الصحافية لمى غوشة تكسر حبسها المنزلي.. ماذا قالت للميادين نت؟
الصحافية لمى غوشة تنتظر أن تعود بعد 9 أشهر إلى محيطها الاجتماعي والأكاديمي، ولكن يظل مصير حريتها رهناً في يد مخابرات الاحتلال.
تواصل سلطات الاحتلال فرض الحبس المنزلي على الأسيرة المحررة والصحافية لمى غوشة للشهر التاسع على التوالي في منزل عائلتها في حي الشيخ جراح.
وكانت قوات الاحتلال قد اعتقلت الصحافية لمى غوشة في 4 أيلول/سبتمبر 2022 من منزل عائلتها الكائن في حي الشيخ جراح. وخلال الاعتقال، صادرت استخبارات الاحتلال حاسوبها الشخصي بعد حملة تفتيش وتنكيل بمنزل عائلتها.
نقلت سلطات الاحتلال غوشة إلى مركز تحقيق المسكوبية في القدس المحتلة، لتبدأ جولة التحقيق في اليوم الأول، والتي استمرت 8 ساعات متواصلة. وخلال التحقيق، استخدم محققو استخبارات أسلوب الترهيب، وأدى بعضهم دور "الصديق"، في محاولة لتثبيت الاتهامات الموجهة إليها.
ملاحقة مستمرة للعمل الصحافي
وجهت استخبارات الاحتلال إلى الصحافية لمى غوشة خلال التحقيق تهماً تتعلق بنشاطها الصحافي وبمنشوراتها في منصات التواصل الاجتماعي. تقول غوشة للميادين نت إنّ تجربة الاعتقال كانت صعبة في البداية، وواجهت تناقضاً بين نفي التهم الموجهة ضدها أو الدفاع عن حقها في التعبير والعمل الصحافي.
وفي السياق نفسه، تعتبر سلطات الاحتلال النشر في وسائل التواصل الاجتماعي والعمل الصحافي في نطاق القضية الفلسطينية "تحريضاً". وقد تصل فترة السجن بناءً على تهمة "التحريض" من 6 أشهر إلى 5 سنوات.
وأضافت غوشة: "تلقيت استشارة من المحامي خلال التحقيق، ولكن لا توجد آلية لتعامل الصحافي مع قضاياه التي تتعلق بحرية التعبير خلال التحقيق"، وأكدت أنّ الصحافي الفلسطيني عرضة للاعتقال في أي وقت، بناءً على عمله الصحافي".
وأشارت إلى أنّ الاعتقال جرى أمام طفليها كرمل وقيس، ما تسبب لهما بصدمة وقلق من الانفصال،مضيفةً: "لحظتها، كنت قد طلبت من استخبارات الاحتلال أن أودع طفلي. وقد أخبرتهما بأنني سأغيب لفترة قصيرة".
يشار إلى أنّ الصحافية لمى غوشة مرت بتجربة الاعتقال سابقاً، ما سهل عليها معرفة مجريات التحقيق وآلية التعامل مع استخبارات الاحتلال، إذ أخضعها الاحتلال للتحقيق مرتين. وقد كانت تجربة الاعتقال مرتبطة بعملها في مؤسسة إيلياء المقدسية.
وفي هذا الصدد، قالت غوشة: "كنت أعد برنامجاً يتعلق بالأسرى الفلسطينيين، ولكن بشكل تفاعلي مع الشارع الفلسطيني ضمن مؤسسة إيلياء قبل أن يغلقها الاحتلال ويصنفها ضمن قائمة "الإرهاب". وقد تمّ الإفراج عني بشرط الحبس المنزلي لمدة 5 أيام ودفع 5000 شيكل غرامة مالية".
عزل سجن "هشارون"
نقلت سلطات الاحتلال غوشة إلى سجن هشارون لمدة 10 أيام، في زنزانة داخل قسم خاص بالسجناء المدنيين، ما عرضها للضغط من السجناء الذين كانوا يواصلون الصراخ والكلام البذيء. وأضافت في هذا الشأن عن أوضاع سجن هشارون والزنزانة التي ظلت فيها معزولة: "كنت في زنزانة تحت التشديد الأمني والمراقبة، وفي داخلها ثلاث كاميرات، إحداها موجهة نحو دورة المياه والاستحمام، واثنتان مسلطتان نحو السرير، فيما يطل شباك الزنزانة على ساحة السجن، ما تسبب لدي بقلق من السجناء المدنيين".
