"إسرائيل" تترقب وأميركا تتعطش لمفاوضات الاتفاق النووي في فيينا
تستأنف القوى الدولية وإيران المفاوضات النووية قريباً، في ظلّ تضارب المواقف الدولية بين "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية.
تزداد وتيرة المناشدات الإسرائيلية للقوى الدولية المشاركة في المفاوضات النووية الإيرانية مع اقتراب استئنافها في الـ29 من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي في فيينا.
"إسرائيل" أمام كارثة
التوتر الإسرائيلي بدا واضحاً من خلال تكثيف المناشدات والزيارات الدولية؛ فرئيس حكومة الاحتلال، نفتالي بينيت، أعلن بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، أنّه سيُخاطب الدول العظمى، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، قبل بدء المفاوضات، ويدلي لها بنصيحة وهي "عدم الإقدام على أيّ اتفاق".
الموقف الإسرائيلي يرفض قطعاً أي اتفاق، سواءً بالعودة إلى الاتفاق القديم عام 2015 والذي تعطّل بسبب انسحاب إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب منه، أو حتى الاتفاق المؤقت الذي يجري الحديث عنه في الآونة الأخيرة. والاتفاق المؤقت بحسب ما كشف موقع "أكسيوس" الأميركي، هدفه تجميد العناصر الأكثر إشكالية في البرنامج الإيراني، مقابل تخفيف محدود للعقوبات، كما أنّه يساعد واشنطن على كسب مزيدٍ من الوقت للمفاوضات النووية المتعثرة، في حين تواصل إيران تخصيب اليورانيوم بمستوياتٍ عالية تصل إلى نسبة 60%، وتقترب شيئاً فشيئاً من الحدّ الذي يُمكّنها من إنتاج قنبلة نووية، بحسب الموقع.
ترى "إسرائيل" نفسها معزولة بسبب موقفها من الاتفاق النووي، فهي تلجأ إلى القوّة، وتعتبر نفسها أنها ليست طرفاً في الاتفاق الموقّع من قبل القوى الدولية الكبرى، وتؤكد أنّه في حال تمّت العودة إلى الاتفاق القديم أو الاتفاق المؤقت، فإنّها تعتبر نفسها أنها غير ملزمة به، وتحلل وسائل إعلام إسرائيلية تصريحات رئيس حكومة الاحتلال، نفتالي بينيت، والتي أدلى بها في مؤتمر "السياسة والأمن" في جامعة رايخمان، بقولها: "إذا كانت إسرائيل تعاملت مع الاتفاق السابق على أنّه كارثة، فإنّ هذا الاتفاق المؤقت سيكون كارثة أكبر".
لجأت "إسرائيل" إلى القوّة في التعامل مع الملف النووي الإيراني، لذلك عمدت إلى اغتيال كبير العلماء النوويين الإيرانيين محسن فخري زاده، وفجّرت 4 منشآت نووية وصاروخية إيرانية على أمل شلّ أجهزة الطرد المركزي التي تنتج الوقود النووي، وبذلك ظنّت أنها ستؤخّر إيران في الاستفادة من الملف النووي، ولكن المفاجأة كانت أنّ الإيرانيين تمكنوا بسرعة من إعادة المنشآت إلى العمل، وفي بعض الأحيان تركيب آلات يمكنها تخصيب اليورانيوم بسرعة أكبر، وذلك بحسب ما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين في الاستخبارات الأميركية والمفتشين الدوليين.
أميركا متعطّشة للاتفاق وتلوّح بالعقوبات
موقف الولايات المتحدة الأميركية يأتي على عكس الموقف الإسرائيلي، حيث تلجأ في التعامل مع الملف النووي إلى الدبلوماسية. فالمسؤولون الأميركيون يقولون لنظرائهم الإسرائيليين إنّ الهجمات المتكررة على المنشآت النووية الإيرانية قد تكون مرضية تكتيكياً، لكنّها في نهاية المطاف تأتي بنتائج عكسية. ويقول محللون إسرائيليون إنّ الأميركييين يرون أنّه حتى لو فشلت الدبلوماسية، فإنّ القوّة العسكرية لن تُغيّر من السلوك الإيراني، وهذا هو موضع الخلاف بين "إسرائيل" وأميركا.
ورغم التأكيدات الأميركية أنّ واشنطن مستعدة للعودة إلى الاتفاق ومستمرة في التشاور مع حليفتها "إسرائيل" بشأن الاتفاق، فإنّ المواقف المتباينة بين الطرفين طفت على السطح وباتت موضع تناول الإعلام الإسرائيلي. وسواء عادت الولايات المتحدة إلى الاتفاق القديم أم إلى اتفاق مؤقت جديد، فإنّ هذا يُعدّ تراجعاً طبيعياً لواشنطن.
