قراءة في خطاب السيد خامنئي: حسم خيارات وثبات على مبادئ الثورة

تصريحات المرشد الإيراني السيد علي خامنئي بشأن فلسطين وثبات الموقف الإيراني على دعمها تأتي في سياق التحضير لمرحلة جديدة.

  •  فلسطين كقضية ومشروع تحرّر ثابتة في رؤية النظام في إيران
     فلسطين كقضية ومشروع تحرّر ثابتة في رؤية النظام في إيران

"لا تعترف إيران بإسرائيل وتدعم حماس وحزب الله"، يذكر الإعلام الإسرائيلي هذه العبارات وهو يتابع بقلق إحياء إيران "يوم القدس العالمي"، ضمن فعالياتها المعتادة في آخر جمعة من شهر رمضان في كل عام. لا ينفصل هذا التعليق عن النظرة الشاملة التي تتعاطى بها "إسرائيل" مع الدور الذي تلعبه طهران في المنطقة. الأمر لا يتعلّق بخصومة أو بعداء سياسي فقط، بل بتهديد وجودي يرتبط بالمفاهيم التي قامت عليها الثورة في إيران عام 1979، والتي باتت جزءاً من ثقافة الدولة والمجتمع في طهران.

تحضر فلسطين كأولوية في البرنامج السياسي لأيّ حكومة إيرانية، مهما كان اختلاف الظروف السياسية والاقتصادية الداخلية وتنوّعها، من وقت إلى آخر. لذلك، يعتري القلق دائماً الاحتلال الإسرائيلي لدى متابعة التصريحات الإيرانية، ويبقى الأبرز، وفق مستويات القرار، هو ما يصدر عن المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، باعتباره الشخص الذي يمثّل روحية الثورة والقيم التي قامت عليها.

السيد خامنئي وحسم الخيارات

في الوقت الذي تزداد فيه الضغوط على إيران، لإجبارها على تقديم تنازل سياسي يتعلّق بدورها في دعم حركات التحرر في المنطقة، وعلى رأسها المقاومة الفلسطينية، يخرج السيد علي خامنئي في "يوم القدس العالمي" بمواقف وجّه من خلالها رسائل، تحمل في مضامينها حسم خيارات بلاده ضمن هذا الإطار.

لا مساومة على فلسطين ودعم مقاومتها، والتشديد على أن قوة المقاومة هي وحدها القادرة على حل أزمات الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. تأتي هذه التصريحات من السيد علي خامنئي في سياق الرد على الضغوط الغربية المتعلقة بالملف النووي الإيراني. فعندما يطلب الغرب من إيران "ضمانات" تتعلق بحرس الثورة الإسلامية، وتحديداً "قوة القدس"، مقابل رفع العقوبات، فإن الأمر يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقضية الفلسطينية، نظراً إلى أن تلك "الضمانات" تعني كفّ يد "حرس الثورة" عن دعم حركات المقاومة، وفصل إيران عن دورها الذي حدّدته ثورتها. والجدير ذكره أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد، أقلّه في الفترة الحالية، تتعاطى مع الملف النووي الإيراني من خلفية تقنية، ولا سيّما أنّ المسائل الفنيّة قد حُلّت بشكل كامل، كما أعلنت طهران مؤخراً، ولم يبقَ سوى المسائل السياسية.

وبما أن السياسة في إيران ودورها الإقليمي ينطلقان من محدّدات الثورة، ومن دعم حركات المقاومة، فإن بقاء الصدام السياسي والأمني مع الولايات المتحدة يعني أن إيران متمسكة بموقفها الذي تبنّته منذ انتصار الثورة. لذا، جاءت كلمات السيد خامنئي، التي توجّه بها إلى الشعب الفلسطيني، بأن "إيران داعم ومساعد للمقاومة في فلسطين"، لتضع المطالب الغربية التي تدعو طهران إلى التنازل في مسألة دورها الإقليمي من أجل "إعادة إحياء الاتفاق النووي" في خانة الرفض المطلق. هذا الرد، بحدّ ذاته، حسمٌ للخيارات، واستعداد لمواجهة الضغوطات، وما بعد تلك الضغوطات، في حال قرّرت الولايات المتحدة ومعها "إسرائيل" الجنوح نحو خيارات أكثر عدوانية.

واللافت أن السيد خامنئي لم يتطرّق إلى دعم طهران الدائم للمقاومة الفلسطينية ورفضها لأي تنازل مهما كان المقابل السياسي والاقتصادي، من دون الحديث عن مسألتين مهمتين:

 المسألة الأولى، ترتبط بنظرة إيران إلى واقع الاحتلال الإسرائيلي، وتحوّل جيشها من جيش يتقدّم ويحتل ولا يُقهر، إلى جيش متراجع، أولويته الحالية منع الهجمات ضده.

