمهوريتين اللتين حصل نحو 700 ألف من سكانها خلال السنوات الأخيرة على الجنسية الروسية.
اعتراف روسيا بالجمهورتين، قبل أشهر، تبعه دخول القوات الروسية إلى إقليم دونباس، بعد اتفاقية أمنية وقعت بينهم، إذ أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنشر قوات في منطقتي دونيتسك ولوغانسك، من أجل حماية سكان الجمهورتين ومنع تعرّضهم لـ "إبادة جماعية" من قبل السلطات الأوكرانية.
ويذكر في هذا السياق، أنه بُعيد إعلان لوغانسك ودونتيسك استقلالهما عام 2014، اعتبرت السلطات الأوكرانية أنّ الجمهوريتين الشعبيتين "تنظيمين إرهابيين"، وأعلنت بدء "عملية لمكافحة الإرهاب" في "شرقي البلاد"، واستخدمت خلالها الطائرات الحربية والمدفعية والعربات المدرعة.
وبعد أشهر من معارك أوقعت أكثر من 40 ألفاً بين قتيل وجريح، وألحقت دماراً واسعاً، بحسب الأمم المتحدة، توصل الطرفان بمساعدة روسيا وألمانيا وفرنسا بحلول مطلع عام 2015 إلى حزمة إجراءات تسوية أطلق عليها" اتفاقيات مينسك" ما أدى إلى انحسار القتال و"تجميد" الصراع.
إلاّ أنّه بعد الاعتراف الروسي باستقلالهما، أعلن بوتين أنّ "اتفاق مينسك لم يعد موجوداً"، باعتبار أن "السلطات الأوكرانية هي التي قضت عليه"، في وقت طلبت جمهوريّتا إقليم دونباس من روسيا التدخل الفوري لتصاعد الوضع في الإقليم، وتعرضهما لقصف أوكراني كثيف.
أهميّة لوغانسك الاقتصادية والجيوسياسية
وعقب الاعتراف الروسي أيضاً بالجمهوريتين، أبرمت روسيا مع دونيتسك ولوغانسك اتفاقيتين ثنائيتين تشملان إبرام اتفاقيات منفصلة في مختلف المجالات العسكرية والعلمية والتقنية والاجتماعية.
وتبعاً لذلك، ومن الناحية الاقتصادية، يمكن أن يشكّل تحرير لوغانسك الشعبية بشكل عاملاً أساسياً في تطبيق هذه الاتفاقيات وإنعاش اقتصاد جمهورية لوغانسك بالتعاون مع موسكو، عن طريق تحقيق التكامل الاقتصادي بينهما، والذي وضعته روسيا هدفاً في هذه الاتفاقيات.
وتعهّدت موسكو بأنّها ستسمح بتدابير فعالة للمحافظة على الأنظمة المالية والمصرفية للجمهورية وتشغيلها، استناداً إلى حقيقة مفادها أن الروبل الروسي هو وسيلة الدفع على أراضي الإقليم.
وتشتهر جمهورية لوغانسك بالصناعات الهندسية والكيميائية وبمناجم الفحم. وتوجد فيها معامل لتصنيع المعادن والآلات الكهرو ميكانيكية، وأخرى لتطوير الصناعات الكيميائية وفحم الكوك والكيماويات الخفيفة والغذائية. كما أنّها تضمّ مصفاة ضخمة لتكرير النفط، والواقعة في مدينة ليسيتشانسك الاستراتيجية، وهي قادرة على تكرير 16 مليون طن من النفط سنوياً.
كذلك، فإنّ معظم أراضيها صالحة للزراعة، وتشكّل الغابات 7% من مساحتها، ويزرع فيه بطرق آلية ومتطورة أنواع عدة من النباتات والمحاصيل، فيما تعدّ الحبوب من محاصيلها الرئيسية. وتحتوي هذه المنطقة الشاسعة على مراعٍ وحقول تبن وكروم عنب وبساتين وحدائق، وتلعب تربية الماشية الحلوب دوراً هاماً في حياتها الاجتماعية والاقتصادية، وباعتبارها ذات موقعٍ استراتيجي هام يعتمد جزء من اقتصادها على طرق نقل البضائع من روسيا وإليها.
وتجدر الإشارة هنا، إلى أنّ العلاقات الاقتصادية مع جمهوريتي إقليم دونباس ليست بالجديدة، بل هي علاقات قديمة، بحيث اتّخذت موسكو في السنوات الأخيرة خطوات مهمة نحو دمج جمهوريتي لوغانسك ودونتيسك، بدءاً من التعامل داخل المقاطعتين بالروبل الروسي.
ووفقاً لـ "مركز ويلسون للإحصاء"، فقد "سمح ذلك للعديد من الشركات الروسية بالتوسع في الاقتصاد الاستهلاكي في لوغانسك التي امتلأت بالسلع الاستهلاكية الروسية".
وبفرض لوغانسك سيادتها العسكرية والأمنية على جميع أراضيها، فإنها وبالشراكة مع روسيا، ستتمتع بهوامش اقتصادية مهمة، في إقليم الدونباس، والذي يمثّل منطقة صناعية مؤثرة.
من جهتها، حققت روسيا إحدى أهم أهدافها من عمليتها العسكرية، ما سيسهّل طريقها نحو التقدم أيضاً في جمهورية دونتيسك الشعبية، لا سيما وأن سيطرتها على ليسيتشانسك في لوغانسك، ستسمح بتقدّمها نحو سلوفيانسك ووكراماتورسك، وهما مدينتان كبيرتان بمقاطعة دونيتسك.
وبالتالي، ستتمكّن روسيا أيضاً من خلال السيطرة على دونباس من إنشاء جسر بري إلى شبه جزيرة القرم، التي استعادتها في عام 2014، والتي تعد أيضاً مركزاً عسكرياً وتجارياً حيوياً لموسكو على البحر الأسود.