الانتخابات اللبنانية 2022.. أصوات الإعلام أعلى من أصوات الصناديق
دعايات إعلامية هائلة ظهرت في الشاشات اللبنانية ووسائل التواصل الاجتماعي قبل موعد إجراء الانتخابات اللبنانية وبعدها. كيف يفسّر حزب الله والتيار الوطني الحر هذه الظاهرة؟
أُغلقت آخر صناديق الاقتراع في لبنان على وقع وعود انتخابية دسمة. انتظر اللبنانيون، ومعهم القوى السياسية، ساعات طويلة قبل إعلان النتائج، الأمر الذي أتاح رسم مسارات وخطط وانتصارات وهمية في الوقت الضائع.
قبل إعلان النتائج الرسمية، فاز مرشحون وتشكّلت تكتلات وفُضّت أخرى. نُزع سلاح المقاومة، وفقدت شرعيتها لبنانياً ودولياً. تمّ ترسيم الحدود مع الطرف الإسرائيلي، وكذلك وقف لبنان، الذي يقع عند الحدود مع فلسطين المحتلة، على الحياد، وحصل على قرض من البنك الدولي، وازدهر الاقتصاد سريعاً. وعلى الرغم من أنّ أحداً لم يتحدث عن سعر صرف الدولار أمام الليرة اللبنانية، فإنه ارتفع هو الآخر في انتظار النتائج. تغيّرت التشكيلات داخل المجلس النيابي اللبناني، وهناك من أعلن عزوفه عن انتخاب رئيس مجلس النواب الحالي نبيه بري مجدداً، بمجرد ظنّه أنّه فاز. كسب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع أكبر كتلة مسيحية في لبنان، وتلقى التيار الوطني الحر "ضربة" تاريخية تمثّلت بخسارته في عكار والمتن وعدد من المناطق. أمّا "الثنائي الوطني"، فتلقّى هو الآخر صفعة غير عادية في قرى الجنوب، بعد أن تمّ خرق لوائحه بالكامل من جانب قوى التغيير... ثم صدرت النتائج.
عناوين جديدة وأرقام مشوَّهة رُوِّجت، فرضها بعض محطات التلفزة العربية والغربية، وكذلك الناشطون ووسائل التواصل الاجتماعي. وعلى الرغم من جلاء الصورة بعد صدور نتائج الانتخابات الرسمية، أصرّت عدة قنوات إعلامية على ترويج عدة أفكار، منها أنّ حزب الله خسر في الجنوب، وأنّ حزب القوات اللبنانية استحصل على الأغلبية المسيحية، وهو ما يعني خسارة مدوية للتيار الوطني الحر، ويعني أيضاً أنّ الناس لفظت المقاومة وحلفاءها، وأنّ شيئاً ما سيحدث.
مفاجآت مدوّية في الانتخابات
بدأ الإعلام الغربي الحديث عن مرحلة ما بعد الانتخابات في لبنان، مستنداً إلى الأرقام الأولية للنتائج، واستمرت التحليلات في التطرّق إلى "وجه جديد للبنان، ظهر في الـ15 من أيار/مايو 2022" (يوم الاستحقاق الانتخابي في لبنان).
صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عنونت، في الـ17 من أيار/مايو، أنّ "حزب الله وحلفاءه خسروا الأغلبية النيابية"، وتحدّثت عن الوجوه الجديدة التي قد تُرى في البرلمان اللبناني. ومع الإشارة إلى أنّ "العدد النهائي للمقاعد التي سيجمعها حزب الله مع حلفائه لم تتّضح بعد"، أكّدت الصحيفة أنّ الحزب "لن يتمكن قطعاً من الوصول الى 65 مقعداً".
وقال موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، في تقرير له أيضاً، إنّ "حزب الله يواجه حقيقة جديدة"، عارضاً "التراجع الكبير الذي تعرّض له الحزب في هذه الانتخابات". التقرير نفسه، الذي تحدّث عن "ضربة كبرى" لحزب الله، لفت إلى أنّ "حزب القوات اللبنانية حقق مكاسب كبرى، تعني أنّه سيتفوق على حزب التيار الوطني الحر، ليصبح نتيجة ذلك أكبر حزب مسيحي في البرلمان".
بالتزامن مع الترويج الغربي لخسارة بعض الأحزاب اللبنانية، تحدّثت مواقع لبنانية داخلية عن الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، و"كأس الخسارة المرة"، وعنونت أنّ "الجنوبيين كسروا السوط بالصوت"، وألمحت إلى "تفاؤل واشنطن في ظل تراجع إيران في لبنان".
رَصْدٌ سريع لبعض وسائل الإعلام الغربية والعربية، يُظهر بوضوح حملة إعلامية يظنّها القارئ ممنهجة، لفرط تشابهها، تسعى لتضليل الرأي العام من خلال عناوين فضفاضة تتحدث عن "معركة كسر عظم"، قادتها أحزاب في وجه أحزاب أخرى ،"وربحت فيها"، على الرغم من أنّ الأرقام تفيد بنتائج مغايرة.
حزب الله لم يخسر
في ذروة التراشق الإعلامي، قال المستشار السياسي للأمين العام لحزب الله والنائب السابق، حسين الموسوي، إنّ الماكينة الإعلامية التي روّجت "هزيمة حزب الله" تمتلك قدرات إعلامية هائلة في مقابل قدرات الحزب التي تتحرك بصورة محدودة، مشيراً إلى أن الناس، بعد صدور النتائج الرسمية، عرفت أنّ الضجيج الإعلامي الهائل بشأن خسارة حزب الله هو "محاولة لاستهداف المقاومة والقضية الكبرى".
