صقيع أوروبا.. ماذا لو توقف الغاز الروسي؟
تعدّ روسيا أكبر مصدرٍ للغاز إلى أوروبا، ووفرت شركة "غازبروم" الروسية وحدها ما يقارب ثلث إجمالي الغاز المستهلك في أوروبا في العام 2020، واليوم وبالتزامن مع تصاعد التهديدات الأميركية لروسيا، تشعر أوروبا أنها ستدفع الثمن الأكبر في الصراع؟
تشهد أوروبا قفزاتٍ قياسية لأسعار الغاز الطبيعي بالتزامن مع التوترات الجيوسياسية التي تشهدها القارة الأوروبية نتيجة الأزمة الحالية بين روسيا من جهة والولايات المتحدة الأميركية والناتو من جهةٍ أخرى على خلفية الأزمة الأوكرانية.
لذلك، تُشكّل أزمة الغاز في أوروبا أحد أهم أبعاد الأزمة الأوكرانية، وقد هدد الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، سابقاً بوقف ترانزيت الغاز الروسي عبر بيلاروسا إلى أوروبا، بينما تهدد الولايات المتحدة، في الآونة الأخيرة وعدد من الدول الأوروبية بفرض عقوباتٍ مالية صارمة على روسيا. هل تستطيع القارة العجوز تحمّل العقوبات التي تلوّح بها واشنطن ضد موسكو؟
جيوب الأوروبيين أكبر متضرر
تُعدّ روسيا أكبر مصدرٍ للغاز إلى أوروبا، وبحسب إحصائية نشرتها المفوضية الأوروبية عام 2019 فإنّ أوروبا تستورد 41.1% من احتياجاتها للغاز من روسيا، بينما تستورد بقيّة احتياجاتها من النرويج بنسبة 16.2% ومن الجزائر بنسبة 7.6% ومن قطر بنسبة 5.2%.
وفرت شركة "غازبروم" الروسية وحدها ما يقارب ثلث إجمالي الغاز المستهلك في أوروبا في العام 2020، ومن المرجّح أن "تصبح مصدراً أكثر أهمية على المدى القصير"، وفق "بلومبيرغ"، واعتماد الدول الأوروبية على الغاز الروسي بشكلٍ أكبر يعود بشكلٍ أساسي إلى عوائق لوجستية تحول دون قدرة بعض الدول الأوروبية على استخراج الغاز.
ورغم أنّ صادرات الغاز الروسية إلى الدول الأوروبية قد زادت في العام 2021 بنسبة 10.5% إلى ألمانيا، و20.3% إلى إيطاليا وفق رويترز، لكن القادة الأوروبيين يخشون الآن، من أن أي تدخل روسي في أوكرانيا، قد يؤدي إلى "كارثة طاقة" إذا تمّ وقف صادرات الغاز الروسية، ومع الارتفاع القياسي لأسعار الغاز أصبحت اليوم جيوب الأسر الأوروبية مهددة بالإرهاق، وذلك مع تفاقم أزمة تكاليف المعيشة وتراجع الإنتاج الصناعي في أوروبا بشكلٍ عام وهذا الأمر سيؤدي بشكلٍ طبيعي لارتفاع كلفة الإنتاج وزيادة التضخم بشكلٍ قياسي في القارة العجوز.
ومؤخراً، تتجه الأنظار إلى الأزمة التي تحاول الولايات المتحدة وحلف الناتو اختلاقها حيث تحذّر من تدخل روسي في أوكرانيا، وفي ظل هذه التوترات يقول بعض المحللين لوكالة الصحافة الفرنسية، إنه مع وجود اضطرابات جديدة في الإمدادات بالغاز الروسي إلى أوروبا فإنّ أسعار الطاقة وبالتالي النفط يمكن أن ترتفع بشكلٍ إضافي، ويضيفون "يبدو أن أكبر المتضررين من العقوبات الأميركية المحتملة هي أوروبا"، كما أنّ صحيفة الغارديان البريطانية تحذّر من أن أزمة إمدادات الغاز في أوروبا، يمكن أن تصبح "أكثر خطورة".
بدوره، يرى مدير العقود الآجلة للطاقة في شركة MHFG للأوراق المالية، روبرت يوجر، أنّ "هناك فرصة قوية لأن يصل سعر برميل النفط إلى 100 دولار ولا يمكننا تحمل ذلك على الإطلاق".
من هنا نجد، أنّ الأوروبيين سيدفعون الثمن الأكبر في الصراع وذلك لأن أوروبا تعتمد على روسيا بشكلٍ أساسي في إمدادات الغاز الطبيعي.
#التحليلية | في حال فرضت #واشنطن العقوبات على #موسكو، كيف سيكون الارتداد السياسي والاقتصادي لذلك على كل الأطراف؟#روسيا #الولايات_المتحدة @Mohammadfaraj82 pic.twitter.com/moYV3PMtsX
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) January 28, 2022
واشنطن تبحث عن بدائل وبرلين تلتزم الحياد
تذكر "بلومبيرغ" الأميركية، أنّ مخزونات أوروبا من الغاز الطبيعي منخفضة، إذ تعاني القارة من أزمة إمدادات في الوقت الذي كانت فيه اقتصاداتها تخرج من الركود الناجم عن وباء كورونا.
وتحاول إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، البحث عن حلول لأزمة نقص توريدات الغاز الروسية إلى أوروبا، حيث أجرت الخارجية الأميركية، محادثاتٍ مع شركات الطاقة الدولية بشأن خطط طارئة لتزويد أوروبا بالطاقة؛ الغاز الطبيعي، في حال تفاقمت الأزمة بين روسيا وأوكرانيا.
