صيادو قطاع غزة.. لقمة العيش بين رصاص الاحتلال وقيوده

كثيراً ما تعتقل قوات الاحتلال الصيادين أثناء عملهم في البحر وتصادر زوارقهم وأدواتهم وتقتادهم إلى مصيرٍ مجهول داخل الأرض المحتلة لاحتجازهم والتحقيق معهم وتعذيبهم

  • الصيادون في قطاع غزة.. لقمة العيش بين رصاص الاحتلال وقيود حصاره
    صيادو قطاع غزة.. لقمة العيش بين رصاص الاحتلال وقيوده

عندما يصبح طلب الرزق والخير ذهاباً إلى الحتف أو الأسر والاختطاف أو إمعاناً في العذاب والمعاناة؛ هذا هو حال الصيادين الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصَر، إصرار على العمل لتحصيل لقمة عيش كريمة لعائلاتهم رغم كل ما يحيط بمهنتهم من تعقيد ومعاناة من جرّاء حالة الحصار المُطبق التي يفرضها الاحتلال على قطاع غزة وسكانه.

ولعلّ أبرز ما يُعرف عن قطاع الصيد البحري في قطاع غزة المحاصَر أنّ قوات الاحتلال تفرض عليه طوقاً أمنياً وإجراءات عقابية خانقة تحدد بموجبها الأميال البحرية التي "يُسمح" ضمنها للصيادين بممارسة مهنتهم، هذه الأميال البحرية التي إن وصلت -في أحسن أحوالها- إلى اثني عشر ميلاً بحرياً فقد يعتبرها الجميع جيدة وستنتظر السوق المحلية من ورائها ما يمكن أن نسميه وفرة مؤقتة في الأسماك.

لكن، الحقيقة أنّ الاحتلال يُقلّص بشكلٍ مُتقطع هذه الأميال القليلة في حد ذاتها لتصل إلى ستة أميال بحرية في بعض الفترات، وهو ما يمكن- في الحالة الإنسانية الطبيعية خارج فلسطين- أن يتعداه بقارب بسيط شخصٌ عادي لا يستهدف أو يمتهن الصيد.

بالقرب من ميناء مدينة غزة تتجمع عشرات القوارب "الحَسَكَات"، كما يسميها الغزاويون، المتعطّلة، فيما يطلق عليه الصيادون "مقبرة القوارب"، بعض هذه القوارب موجود في هذا المكان منذ عدة سنوات، حيث يعجز مُلاكُها عن إجراء أيّ صيانةٍ ضرورية لها بسبب منع الاحتلال وصول المواد اللازمة إلى قطاع غزة عبر المعابر المخصصة لدخول البضائع والمواد التجارية والصناعية.

ووفقاً لبيانات وزارة الزراعة والثروة السمكية إلى جانب بيانات نقابة الصيادين في قطاع غزة، فإنّ أكثر من 300 قارب معطلة كلياً ومتوقفة عن الإبحار، إضافة إلى أن عدداً كبيراً من مراكب الصيادين تعاني أعطالاً فنية متفاوتة الضرر، وتعمل بشكلٍ جزئي بطريقةٍ وحالة تشكل في حدّ ذاتها مدعاة لغرق هذه المراكب، وبالتالي خطورة على حياة الصيادين. 

وتشير البيانات المنشورة إلى أنه يبلغ عدد القوارب المخصصة للصيد في جميع محافظات قطاع غزة نحو 2500 مركب صيد، وينتفع من العمل عليها أكثر من 10 آلاف صياد، بينهم 4 آلاف مسجلون لدى نقابة الصيادين.

لكن، جميع هذه المراكب تحتاج بشكلٍ ضروري وطارئ إلى صيانة فنية حقيقية وشاملة، حتى تلك التي تبدو أنها في حالة جيدة فإنها تعاني من عيوب قد تؤدي إلى مشاكل خطرة أثناء الإبحار. ومن الجدير هنا أن تتم الإشارة -بحسب حديث المختصين- إلى أنّه لا يوجد مركب صيد في قطاع غزة كله يمكن وصفه بالجديد.

  • مقابلة مع منسق مشروع الأمم المتحدة لإصلاح مراكب الصيادين منال النجار، ونقيب الصيادين في غزة نزار عيّاش

وتمنع سلطات الاحتلال الإسرائيلية إدخال مختلف المواد التي تلزم لبناء أو إصلاح السفن ومراكب الصيد البحري منذ ما يقارب الـخمسة عشر عاماً عبر المعابر الرئيسية المخصصة لإدخال السلع والمواد إلى قطاع غزة، مثل مادة "فيبر غلاس"، ومحرّكات القوارب وقطع الغيار الخاصة بهذه المحركات، ومواد أخرى تستخدم في صيانة القوارب، والتي تعتبرها "إسرائيل" مواد "مزدوجة" الاستخدام (أي يمكن استخدامها لأغراض مدنية وأخرى عسكرية).

