عقدان من حضور واشنطن العسكري في النيجر.. الهجمات الإرهابية أسوأ من قبل
تقرير "ذا إنترسبت" يؤكد أنّ القوات الأميركية "فشلت في تحقيق الأهداف المعلنة لتواجدها العسكري، وهي جلب الأمن ومحاربة الإرهاب"، وذلك بعد عقدين من الدعم الأميركي العسكري المستمرّ للنيجر، حيث باتت الهجمات الإرهابية اليوم، أسوأ من أي وقت مضى.
تحدث تقرير في موقع "ذا إنترسبت" الأميركي للتحقيقات الصحافية، بعنوان "المسيرات والدراجات النارية"، عن أزمة انتشار العنف والإرهاب والجماعات المسلحة، التي تعصف بالنيجر وجيرانها في منطقة الساحل غربي إفريقيا، منذ أكثر من عقد، مؤكداً أنّ القوات الأميركية "فشلت في تحقيق الأهداف المعلنة لتواجدها العسكري، وهي جلب الأمن ومحاربة الإرهاب".
وأشار التقرير إلى أنّ "هذه الجماعات كانت تستخدم الدراجات النارية لتنفيذ عمليات فرض الضرائب والخوات والاعتداءات وسرقة الماشية وإرهاب المدنيين والإعتداء عليهم"، مؤكداً بأنّ هؤلاء المسلحين المتشددين، ينتمون بشكل أساس إلى تنظيم القاعدة أو تنظيم "داعش" - فرع أفريقيا.
عقدان من الدعم الأميركي
أوضح التقرير أنه "في عام 2002، قبل وقت طويل من انتشار الهجمات بالدراجات النارية في منطقة الساحل الثلاثية الحدود"، بدأت الولايات المتحدة في تزويد النيجر بما اعتبرته "مساعدة في مجال مكافحة الإرهاب"، وأغرقت هذا البلد بالمعدات العسكرية، من المركبات المدرعة إلى طائرات المراقبة.
وتابع بأنّه "منذ عام 2012، بلغت قيمة المساعدات التي تحمّلها دافعو الضرائب الأميركيون أكثر من 500 مليون دولار، وهي واحدة من أكبر برامج المساعدة الأمنية في إفريقيا جنوبي الصحراء الكبرى".
وفي الواقع، يوجد في النيجر واحدة من أكبر قواعد الطائرات بدون طيار، التي يديرها الجيش الأميركي، وأكثرها تكلفة. وقد تمّ بناء القاعدة الجوية "201" في مدينة أغاديز الشمالية، بسعر يزيد عن 110 ملايين دولار، وتمّ صيانتها بكلفة تتراوح بين 20 و30 مليون دولار بشكل سنويّ، وهي مركز مراقبة وعمود أساسي لأرخبيل من المستوطنات الأميركية غربي أفريقيا.
وتعدّ القاعدة موطناً لأفراد القوة الفضائية، ومفرزة جوية للعمليات الخاصة المشتركة، وتحوي أسطولاً من الطائرات بدون طيار - بما في ذلك طائرات "أم كيو ريبر"، كما تعدّ كذلك "نموذجاً للجهود العسكرية الأميركية الفاشلة في هذا البلد، وفي المنطقة الأوسع".
اقرأ أيضاً: في محاولة لتعويض تراجع النفوذ الغربي.. بلينكن يزور النيجر ضمن جولة أفريقية
فشل في تحقيق أهداف التواجد العسكري المعلنة
ومع تصاعد الإرهاب في منطقة الساحل، في وقت تنفق الولايات المتحدة مئات الملايين من الدولارات في المساعدة الأمنية وبناء القواعد ونشر القوات، يبدو أنّ القاعدة التي تمّ بناؤها لتعزيز الأمن في المنطقة، لا يمكنها اليوم حماية مقاوليها، حتى خارج أسوارها.
وأشار تحقيق "ذا إنترسبت" إلى أنه، على بعد أقلّ من ميل واحد من مدخل القاعدة، مؤخراً، أجرى قطاع الطرق عملية سطو مسلح في وضح النهار لمقاولي القاعدة، وأخذوا نحو 24 مليون فرنك أفريقي، أواخر العام الماضي.
وعلى مدار العقد الماضي، قفز عدد الأفراد العسكريين الأميركيين المنتشرين في النيجر أكثر من 900%، من 100 إلى 1001 عنصر، وشهدت النيجر كذلك انتشاراً للبؤر الاستيطانية الأميركية، والتي لم تعد تشمل فقط قاعدة الطائرات في أغاديز، ولكن أيضاً قاعدة أخرى في العاصمة، في المطار التجاري الرئيسي، حيث بات يمكن الجلوس في صالة المغادرة، ومشاهدة الطائرات بدون طيار وهي تهبط وتقلع.