وتحدّث الموسوي إلى الميادين نت عن نتائج الانتخابات في بعلبك الهرمل، بسبب خصوصيتها، معتبراُ أنّ الأوضاع المعيشية هناك سيئة جداً مقارنة بسائر المحافظات اللبنانية. ومع ذلك، فاق الحشد الموجود كل تصور عندما دعا الأمين العام لحزب الله الناس إلى المهرجان الانتخابي في الـ13 من أيار/مايو.
في عرسال (ذات الأغلبية السنية) "كان أصعب امتحان بين السنّة والشيعة في حرب الجرود"، بحسب الموسوي، الذي قال إنّ "لدى حزب الله اليوم نائباً من عائلة الحجيري؛ العائلة التي حدث احتكاك كبير معها في حرب الجرود بين شبان المقاومة والتكفيريين".
في الجنوب، بالرجوع الى الأرقام، تحدّث الموسوي عن النائب عن كتلة الوفاء للمقاومة، محمد رعد، الذي حصل على أكثر من 48000 صوت تفضيلي في الانتخابات الحالية، واصفاً الرقم بـ "العالمي"، مشيراً إلى أنّ "الناس تمتلك درجة من الوعي تستطيع فيها تمييز الحق من الباطل".
وأضاف الموسوي أنّ "حزب الله لم يخسر. وما حدث واضح جداً، خسر لنا حليف في الجنوب (أسعد حردان)، وهو لديه مشكلة داخل بيئته. وسبب سقوطه أنّ الناس لم تعطه أصواتاً من داخل حزبه".
وفي إطار الحديث عن المعارضة، رأى الموسوي أنّ "المعارضة نفسها منقسمة. هناك معارضون مستقلون ومعروفون، وآخرون مرتبطون مباشرة بالسفارات"، مؤكّداً أنّ "حزب الله سيحاور جميع المعارضين، حتى المرتبطين بسياسة خارجية".
وأكد الموسوي أنّ المعارضة ليست عدواً لحزب الله، وتساءل عن المعارضة التي تحتفل بها القوات اللبنانية، متسائلاً: "هل سمير جعجع (رئيس حزب القوات) كان خارج هذه المنظومة؟ أَلَمْ يكن يشارك، وأَلَمْ يَكُن لديه وزراء؟"، معتبراً أن رئيس حزب القوات " يُخرج نفسه من المنظمومة السياسية من أجل كسب الناس، واللعب بعقولهم".
وتطرّق المستشار السياسي للأمين العام لحزب الله إلى فوز الحزب بمقعد في جبيل، مؤكداً أنّ "النائب رائد برو واجه حملات إعلامية معادية، ودُفعت أموال لمنعه من الوصول، لكنه كان الأول في لائحته".
وأشار إلى أنّ حزب الله كان لديه نسبة مشاركة تخطّت 77%. والقرى التي كانت نسبة مشاركتها قليلة بلغت النسبة فيها بين 40 و42%، مضيفاً أنّ "حزب الله تعرّض لحملة قبل الانتخابات وخلالها، وهذه الحملة ستستمر".
القوات أغرقت السوق الإعلامية بمعلومات كاذبة
قبل إعلان نتائج الانتخابات الرسمية، وبعدها أيضاً، روّجت عدة وسائل إعلام خسارةَ التيار الوطني الحر بصورة كبيرة، وحصول القوات اللبنانية على أكبر كتلة مسيحية في لبنان.
وقالت منسقة اللجنة المركزية للإعلام في التيار الوطني الحر، رندلى جبور، إنّ "القوات اللبنانية مارست فعل الإعلام الاستباقي لتُحبط معنويات جمهور التيار الوطني الحر وجمهور حلفائه، ولتصنع ضربة استباقية، وترسّخ في عقول الناس أنّها المنتصرة، وأنّ التيار هو الخاسر".
وقالت، في حديث إلى الميادين نت، إنّ "الحقيقة هي عكس ما أشاعته القوات اللبنانية. وعلى الرغم من الحرب الكبيرة على رئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل، وعلى الرغم من جعله عنوان معركتها، وعلى الرغم من كل هذه الأعوام من التضليل والاغتيال، معنوياً وسياسياً، ومن الحرب النفسية واستخدام المال والإعلام وكل الأسلحة المتاحة، ومن الدعم الخارجي، فإنهم لم يستطيعوا إسقاط باسيل في البترون، ولا حتى تقليص كتلة التيار"، معتبرةً أنّ "خروج التيار بكتلة موازية للكتلة التي كان يمتلكها في عام 2018، على الرغم من كل هذه الحرب، هو انتصار كبير ودرس في الصمود".
وبشأن النتيجة النهائية، قالت جبور إنّ "القوات اللبنانية متفوقة على التيار لأنها اشترت وسائل الإعلام بالمال، وتملك جهاز عمل يتقاضى أموالاً، وهو مختص بالإعلام والإعلان والدعاية الانتخابية". في المقابل، فإنّ "التيار الوطني الحر لديه صفر دعاية، ويلجأ إلى وسائله الخاصة القليلة، وعمل مع فريق عمل متطوع".
وتعدّ منسقة اللجنة المركزية للإعلام في التيار الوطني الحر أنّ الحملة الدعائية ضد التيار كانت محضَّرة قبل إصدار النتائج، مشيرةً إلى أنّ النواب، من حَمَلة البطاقات في التيار الوطني الحر، كانوا 18، وما زالوا.