وبناءً على ما سبق، فقد كان الأميركيون متفائلين بإحياء اتفاق 2015 مع التوصل تقريباً إلى اتفاق على النص، وهذا الأمر ظهر جلياً في التصريحات الأميركية التي أكّدت أن تقدماً كبيراً حصل بشأن المفاوضات، ولكنهم اليوم، وبحسب التصريحات، يعودون إلى فيينا بتشاؤم أكثر مما كان عليه الوضع.
من جانبها، تطالب إيران الولايات المتحدة الأميركية بدخول الممفاوضات النووية التي تُعقد في فيينا بنهجٍ جديد، أي من خلال التخلي عن النهج الأحادي الذي ظهر في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، من خلال فرض إجراءات الحظر الأحادية وغير القانونية، والتي تصفها إيران بـ"الجائرة"، وموضوع رفع العقوبات يحظى بدعمٍ من روسيا والصّين.
وما زالت واشنطن تلوّح بفرض عقوبات جديدة على إيران إذا تشددت الأخيرة في مواقفها في فيينا، وقد ترفع الولايات المتحدة عدداً محدوداً من العقوبات، ولكن ذلك لن يحل المشكلة، لأنّ إيران تشدّد على رفع جميع العقوبات النووية وغير النووية، كما تطالب بايدن بتقديم ضمانات بامتناع أي رئيس أميركي في المستقبل عن الانسحاب من الاتفاق أحادياً، كما فعل نظيره ترامب، ويرجّح مسؤولون أميركيون أنّ بايدن ليس في وارد تقديم مثل هذا الالتزام.
من هنا نجد أنّ نقطة الخلاف الرئيسية هي أنّ فريق بايدن يصرّ على رفع العقوبات عن إيران، ولكن بعد الامتثال الكامل للقيود النووية، أما الأخيرة فترفض هذا الطرح، لكون إدارة ترامب هي من أعلنت الانسحاب من الاتفاق النووي أحادياً.
بايدن مصمم على الاتفاق قبل الانتخابات النصفية
يذكر موقع "Just security" للقانون والأمن أنّه على عكس التوقعات في بعض الأوساط بأن طهران ستتحايل على التزاماتها، وعلى الرغم من مزاعم إدارة ترامب العديدة بعدم امتثال طهران، فإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية والولايات المتحدة ووكالات الاستخبارات الإسرائيلية جميعها أكّدت أنّ إيران امتثلت لالتزاماتها بموجب الاتفاق، بل وواصلت القيام بذلك لمدّة عام بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق.
لا يخفى على المتابع أنّ إدارة بايدن تريد العودة إلى الاتفاق النووي سريعاً، لكن طهران كانت تتروّى في العودة، وتؤكد ضرورة رفع العقوبات أولاً. ويظهر اندفاع الولايات المتحدة نحو المفاوضات خلال إعلانها من منبر الأمم المتحدة أنّ واشنطن مستعدّة للعودة إلى الاتفاق النووي.
المشكلة الأكبر التي تواجه بايدن هي أنّ كثيرين في الحزب الجمهوري مصمّمون على خنق أي عودة إلى الاتفاق، خاصة في ظل غياب اتفاق أكثر شمولاً، يعالج دعم طهران للإرهاب وأعمالها الخبيثة الأخرى، بحسب ما نقلت صحيفة "بوليتيكو" الأميركية.
في ظل هذه المعلومات المركّبة، نجد أنّه لا أمر يدوم في السياسات الأميركية؛ فبايدن دخل البيت الأبيض في الـ20 من كانون الثاني/يناير وهو متمتع بغالبيتين ضئيلتين في مجلسي النواب والشيوخ، مع نسبة تأييد قاربت 60%، وبعد عشرة أشهر، من الواضح أن النفوذ السياسي للرئيس في طريقه إلى التلاشي وشعبيته إلى التدهور، بحسب ما ذكرت صحيفة "ذا هيل" الأميركية.
ومن المتوقع أن يسيطر الجمهوريون على مجلسي الكونغرس في الانتخابات النصفية في العام المقبل، وأن يكونوا قادرين على استعادة البيت الأبيض في 2024، وهنا تكمن المشكلة، وهي أنّ إيران تريد من بايدن أن يمنع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مجدداً، وهو غير قادر على ذلك إلا بعد تغيير القانون، لهذا تسعى إدارة بايدن سريعاً للعودة إلى الاتفاق قبل الانتخابات النصفية الأميركية.
الولايات المتحدة الأميركية غير قادرة الآن على مواجهة إيران عسكرياً، فإيران وحلفاؤها اليوم أقوى من أي وقتٍ مضى، سواء في سوريا أم اليمن أم فلسطين المحتلة أم العراق، كما أنّ واشنطن تلقّت للتوّ ضربات موجعة، كان آخرها في أفغانستان.