وفي جميع أنحاء أفريقيا، أحصت وزارة الخارجية ما مجموعه 9 هجمات إرهابية فقط في عامي 2002 و 2003، السنوات الأولى من المساعدة الأميركية العسكرية للنيجر. وقد تدهورت هذه الأرقام إلى أن وصل عدد أحداث العنف في بوركينا فاسو ومالي وغرب النيجر وحدها، في العام الماضي، إلى 2737 هجوماً، وفقاً لتقرير لمركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية، التابع لوزارة الدفاع الأميركية.
وخلال عامي 2002 و 2003، تسبب الإرهابيون في 23 ضحية في أفريقيا، بينما في عام 2022، قتلت الهجمات الإرهابية في تلك الدول الساحلية الثلاث فقط ما يقرب من 7900 شخص.
ووفقاً لمركز أفريقيا التابع للبنتاغون، فإنّ "منطقة الساحل تشكل الآن 40% من جميع الأنشطة العنيفة التي تقوم بها الجماعات المتطرفة في أفريقيا".
ويمثل هذا قفزة هائلة بأكثر من 30.000% منذ أن بدأت الولايات المتحدة جهودها لمكافحة الإرهاب.
اقرأ أيضاً: سرقة آلاف الدولارات لمقاولين أميركيين قرب أهم قاعدة عسكرية أميركية في أفريقيا
تأثيرات الصراع المسلح على النيجيريين هائلة
وتجدر الإشارة إلى أنه في عام 2002، عندما بدأت الولايات المتحدة في ضخ أموال لمكافحة الإرهاب في البلاد، وُصف الوضع الغذائي العام بأنه "مُرضٍ" ويخضع لـ "تحسن تدريجي"، وفقاً لوكالة مراقبة الأمن الغذائي التي أنشأتها الوكالة الأميركية للشؤون الدولية.
بينما في العام الماضي، عانى ما يقدر بنحو 4.4 مليون نيجري من انعدام الأمن الغذائي الشديد، وهو رقم قياسي، وزيادة بنسبة 90% مقارنة بعام 2021.
وبين كانون الثاني/يناير وأيلول/سبتمبر الماضيين، عانى ما يقرب من 580 ألف طفل دون السن الخامس من انعدام الأمن الغذائي. وهذا العام، تقدر الأمم المتحدة أنّ نحو 3.7 مليون مواطن من النيجر، بما في ذلك 2 مليون طفل، سيحتاجون إلى مساعدة إنسانية، كما أن العديد من المحتاجين هم الأكثر صعوبة في الوصول إليهم بسبب انعدام الأمن.
وبالاعتماد على المقابلات مع 2200 شخص في النيجر ومالي وبوركينا فاسو، وخمس دول أفريقية أخرى، اكتشف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن ما يقرب من 25% من المجندين الطوعيين، ذكروا فرص العمل كسبب رئيسي للانضمام إلى الجماعات الإرهابية.
واعتبر فقط 17% أنّ السبب مرتبط بالدين، ووجد التقرير أنّ معظم الذين انضموا إلى الجماعات المتطرفة "نشأوا في بيئات تعاني من التهميش الاجتماعي والاقتصادي والتخلف بين الأجيال".
هاجس "فاغنر" والحضور العسكري والسياسي لموسكو
وفي الشهر الماضي، التقى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن برئيس النيجر محمد بازوم، في أول زيارة من نوعها، وشجب التأثير الإقليمي المتزايد لمجموعة القوات الخاصة الروسية "فاغنر"، قائلاً إنّ "الأماكن التي تواجدت فيها فاغنر، لحقت بها الأمور السيئة حتماً"، زاعماً أنّ وجود المجموعة مرتبط بـ"تدهور الوضع الأمني بشكل عام".
ومؤخراً، تتزايد الضغوط الأميركية ضدّ تحركات مجموعة "فاغنر" الروسية في أفريقيا، في وقتٍ تتقارب الدول الأفريقية من روسيا في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ، ما يسبب قلقاً جدياً لواشنطن.
كما صرّحت نائبة المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، سابرينا سينغ، في وقتٍ سابق، بأنّ البنتاغون يلاحظ ارتفاع "وجود روسيا شمالي أفريقيا".
والأخطر بالنسبة لواشنطن، أنّ الحضور العسكري الروسي أدّى إلى تراجع في الهجمات الإرهابية وزيادة في حجم سيطرة الدول التي استفادت من الخدمات الاستشارية العسكرية لمجموعة "فاغنر" على أراضيها، كما حصل في مالي وأفريقيا الوسطى وغيرها، فيما ترتفع أصوات فئات واسعة من الشعوب الأفريقية ضد التواجد العسكري الغربي الأوروبي والأميركي، وتحمله مسؤولية الإرهاب المتفشي في المنطقة.
وكان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد أكّد أن "روسيا والدول الأفريقية تستطيع تعزيز الأمن والاستقرار في العالم أجمع من خلال العمل المشترك".