اللواء محمد زكي الألفي للميادين نت في ذكرى نصر أكتوبر: أصبنا شارون في رأسه.. وفلسطين ستتحرر
في الذكرى الخمسين لنصر تشرين الأول/أكتوبر من عام 1973، بطل من أبطال هذا النصر اللواء أركان حرب، المصري محمد زكي الألفي، يروي للميادين نت، تفاصيل مشاركته في تلك المعارك، كأنها الأمس، ويؤكد أنه بعد نصر أكتوبر نصر آخر في فلسطين ينتظرنا.
خمسون عاماً مرت على حرب 1973 المجيدة، التي كسر فيها المقاتل العربي أسطورة التفوق الإسرائيلية، وتحولت صورته في خيال الجندي الإسرائيلي من جنديّ مهزوم عام 1967، إلى ذاك الجندي القادر على صنع المستحيل وكسر خطوط الدفاعات، التي لطالما سُوّق على أنها يستحيل أن تكسر.
على الجبهة السورية، تحدث جنود الاحتلال عن أرتال لا نهاية لها من الدبابات، وجنود كالأشباح يتسلقون الأسوار بأعداد مهولة، سبقهم جنود آخرون في إنزالات كوماندوس.
أما على الجبهة المصرية، أدهش النجاح الذي حققته القوات المصرية جنود الاحتلال وقادته، وأُلغيت الضربة الجوية الثانية، نتيجة النجاح المبهر للضربة الأولى. ثمّ عبر عشرات الآلاف من الجنود خطوط الدفاع في وقت قصير، واحترقت دبابات الاحتلال بالصواريخ المصرية المضادة للدبابات.
في الذكرى الخمسين لهذه الحرب المجيدة، التقت الميادين نت بأحد أبطال تلك الحرب، الدكتور محمد زكي الألفي، بطل من سلاح المشاة المصري في حرب أكتوبر، ومستشار في أكاديمية ناصر الحربية، ضابط من الفرقة 16 مشاة، في الكتيبة 18، التي قاتلت على الجانب الأيمن للجيش الثاني الميداني.
يبدأ الأستاذ في أكاديمية ناصر العسكرية، حديثه عن المعنويات والجو العام في مصر إثر حرب 1967، أو ماسمي بالنكسة، قائلاً: "روح الانتماء والولاء عند الشعب المصري كانت ركناً أساسياً ومهماً جداً لتجاوز الهزيمة، ومن عاش ظروف حرب 1967، لن يتوقع أن هناك من سيتقدم للكلية الحربية حتى حين، إلّا أن الواقع كان عكس ذلك؛ حيث تقدم الشباب المصري بالمئات، ومنهم من ترك الجامعات والتحق بالكلية الحربية".
ويضيف الألفي: "كان لحرب 67 تأثير نفسي قوي. وقتها توقع قادة العدو، وعلى رأسهم وزير دفاعه، أنها ستكون هزيمة مطلقة، وأن القادة المصريين وخاصة الرئيس عبد الناصر سيتصل بهم ويستسلم، إلا أن ما حصل هو العكس تماماً.
ليتابع: "حين أعلن الرئيس عبد الناصر تنحّيه، وتحمّل المسؤولية كاملة عن تلك الحرب، وقف وراءه كل الشعب، وآزرته القوات المسلحة، والتحق أبناء الشعب المصري لخوض غمار المواجهة الكبرى المنتظرة، من أجل استعادة الكرامة والأرض العربية".
يشير الألفي إلى التخطيط الذي سبق الحرب، بأنه تم "بصورة أكثر من ممتازة، ويؤكد أن الأمور سارت خلال الحرب كما هو مخطط بكل دقة، خاصة عنصر المفاجأة الذي نتج عن عملية خداع استراتيجي، مارسته القيادة على العدو لفترة طويلة".
ويقول الألفي للميادين نت: "ليلة 6 تشرين الأول/أكتوبر كنت أمارس مهامي العادية، وانتقلت مع زملائي، إلى القاعدة، بعد أن رُفعت درجة الاستعداد إلى الهجوم، وبعد مناورات عديدة في أوقات سابقة في قواعد الهجوم، ضمن خطة الخداع الاستراتيجي".
ويلفت إلى أنه "بالرغم من وجود رخصة صادرة من دار الإفتاء المصرية للإفطار، كون الوقت كان شهر رمضان، إلا أن جزءاً كبيراً من الجنود لم يفطر".