أمّا المسألة الثانية، فهي التطبيع مع "إسرائيل"، وهنا الأمر لا يتعلق فقط بإدانة التطبيع، بل بما قال إنه "سذاجة" من قبل الأنظمة المطبّعة، ولا سيما في اللحظة التاريخية التي ذهبت فيها تلك الأنظمة إلى التطبيع، وليس ضمن سؤال لماذا؟ ما مصلحتها؟ فالتطبيع وإن كان يُحدث ضرراً بالقضية الفلسطينية من دون شك، فإن ضرره على هذه الأنظمة أكبر من الناحيتين الأمنية والسياسية، باعتبار أنها أدخلت نفسها في مواجهة تتراجع فيها القدرة الإسرائيلية على حمايتها، مع عجزها عن حماية نفسها.

الفصائل الفلسطينية... وتجاوز العقبات

تصريحات السيد خامنئي عن دعم بلاده للمقاومة الفلسطينية ومساندته للأسرى في سجون الاحتلال، ضمن مسار قراءته لتراجع قوّة الجيش الإسرائيلي، واستنكاره للتطبيع ووصفه بـ"السذاجة"، كلها أمور تأتي في سياق الإعداد لمرحلة جديدة، وهي مرحلة ما بعد رفض أي ضغوط غربية، ولا سيما أن السيد خامنئي، وفي معرض حديثه عن المقاومة الفلسطينية ودور إيران قال: "نحن نفعل ما نقول".

الفصائل الفلسطينية قابلت كلام السيد خامنئي بكثيرٍ من الترحيب. بيانات وتصريحات عبّرت عنها فصائل المقاومة ثمّنت الموقف الإيراني، متجاوزةً بذلك عقبات عديدة حاولت جهات إقليمية ودولية وضعها لإحداث شرخٍ في تلك العلاقة.

موقف الفصائل الفلسطينية لا ينطلق فقط من العلاقة التاريخية مع طهران، بل من قراءة واقعية لتماسك محور المقاومة وقوّته وتجاوزه للأزمات في السنوات الأخيرة. وكانت صيحة رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية بأن الشهيد قاسم سليماني "شهيد القدس... شهيد القدس... شهيد القدس" تعبيراً حقيقياً عن هذا الأمر، كما أنها تأكيد للعلاقة المتينة بين فلسطين وإيران، لما يمثّله الشهيد سليماني من جهة، ولما حاولت الدعاية المعادية القيام به من تجزئة الصراع، وفصل "قوة القدس" عن القدس من جهةٍ أخرى.

وتستند المقاومة الفلسطينية في موقفها هذا إلى تعاظم قوتها، وإلى رافعة إقليمية، تمتد من اليمن إلى لبنان مروراً بالعراق وإيران وسوريا وغيرها من الدول. وتستند أيضاً إلى قوّة حضور القضية الفلسطينية في وجدان الشعوب، والتي ظهرت بشكل واضح خلال معركة "سيف القدس" العام الماضي وما تلاها.

دعم فلسطين... مشكلة غربية

يأتي كلام السيد خامنئي مكملاً لتصريحات أدلى بها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان منذ أيام بقوله: "الأطراف الغربيون قالوا، قبل 10 سنوات، لزملائي في المفاوضات، إنّ مشكلتنا الرئيسية مع إيران هي دعمها لفلسطين وعدم اعترافها بالكيان الصهيوني". ضمن هذا السياق، لم تتبدّل الشروط الغربية رغم إبرام اتفاق عام 2015 ومحاولة إحيائه حالياً، والأكيد أن الرد الإيراني على حاله، قبل 10 سنوات والآن وفي المستقبل، إيران داعمة لفلسطين ومقاومتها، وستبقى. وهذا ما يقلق الجانب الإسرائيلي الذي تتجاوز مخاوفه الملف النووي الإيراني، إلى حضور طهران الإقليمي.

الخيارات المحسومة في لغة السيد خامنئي تجعل حضور فلسطين في أروقة فيينا أو في أي مفاوضات جانبية، مشكلة غربية مستمرة. والسبب أن المفاوضات، في شق أساسي منها، لا ترتبط غربياً بالجانب الفني فقط من الاتفاق النووي، بل بارتباطٍ بإيران القوية ودورها في دعم المقاومة الفلسطينية وحركات التحرر في المنطقة. 

اخترنا لك