في ظل هذا الوضع المُعقّد تصبح مهمة إجراء صيانة حقيقية كاملة لعشرات مراكب الصيد كي تؤهّلها لإبحار آمن هي مهمة شبه مستحيلة من جراء فقدان الإمكانات التي تنتجها إجراءات الاحتلال المانعة، مما يضطر الفنيّين العاملين في مجال صيانة القوارب إلى اتّباع الطريقة البدائية اليدوية في محاولتهم إعادة تأهيل القوارب باستخدام مادة "فيبر غلاس" ومواد لاصقة أخرى أيضاً تعاني من حالة نُدرة كبيرة في السوق المخصص لها، بخلاف ما وصل إليه التطور التقني والصناعي العالمي في صناعة وتأهيل مراكب الصيد البحري خارج فلسطين باستخدام خامات متطورة جديدة، وأنظمة ذكية محوسبة. 

  • مقابلة مع صيادين من قطاع غزة

ويشير في هذا الصدد "مسؤول لجان الصيادين في اتحاد لجان العمل الزراعي"، الصياد زكريا بكر، إلى أن حالة المنع هذه أدت إلى رفع ثمن العبوة الواحدة من مادة "فيبر غلاس"-20 كيلو غراماً-إلى 500 دولار أميركي، بعد أن كانت قيمتها لا تتعدى100 دولار فقط.

تكفي جولة واحدة بين الصيادين وعتادهم في ميناء غزة إلى فهمٍ أعمق لمعاناتهم، فالصياد الذي يحاول "ترقيع" مركبه ليستطيع الإبحار سعياً خلف لقمة العيش التي يقاتله الاحتلال عليها، مُطالَب كل يوم بتفحص شِباك الصيد التي قد تتعرض بشكلٍ متفاوت إما للحرق أو التمزق من جراء نيران رشاشات زوارق الاحتلال التي تستهدف شواطئ القطاع بشكل عدواني تعسفي تحوّل إلى معهود خصوصاً في فترات التصعيد العسكري والأمني مع قطاع غزة، وهو بالتالي مُطالب بـ "ترقيع شباكه بنفسه" وبطريقة يدوية قد عفى عليها الزمان خارج فلسطين. طريقة تستهلك جهداً ووقتاً كبيرين، فحتى الماكينات المخصصة لخياطة شِباك الصيد البحري غير متوفرة في القطاع المحاصَر.

قصّة أخرى أكثر إيلاماً يقصّها أي صياد غزّاوي أبحر في الأميال القليلة التي منحها إياه الاحتلال في "بحره الفلسطيني"، هي قصة المطاردة في عرض البحر واستهداف المراكب-المتداعية-بالنيران الثقيلة وصولاً إلى الاعتقال التعسفي والاقتياد إلى قواعد عسكرية إسرائيلية مقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.

فكثيراً ما تعتقل قوات الاحتلال الصيادين أثناء عملهم في البحر وتصادر زوارقهم وأدواتهم وتقتادهم إلى مصير مجهول داخل الأرض المحتلة لاحتجازهم والتحقيق معهم وتعذيبهم، كما يؤكد الصيادون ومسؤولو الميناء ونقابة الصيادين أن إطلاق النار العشوائي من قبل زوارق الاحتلال الحربية يتكرّر بشكل وحشي خصوصاً أوقات الضباب والأحوال الجوية السيئة، وقد سقط عشرات الشهداء الذين يمتهنون الصيد البحري في بحر قطاع غزة من جراء النيران الإسرائيلية الغاشمة.

لطالما جدد الصيادون الفلسطينيون في مختلف محافظات قطاع غزة مطالبهم بفتح المجال أمامهم للإبحار بعمق أطول إضافة إلى تسهيل وصول المواد اللازمة لصيانة مراكبهم وتجهيزها، وإلى السماح لهم باستيراد محركات وأجهزة لازمة لمهنتهم، وقد طالبت نقابة الصيادين في عدّة مناسبات الجهات المسؤولة والمجتمع الدولي بضمان حماية دولية للصيادين الذين يعملون ضمن المساحة "الآمنة" المتفق عليها وتحمّل مسؤولية حياتهم وحرية عملهم ومحاسبة الاحتلال على تجاوزاته وعدوانه المتكرّر.

اخترنا لك