ويروي الألفي مشاهداته السابقة لجنود الاحتلال في الجانب الآخر للقناة، على بعد مئات الأمتار، حيث اعتاد ورفاقه سماع جنود الاحتلال يطلقون الشتائم والألفاظ النابية باتجاه الجنود المصريين"، ويضيف أن "الجميع هنا، كان جاهزاً ومستعداً وينتظر بفارغ الصبر اللحظة التي سوف نهاجم بها هؤلاء، ونطردهم من أرضنا أو نأسرهم".
وحين سألناه عن لحظات الاقتحام الأولى، أول ما تبادر إلى ذهن الألفي هي عبارة الله أكبر.
يقول الألفي: "كانت صرخة لا إرادية من مجموعات الاقتحام الأولى لقناة السويس، التي كنتُ ضمنها، ثم أصبح معظم رجال المشاة في الجيش المصري يرددونها".
كما يتذكر تزاحم جنود الجيش المصري على شرف حمل علم مصر، وزرعه على الضفة الشرقية للقناة.
لحظات العبور و خط بارليف
ويضيف: "كنا نعرف أننا حين نعبر، سنواجه دبابات العدو بصدورنا، وبالتالي فإن كل مقاتل في الجيش المصري، وكلنا كنا مقاتلين ضباط وجنود في لحظة العبور، لم يكن يحمل عتاده الشخصي فقط، نظراً لأن الجسور لم تكن قد نصبت بعد، فكنا نحمل قطعاً من الأسلحة المتوسطة، على ظهورنا لتركيبها، في الطرف الآخر من القناة، من أجل المواجهة التي كنا نحلم بها وننتظرها".
أما عن خط بارليف فيقول: "كان العدو يروج بشكل دائم، لخط بارليف، ويؤكد أن المصريين لن يتمكنوا من اختراقه، وعبور قناة السويس أو مهاجمة القوات الإسرائيلية".
ويضيف أن "الخط تألف من نقاط حصينة، تتحمل أقوى أنواع القنابل التي كانت موجودة آنذاك، التي تحتاج طائرات لإطلاقها".
ويتابع: "كان العدو يتمركز داخل تلك النقاط الحصينة، التي جهزها بوسائل إنذار وتصوير ومراقبة متقدمة جداً، وزودها بموانع مضادة للأفراد والدبابات وموانع سلكية، بالإضافة إلى التجهيز الهندسي القوي جداً، مع مواد امداد احتياطية تكفي جنوده لمدة شهر على الأقل".
كذلك يتحدث الألفي عن "تكديسات" هائلة من الذخائر والأسلحة النوعية، بالإضافة إلى سلسلة من خزانات النابالم (مواد حارقة)، الُمعدّة لإطلاقها على سطح مياه القناة، ولاحراق الجنود المصريين إذا ما حاولوا العبور".
ويؤكد أن "القناة بحد ذاتها كانت المانع المائي الأقوى، فكانت تقديرات الخبراء العسكريين للاحتلال، أنه يستحيل للجيش المصري عبورها دون خسارة ربع قواته، وخلصت التقديرات إلى أن قنبلة ذرية فقط هي ما يستطيع اختراق هذا الخط".
ويضيف الألفي أن "قوات الاحتلال رفعت ساتراً ترابياً ضخماً بارتفاع يصل إلى 25 متراً، مع ممرات تسمح لدباباته بالصعود إلى مرابض مجهزة، لتساعد نقاط الاحتلال المحصنة في الاشتباك مع المصريين".
معركة قرية الجلاء-المزرعة الصينية
يتحدث البطل في حرب أكتوبر للميادين نت، عن معركة الدفرسوار، التي اعتبرت من أشرس معارك الحرب، إن لم تكن أشرسها، قائلاً: "استخدم العدو خلال المعركة كل عناصر قوته المتتالية الموجودة، وكان القتال في هذه المنطقة شرس جداً".
ويضيف: "المعركة الرئيسية التي دارت هناك، كانت في محيط اللواء 16 المشاة، الكتيبة 18 التي انتميت لها، والتي شكلت الحد الأيمن للجيش الثاني ككل، تحت قيادة المقدم أحمد إسماعيل عطية، الذي اختار موقعاً مستنِداً على "ترعة" جافة من ترع قرية الجلاء المصرية، والتي اصطلح على تسميتها المزرعة الصينية، ليصبح الحد الأمامي للكتيبة "ترعة" جافة، نستند عليها في الدفاع، بعد ذلك أصبح هذا الأمر يدرّس وأصبحنا نطلق عليه خندق مضاد للدبابات".
كما يتابع الألفي: "حين كانت الدبابة الإسرائيلية تقع في الخندق، كانت تعجز عن الصعود نتيجة درجة الانحدار الشديدة، وقد شهدتُ أسر جماعة مشاة إسرائيلية كاملة، مكونة من 10 أشخاص، علقت مجنزرتها في الترعة".
