"شهداؤها يموتون مرتين".. مقابر غزة لم تعد تتسع للجثامين والطريق خطرة!
لم يعد "دفن الموتى" أمراً سهلاً في قطاع غزة، يمكن قضاؤه في مساحة بضعة أمتار داخل مقبرة، فالمقابر لم تعد تتسع، والطريق إليها مهدد بالقصف.
تتكدس جثامين الشهداء الفلسطينيين الذين قضوا جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، بعضها في برادات المستشفيات، وأكثرها في باحاتها وبجانب أسوارها بانتظار دفنها، الذي يعتبر مهمة صعبة للغاية في الوقت الحالي.
عدّاد الشهداء يتصاعد بوتيرة متسارعة في القطاع جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي لبيوت المدنيين الفلسطينيين فوق ساكنيها، واستهدافه لآخرين خرجوا من منازلهم المهددة بالقصف بحثاً عن رقعة آمنة.
وتتحدث الصحة الفلسطينية في حصيلة غير نهائية عن وجود 2390 شهيد حتى لحظة كتابة هذا التقرير، ما يعتبر رقماً مهولاً، إذ يبلغ عدد الشهداء خلال كل 24 ساعة، ما يعادل 300 شهيد، وفق إحصاءات الوزارة.
لذا لم يعد "دفن الموتى" أمراً سهلاً في القطاع، يمكن قضاؤه في مساحة بضعة أمتار داخل مقبرة، فالمقابر لم تعد تتسع، والطريق إليها مهدد بالقصف، فلا رادع إنساني لدى الاحتلال ليراعي حرمة الموت، وحزن ذويهم.
مقابر ممتلئة.. والطرقات خطرة!
أعداد الشهداء المرتفعة في القطاع، ومساحته الضيقة في ظل حصار الاحتلال الإسرائيلي، تجعل إيجاد قبر شاغر في المقابر المعروفة في غزة أمراً مستحيلاً.
ففي خان يونس، مقبرة الشهداء الرئيسية ممتلئة تقريباً من قبل العدوان الأخير على غزة، ومثل العديد من المقابر الأخرى في غزة، وضع على سياجها لافتة مكتوب عليها "ممنوع الدفن هنا".
ووفق متطوع يساعد في عمليات الدفن داخل القطاع، فإنّ "البديل عن المقابر الرئيسية هو حفر القبور بشكل عشوائي في عدة أماكن في محيط البيوت، وساعد في ذلك أنّ أصحاب الأراضي تبرعوا بأراضٍ لتصبح مقابر".
ولا يزال من يقومون بأعمال حفر القبور والدفن يحشرون الجثث هناك على الرغم من الحظر، لكن ذلك أصبح مستحيلا الآن، بعد أن جعل القصف السير على الطرق المؤدية إليها غير ممكن.
ومع امتلاء مشارح المستشفيات بالجثامين، يتعين على العائلات البحث عن أماكن أخرى لدفن موتاهم، فلا توجد مساحة لحفر مزيد من القبور في المقابر المتاحة، ما يضطرّ الأهالي لتكديس عدد كبير من الشهداء في قبرٍ واحد.
أمّا الكارثة الأكبر، فقد تبدأ في أيّ لحظة، مع نفاد كميات الوقود المتوافرة لتشغيل مولدات الكهرباء في غضون يومين اثنين، إذ من الممكن أن تتعرّض الجثامين للتحلّل والتعفّن، في ظلّ ارتفاع درجة الحرارة وتكدّس الشهداء في غرف ثلاجات الموتى.
والجدير بالذكر أنّ ظروف الحرب أجبرت أهالي الشهداء في غزة على تجاوز البروتوكولات الاجتماعية المتعلقة بدفن الموتى، مثل زيارة الجثمان الأخيرة لمنزل ذويه، أو إلقاء نظرة الوداع على الفقيد.
وأكد مراسل الميادين، اليوم الأحد، أنّ "إسرائيل" استهدفت مجموعة من المدنيين بينما كانوا يهمون بدفن ضحاياهم وشهدائهم في مقبرة دير البلح.
توجيهات بشأن الدفن الجماعي
وكانت وزراة الأوقاف والشؤون الدينية بغزة، أصدرت توجيهاً بشأن الدفن الجماعي في المقابر وقت الحرب، مع استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع.
وقالت الأوقاف في تصريح مقتضب إنّه "ينبغي المسارعة في دفن المتوفين، وخاصة في الحروب والكوارث، وإذا دعت الحاجة أو الضرورة إلى جمع اثنين فأكثر في قبرٍ واحدٍ فلا بأس به".
وأكدت أنّ الأنسب في واقع قطاع غزة "دفن الشهداء وخاصة الأقارب منهم في قبرٍ واحدٍ؛ لكثرة أعداد الشهداء، وقلة القبور المخصصة للدفن في ظل الحروب والطوارئ".
وكانت وزارة الصحة، قد أعلنت أنّ الاحتلال الإسرائيلي أباد، خلال الأيام الثمانية الماضية، منذ بدء عدوانه على غزة، أكثر من 55 عائلة فلسطينية، وجرى محو أسمائها من السجلات الرسمية.
وقد تقفز الأرقام بصورةٍ كارثية في حال بدء عمليةٍ إسرائيلية برية، يُهدّد بها الاحتلال ضد القطاع، حيث سيصعب حينئذ نقل الإصابات، وهو ما سيرفع عدد الشهداء بصورةٍ كبيرة.