وقد تعرضت غوشة، خلال نقلها إلى سجن هشارون، لسياسة التفتيش العاري، إذ تقول: "خلال التفتيش العاري، ليس لك الحق بامتلاك جسدك، وتنعدم الخصوصية. هذه المرحلة مؤذية جداً".
سجن الدامون "سريالي وحلم"
بعد 10 أيام من عزل الصحافية لمى غوشة في سجن هشارون، نقلتها سلطات الاحتلال إلى سجن الدامون للأسيرات الفلسطينيات، فيما كانت تنتظر انعقاد جلسة محاكمتها. وصفت غوشة المشهد بأنّه "سريالي وحلم"، عندما حظيت باستقبال الأسيرات اللواتي كن ينتظرنها وأعددن الملابس والمستلزمات الشخصية لها مسبقاً.
وقالت غوشة: "عندما وصلت إلى السجن، كانت الأسيرة شروق دويات قد أعدت طبقاً من الطعام لي، فيما ألبستني الأسيرة إسراء جعابيص سواراً بألوان علم فلسطين".
وأضافت: "بعد الاستقبال، جلست مع الأسيرات، وأطلعتهن على الأوضاع والأخبار خارج المعتقل. وفي الوقت ذاته، حاولت رفع معنوياتهن، وتحديداً معنويات الأسيرة إسراء جعابيص. قلت لها: أنتِ حالة استثنائية، وأنتِ حاضرة في وعي الناس وذاكرتهم طيلة الوقت، فأجابتني: شو الفايدة إذا لهلأ هون ومش مع ابني وما بتعالج".
ولفتت إلى أنّها لمست خلال جلسة الاستقبال الاجتماعية أنّ الأسيرات ينتظرن صفقة تبادل للإفراج عنهن.
وأردفت قائلةً: "شعرت بالحزن بعدما جاء قرار الإفراج في اليوم نفسه الذي وصلت فيه إلى سجن الدامون، لأنني أصبحت داخل العالم الذي أبحث وأكتب عنه. أخبرت الأسيرة مرح بكير ممثلة الأسيرات بأن تطلب من عائلتي تأخير دفع الكفالة ليوم واحد على الأقل لأبقى معهم ليلة واحدة".
الباحثة داخل الأسر
كانت الصحافية لمى غوشة قُبيل اعتقالها طالبة دراسات عليا في برنامج الدراسات الإسرائيلية في جامعة بيرزيت، وكانت تنجز متطلب الحصول على الدرجة "الرسالة" تحت عنوان نفق جلبوع "نفق الحرية".
وبالرغم من أن الاحتلال حاول أن يعزل غوشة عن العالم، فإنّ اعتقالها خلق لديها أرضية خصبة لمعرفة بنية السجن. وفي السياق نفسه، قالت غوشة: "عشتُ كل لحظة خلال الاعتقال مدركة للتفاصيل الهندسية والمعمارية للسجن، ما أعطاني قوة لمواصلة مقترح رسالة الماجستير".
وأضافت: "بعد تحرري من المعتقل، أعدت العمل على مقترح الرسالة من الصفر، وأرسلته إلى اللجنة الأكاديمية، بعدما صادرت سلطات الاحتلال حاسوبي الشخصي الذي يحوي دراستي الجامعية. كل دقيقة بالنسبة إلي هي مقاومة على جميع الصعد. سأظل أسير في الطريق الذي أراه مناسباً رغم المجهول".
وعلى الرغم من القيود التي فرضها الاحتلال عليها ضمن شروط الإفراج، التي تتمثل بالعزل الاجتماعي عبر "الحبس المنزلي" ومنعها من استخدام شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، فإنّها كرست وقتاً للبحث في القضايا التي واجهتها خلال الاعتقال وبعده، كالبحث وتوثيق حالات الاعتقال المتمثلة بحالة "الحبس المنزلي" التي تواجهها شريحة من الأسرى المحررين، وتحديداً الأسرى الأطفال في مدينة القدس المحتلة.
الحبس المنزلي في حي الشيخ جراح
تروي الأسيرة المحررة والصحافية لمى غوشة للميادين نت التحديات والصعوبات التي واجهتها إثر عزلها عبر الحبس المنزلي بعد الإفراج المشروط عنها، وتقول إنّ الاحتلال غير مسار حياتها بإبعادها عن منزلها في حي كفر عقب شمال القدس المحتلة إلى منزل عائلتها في حي الشيخ جراح الذي كان مهدداً بالمصادرة والاقتلاع قبيل عامين، ليفرض عليها الحبس المنزلي ضمن شروط الإفراج من دون تحديد موعد الانتهاء.