بطولة الجندي العربي وإصابة شارون
ويتحدث الألفي عن المواقف البطولية التي كثيراً ما تكررت خلال الالتحامات العنيفة مع جنود العدو، قائلاً: "لو وصلت الدبابة لخندق المشاة، كان الضابط أو الجندي، يستهدفها إما بقنبلة يدوية مضادة للدبابات، أو قنبلة عادية".
ويضيف: "كان معنا قنابل عادية (أم 43)، نرميها فوق الدبابة الإسرائيلية، لتفجرها بالكامل".
ويتابع البطل من حرب أكتوبر: "كان الجندي مدرباً على التعامع مع احتمال دهسه من قبل دبابات العدو، عبر الاستلقاء لتمر الدبابة فوقه، ثم النهوض ومهاجمتها إما برمي القنبلة المضادة للدبابات، أو عبر تسلق ظهرها، ورمي قنبلة يدوية عادية من فتحات البرج، لتنفجر الدبابة من الداخل، الأمر الذي يحتاج شجاعةً، وتكرر كثيراً خلال المواجهات".
ويؤكد الألفي أن "حجم الخسائر في صفوف العدو الإسرائيلي كان ضخماً، لدرجة أن الضباط المصريين كانوا يدركون صعوبة تصديق رواياتهم، لشدة ما كبدوا العدو من خسائر".
ويستدرك: "حتى شارون قائد القوات هناك، أصيب وضمد رأسه، وأوقعنا الإسرائيليين في تلك المنطقة بأعداد كبيرة، بين قتيل وجريح".
هنا يقول الألفي بحسرة: "رفعوا كل هذه الخسائر ولم يتم تصويرها، إلا أن الأمر الأهم، هو أننا عشناها على الواقع".
ويتابع: "كانت موقعة ضخمة جداً، ونحن كمقاتلين مصريين واجهنا كل هذه الدبابات والمجنزرات ونيران المدفعية الضخمة، والقوات الجوية، بإمكانياتنا التي كانت موجودة في ذاك التوقيت".
إصرار إسرائيلي بدعم أميركي
بعد البداية الكارثية للحرب، بالنسبة للجيش الإسرائيلي، كانت القوات الإسرائيلية وفق الألفي، في موقف سيء جداً.
ويضيف: "حشدت إسرائيل لعملية ضخمة جداً، لتحقيق اختراق وتكبيد الجيش المصري خسائر في صفوفه، وخضنا معركة عنيفة وشرسة للغاية، في الدفاع عن مواقعنا، ويكفي أن أخبرك عن قادتنا الأربعة الكبار الذين أصيبوا يومها، وكانوا قائد الفرقة وثلاثة قادة للألوية".
ويتابع الألفي أن "قائد الفرقة الفريق عبد رب النبي أصيب وأخلي، وقائد اللواء الثالث شفيق متري السدراك استشهد، بينما بترت ساق قائد اللواء 112 نتيجة الإصابة، فتخيل عنف القتال والمعارك".
"وصل عنف المعارك لدرجة القتال وجهاً لوجه، بين رجل المشاة والدبابة، وهنا لا بد من ذكر أسماء البعض مثل الرائد نوري السجاد، والنقيب محمد زكي الذي كان يدمر الدبابات بطريقة ذكية جداً، والرقيب شوقي الشناوي والرقيب صلاح الدين اللذان، تسببا بأسر 10 جنود إسرائيليين. كذلك الجندي مرعي مع الرقيب الغرباوي، والرقيب أول محروس أبو زيد، الذين دمرا دبابة وعربيتين إسرائيليتين محملتين بفصيل مظلات، بينهم قائد سرية المظلات، الذي رأيته بأم عيني محترقاً بعربته المجنزرة التي كان يستقلها"، وفق الألفي.
سنحرر فلسطين
يشير الألفي، إلى أنهم كانوا يتابعوا أخبار رفاقهم في الجيش السوري على الجبهة الأخرى، عبر نشرات التوعية التي كانت تصدر بشكل يومي. كذلك كانت المتابعة بشكل مستمر في مجال تبادل التجارب والدروس المستفادة، بطريقة يومية بين الجبهتين، كون الكثير من الخطط والخدع العسكرية اكتشفت ونفذت في أرض المعركة.
ويختم الشاذلي حديثه: "كلنا أمل دون شك، بتحرير فلسطين، وكل ما يحصل حالياً سيؤدي لذلك، طالما هناك إصرار وعناد على ذلك".
ويؤكد "أنّ الشعب الفلسطيني صاحب حق، وأننا ندعم هذا الحق تماماً في كافة المجالات".