اليوم الأول من العملية الروسية: الغرب لن يقاتل من أجل أوكرانيا!
الولايات المتحدة وحلفاؤها في دول الغرب و"الناتو" لن ينخرطوا في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، للدفاع عن الأخيرة، لكنّ لدى واشنطن خياراً رئيساً ستلجأ إليه، وهو الحرب الإلكترونية، بينما تحضَّرت موسكو جيداً للاستراتيجية العدوانية الأميركية منذ عام 2019.
كان النشاط الراداري في "روستوف أون دون"، حيث مقرُّ قيادة القوات الجوية الروسية، يفيد بعدم وجود أي نشاط استثنائي منذ شهر على الأقل.
دَعْكُم من كل الحديث الغربي السابق عن تحديد "ساعة الصفر" الروسية، والذي ضحك عليه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في صورته الشهيرة. حتى فجر اليوم الخميس، لم يكن أحد ممن يتابعون النشاط الميداني للقوات الروسية يتوقع أن يذهب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أبعدَ من حدود المناوشات في الإقليمين الانفصاليَّين.
في هذه الأثناء، تتحرك قوات أميركية محمولة جواً بالقرب من الحدود الأوكرانية في بولندا. يعزّز حلف "الناتو" حضوره الاستخباري عبر طائرات إنذار مبكّر، انطلاقاً من ألمانيا ورومانيا وتركيا. البحرية الأميركية تحتشد منذ بداية العام جنوبي شرقي المحيط الهادئ، صعوداً حتى سواحل روسيا الشرقية. حتى الرادار الأميركي العملاق في صحراء النقب يشهد تفعيلاً ملحوظاً منذ الأسبوع الفائت.
هذه التحركات كلُّها جزء من حسابات منظومة الدرع الصاروخية الأميركية في أوراسيا، لكنها كذلك تشي، مضافاً إليها التصريحات الأوروبية الضعيفة، بأنّ الولايات المتحدة وحلفاءها لا يرغبون في أكثر من "مشاهدة" معارك حديثة تستحق الاحترام، بسبب الدقة والفعالية في تخطيطها، كما تطبيقها، في حين سيُترك الأوكرانيون لمصيرهم بعد أن رفض "الناتو" نفسه مراراً ضم بلادهم إلى الحلف، بل إنّ دول فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة نفسها كانت في طليعة أعضاء الحلف الذين يؤخّرون انضمام أوكرانيا إلى "الناتو"، نتيجة اعتبارات كثيرة، يمكننا اختصار جوهرها في أنّ الغرب لطالما نظر إلى أوكرانيا على أنها الموطن الأصلي للحضارة السلافية الروسية.
بلغ حجم المساعدات العسكرية المباشِرة لأوكرانيا في الأسابيع الأخيرة 1300 طن. ويمكن معرفة كثير عن خيارات "الناتو" والأميركيين عند التدقيق في نوع هذه المساعدات، التي حوت، بصورة رئيسة، خوذات عسكرية وقنابل يدوية وصواريخ "ستينغر".
في الخلاصة، لا معنى لأي حديث عن انخراط قوات لـ"الناتو"، بصورة مباشرة، في الدفاع عن أوكرانيا في هذه المرحلة، في الحد الأدنى.
نعم، لدى الولايات المتحدة الأميركية خيار رئيسي ستلجأ إليه، وهو الحرب الإلكترونية، في مختلف أوجهها، لأنّ خيار العقوبات الاقتصادية سيظل تحت سقف "مقبول" بالنسبة إلى موسكو التي لا بديل عن غازها. كما أنّ الذهاب بعيداً في "خنق" الاقتصاد الروسي، سيعني حكماً تفعيل الحلف الصيني – الروسي مع دول إقليمية وازنة، في قارات ثلاث على الأقل، لتقليل الاعتماد على النظام المالي العالمي – الأميركي، وهو ما يعني تسريع تشكل القطبية العالمية التي لم تكن بكين أو موسكو تسعى إليها بهذه السرعة.
لكن تقويم النجاحات المحتملة للحرب الإلكترونية يتطلّب اجتياز خصم متقدّم في هذا المجال، فالقوات الروسية تمتلك شبكة إنترنت مغلقة خاصة بها، وجيشاً من القراصنة الذين يكبّدون العالم خسائر بمليارات الدولارات سنوياً. كما أنّ تعطيل شبكة الطاقة في روسيا يعني أيضاً السماح بلعب الورقة نفسها فيما يخص خطوط الغاز إلى أوروبا، في معادلة تبدو أقرب إلى سلاح نووي، يهوّل الطرفان به، لكن لا يستخدمه أحد.
ومن الضروري الإشارة هنا إلى أنّ روسيا تحضَّرت فعلاً لانقطاعها عن شبكة الإنترنت العالمية بالكامل، بناءً لخطة استراتيجية بُدئ العمل بها منذ عام 2019، وتمّ وضعها للتعامل مع "الطبيعية العدوانية" للاستراتيجية الأميركية للسايبر الإلكتروني، في إشارة إلى توقع روسي لمحاولة أميركية لقطع الإنترنت عن موسكو في أي مرحلة في المستقبل.
وأجرت روسيا اختبارات سرية، طوال أكثر من شهرين، بين حزيران/يونيو وتموز/يوليو 2021، من أجل ضمان عمل شبكة إنترنت داخلية بمعزل عن العالم، بحيث قامت هيئة اتصالات، بإشراف من الكرملين، بتمرير حركة الإنترنت والبيانات الداخلية عبر نقاط تسيطر عليها الدولة بالكامل.
وإلى جانب الحرب الإلكترونية، ستفعّل الولايات المتحدة الأميركية، خلال الأيام القليلة المقبلة، قوات خاصة أوكرانية يجري تجهيزها منذ عام 2014، حين أقرّ الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، برنامجاً لتدريب مقاتلين أوكرانيين تحت إشراف قوات "شبه عسكرية"، تُديرها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، "سي آي إيه". ويخضع مقاتلو هذه القوات لتدريب استخباري في الدرجة الأولى، وهو ما يتوافق مع التوجه الأميركي –الأوروبي، عبر خوض حرب معلومات مفتوحة مع روسيا بدلاً من الذهاب إلى مواجهة عسكرية مباشِرة معها.