وفي السياق نفسه، قالت لمى غوشة: "عدت إلى منزل عائلتي في حي الشيخ جراح كأني ابنة الثامنة عشر ربيعاً مع طفلي كرمل وقيس"، وأشارت إلى أنّ مسار حياتها الأسرية تغير، وأُجبرت على نقل أطفالها إلى مدارس ووسط اجتماعي مختلف عما اعتادوه في بلدة كفر عقب شمال القدس المحتلة.
وأضافت: "يعتقد البعض أنّ الحبس المنزلي لطيف وناعم، ولكن في الحقيقة يريد الاحتلال من خلاله خلق توتر اجتماعي وأُسري بين العائلات الفلسطينية، عن طريق جعل أحد الوالدين مراقباً لابنهما الذي فرض عليه هذا القرار، وأكدت أن الشخص يجب أن يكون واعياً للأبعاد الاجتماعية والنفسية التي يخلقها الحبس المنزلي بصفته عزلاً عن المجتمع".
بين البطولة وإبطال وهم كيان الاحتلال
تداولت وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي فيديو يظهر لمى غوشة أثناء انعقاد جلسة محاكمتها في 12 أيلول/سبتمبر العام الماضي، وهي تنادي: "بدي أولادي"، إذ لاقى المقطع انتشاراً ومناصرة على الصعيد المحلي والعالمي، في محاولة لإظهار الجانب الإنساني لقضية الأسرى.
تقول الصحافية لمى غوشة في هذا الشأن إن هناك انطباعاً وصورة نمطية عن الأسير/ة الفلسطيني/ة بأنه صلب من دون النظر إلى مشاعره الإنسانية، مشيرةً إلى كانت تشعر بالضغط خلال جلسة محاكمتها، وصدمت بوجود الصحافة بشكل كثيف.
وأضافت: "قبيل انعقاد جلسة المحاكمة، نقلت من سجن هشارون إلى القدس عبر بوسطة لمدة 12 ساعة متواصلة، ثم وضعت في زنزانة الانتظار الخاصة بالمحكمة وحدي. وقد صادف وقتها موعد الدورة الشهرية، ولم يكن هناك أي من اللوازم الشخصية. خلال انتظاري انعقاد جلسة المحاكمة، كنت أعاني بسبب عدم الحصول على اللوازم الشخصية الخاصة بالدورة الشهرية، وقد رفض السجانون تقديم أي من مستلزمات العناية الشخصية".
قضية الصحافية غوشة.. إلى أين؟
أفرجت سلطات الاحتلال عن الصحافية والباحثة لمى غوشة، شرط الحبس المنزلي ومنعها من التواصل والاتصال مع العالم الخارجي، ودفع كفالة مالية تقدر بـ80 ألف شيكل، وهو ما يعادل 22 ألف دولار أميركي.
تقول الصحافية غوشة: "ما حدث معي سابقة تاريخية الهدف منها هو منع الصحافيين من مواصلة عملهم في مدينة القدس المحتلة. الاحتلال يحاول تقييد الصحافيين المقدسيين ومحاصرتهم وزرع الخوف في قلوبهم ومنعهم من مواصلة عملهم الصحافي".
وأشارت إلى أنّ قضيتها متواصلة في محاكم الاحتلال. وقد شهدت 6 محاكمات، فيما يرفض الاحتلال فك القيود المفروضة عليها، وقالت: "رفضت طرح قاضي محكمة الاحتلال الذي ينص على منع العمل الجماهيري، فيما رفضت مخابرات الاحتلال اقتراح القاضي".
تواصل الصحافية والباحثة لمى غوشة نضالها، رغم المجهول والعزل في منزل عائلتها الكائن في حي الشيخ جراح، فهي الأم التي حرمت من ممارسة دورها مع طفليها كرمل وقيس، وهي الباحثة والصحافية التي انقطعت عن المجتمع الذي تنتمي إليه وتناضل أكاديمياً ومعرفياً من أجله.
تنتظر غوشة أن تعود بعد 9 أشهر إلى محيطها الاجتماعي والأكاديمي، ولكن يظل مصير حريتها رهناً في يد مخابرات الاحتلال.