ولكن الجواب الذي قالته شركات الطاقة الدولية لواشنطن هو أنّ إمدادات الغاز العالمية شحيحة وأنّ هناك القليل من الغاز المتاح لاستبدال الكميّات الكبيرة المتأتية من روسيا، لذلك طرقت إدارة الرئيس بايدن باب قطر كونها من أكبر منتجي الغاز الطبيعي المسال في العالم، طالبةً من الأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني زيارة البيت الأبيض.
تجد الولايات المتحدة الأميركية نفسها غير قادرة على مساعدة أوروبا بالشكل المطلوب فالبدائل محدودة ومن غير السهل تأمينها، وعن ذلك يشرح مدير المجلس الاقتصادي الوطني في البيت الأبيض، بريان ديس، قائلاً: "الولايات المتحدة نفسها ليس لديها الكثير من الغاز الطبيعي لإرساله، فقدرتها على التصدير تقترب من الحد الأقصى".
تأتي هذه المساعي الأميركية، بالتزامن مع تصريحاتٍ لافتة للرئيس البلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، الذي قال إنّ "التصعيد في العالم مرتبطُ بالصراع على الموارد والأسواق العالمية، والعالم الآن أمام خيارين إما اتفاقٌ جديد أو الحرب فمن يأتي أولاً؟
تشير روسيا إلى أنّها أوفت دائماً بالتزاماتها التعاقدية لإمدادات الغاز إلى أوروبا، وهذا ما أكدته ألمانيا التي تعتبر أكبر شريك تجاري لموسكو بعد الصين وتعتمد بشكلٍ كبير على المواد الخام الروسية مثل النفط الخام والغاز الطبيعي، فالمتحدث باسم الحكومة الألمانية، ستيفن هيبيستريت، قال إنّه "لا يوجد دليل يثبت أن روسيا لا تفي بالتزاماتها التعاقدية بشأن شحنات الغاز إلى ألمانيا، ونحن نعتبر روسيا شريكاً تجارياً مهماً ولكنها ليست حليفة".
ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن أكثر من 20 ناقلة غاز في طريقها من #الولايات_المتحدة إلى #أوروبا وسط محاولة الاتحاد الأوروبي "إيجاد بدائل للوقود الروسي".
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) January 28, 2022
هل هذا الحل منطقي وقادر على الديمومة والاستمرار؟
لمشاهدة #التحليلية كاملةً👇https://t.co/23NOvj7zXg pic.twitter.com/IhJYIABraB
خيارات روسيا البديلة
تهدد الولايات المتّحدة الأميركية روسيا أنها في حال تدخلت في أوكرانيا فإن خطّ الغاز "نورد ستريم 2" الرّابط بين روسيا وألمانيا لن يدخل الخدمة.
فالمتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، قال إنّ "خط أنابيب نورد ستريم 2 بين روسيا وألمانيا لن يمضي قدماً إذا اجتاحت روسيا أوكرانيا"، كما أنّ برايس تطرّق في تصريحاته إلى ألمانيا قائلاً: "سنتعاون مع ألمانيا لضمان ألا يمضي خطّ الأنابيب قدماً".
ويستهدف مشروع "نورد ستريم 2" الأكثر إثارة للانقسام في أوروبا مضاعفة كمية الغاز المتدفق من روسيا مباشرة إلى ألمانيا، متجاوزاً دولة العبور التقليدية أوكرانيا، عبر بحر البلطيق.
المشروع يواجه مقاومة داخل الاتحاد الأوروبي ومن الولايات المتحدة وكذلك من أوكرانيا، على أساس أنه يزيد من اعتماد أوروبا في مجال الطاقة على روسيا ويحرم كييف من رسوم العبور، في وقتٍ يشهد مواجهة أوسع بين موسكو والغرب.
ومع تكرار تهديدات الولايات المتحدة لخط "نورد ستريم 2"، فإنّ الصين هي وجهة جاهزة للغاز الروسي على اعتبارها أكبر شريك تجاري لموسكو، ويأتي ذلك بالتزامن مع زيادة الطلب الصيني على الغاز وحاجتها للتخفيف من تداعيات أي حرب تجارية محتملة في مجال الطاقة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأستراليا، يضاف إلى ذلك رغبة الصين في الاعتماد على الغاز الطبيعي في إطار مساعي بكين لتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2060.
وفي السابق، عام 2014 وقّع عملاق الغاز الروسي "غاز بروم" اتفاقاً مع مؤسسة البترول الوطنية الصينية بقيمة 400 مليار دولار لمدة 30 عاماً من أجل بناء خط أنابيب "قوة سيبيريا" الذي يمتد بطول 3000 كيلومتر في روسيا و5000 كيلومتر في الصين، ويمثل المشروع أهمية استثنائية لروسيا حيث ينقل الغاز إلى الصين مباشرة دون الحاجة إلى عبور دول أخرى كما هو الحال مع نقل الغاز الروسي إلى بلدان الاتحاد الأوروبي.
ولم تتوقف طموحات روسيا على إنشاء خط "قوة سيبريا" بل أعطى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الضوء الأخضر لإنشاء خط "قوة سيبيريا 2" الذي يرمي إلى نقل الغاز من شبه جزيرة يامال في سيبيريا التي تضم أكبر احتياطيات للغاز في روسيا، وسيكون بمقدور "قوة سيبيريا 2" نقل قرابة 50 مليار متر مكعب إضافي بمعدل سنوي من الغاز الروسي الصين عبر منغوليا.
تواجه الولايات المتحدة صعوبات في تأمين بدائل عن الغاز الروسي المصدّر إلى أوروبا، مما قد يغير موازين القوى في عالم الطاقة.