إدوراد سنودن.. "الروسي الجديد" الذي عرّى منظومة التجسس الأميركي
إدوارد سنودن، الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، يحصل على الجنسية الروسية، بعد فضحه السياسة الأميركية أمام العالم أجمع.
قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس الاثنين، إعطاء إدوارد سنودن، الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، الجنسية الروسية.
وشمل المرسوم الذي وقعه بوتين 72 أجنبياً، لكن سنودن كان الأبرز، وهو الاسم الذي أخذ الاهتمام الإعلامي الكبير عالمياً، من واشنطن وصولاً إلى كل دول العالم، مثلما حصل عام 2013، عندما استعد، بحسب مذكراته، للتضحية بكل شيء لأنّه رأى في تجسس بلاده تهديداً للديمقراطية التي تنادي بها.
نشر فضيحة "بريزم"
في أوائل أيار/مايو 2013، تقدم سنودن بإجازة من عمله، بذريعة حاجته إلى تلقي علاج من مرض الصرع الذي لازمه. وفي العشرين من الشهر نفسه، خرج سنودن من بلاده إلى هونغ كونغ، ومن هناك سرَّب لصحيفتي "غارديان" البريطانية و"واشنطن بوست" الأميركية تفاصيل برنامج تجسسي سري للحكومة الأميركية لمراقبة اتصالات الهواتف والإنترنت، يعرف باسم "ببريزم".
"بريزم" هو الاسم الرمزي لبرنامج مراقبة سري أو مشروع تجسس ضخم تديره وكالة الأمن القومي الأميركية، وتستخدمه لاستخراج بيانات المستخدمين المخزنة ضمن أجهزة خوادم شركات إنترنت أميركية كبرى، مثل "غوغل" و"فيسبوك" و"آبل" و"ياهو" وغيرها. ومن خلاله، يمكن الحصول على رسائل بريد إلكتروني ومكالمات صوتية ومقاطع فيديو وصور واتصالات أخرى لعملاء تلك الشركات من دون الحاجة إلى أمر قضائي.
بعدها، ومع انتشار الأخبار والتحاليل عن خطوات سنودن وتداعيات فعله، بات المطلوب الأول لواشنطن بعدما وضعته في لائحة "فاضحي أسرار أميركا"، إذ زعزعت الوثائق التي سرّبها لوسائل الإعلام ثقة الشعب الأميركي بإدارة الرئيس باراك أوباما.
أثار فعله حفلة تجاذب سياسي، بعدما استغل نواب جمهوريون حكاية سنودن لتصوير أوباما على أنّه فاشل على صعيد السياسة الخارجية. وبيَّنت الحادثة، بحسب الجمهوريين، ضعف أوباما وتسببه بتراجع مكانة واشنطن الدولية.
من أزمة داخلية إلى أزمات دولية
في 23 أيار/مايو، توجَّه سنودن من هونغ كونغ إلى روسيا. هناك، بات مصيره "ساحة" صراع دولي بين الولايات المتحدة والصين وروسيا والإكوادور. البلدان الأخيران تقدم إليهما باللجوء، وصارت المفاوضات بين موسكو وكيتو على مستوى وزارات الخارجية وقتها من أجل لجوئه السياسي إلى إحدى العاصمتين.
وبعدما ألغت واشنطن جواز سفر سنودن، أصدر قنصل الإكوادور في لندن وثيقة سفر له، وتسربت صورها إلى وسائل الإعلام. كل هذا يحصل، وسنودن يجلس في قاعة تحويل الرحلات (ترانزيت) بمطار شيريميتيفو في العاصمة الروسية موسكو. من جهته، اتخذ رئيس الإكوادور، رافاييل كوريا، إجراءات عقابية بحق قنصل بلاده في لندن لتخطيه صلاحياته وإصداره من تلقاء نفسه وثيقة اعتبرها صالحة للاستخدام، مؤكداً أنّها صدرت من دون موافقة كيتو.
بالتوازي، كان الرئيس البوليفي إيفو موراليس عائداً من روسيا إلى بوليفيا بالطائرة الرئاسية، بعدما شارك في اجتماع للدول المنتجة للغاز الطبيعي. أجرى وقتها محادثات مع نظيره بوتين، وقال موراليس رداً على سؤال لقناة "روسيا اليوم" عن احتمال لجوء سنودن إلى بوليفيا: "إذا كان هناك طلب فسنناقشه وندرس الفكرة". بعدها، سرت شائعات بأنّ سنودن استقل طائرة الرئيس البوليفي.
أغلقت فرنسا وايطاليا والبرتغال مجالها الجوي أمام طائرة موراليس، بحسب وزير الخارجية البوليفي ديفيد شوكويهوانكا، ما اضطرها إلى تغيير مسارها. وأوضح أنّ "الرئيس اضطر إلى الهبوط في فيينا"، مضيفاً أنّ حياة موراليس تعرضت للخطر بهبوط الطائرة اضطرارياً في النمسا.
إضافةً إلى ذلك، لم تكن العلاقات بين واشنطن وموسكو في أفضل مستوياتها على الصعيد السياسي، حتى إنّ الأمور وصلت إلى اتهام بوتين بأنّه كان على علم بوصول سنودن إلى موسكو ووافق على الأمر، لكنه لم يرد وقتها تعميق توتر العلاقات بين البلدين.
كان بوتين ينوي تسليم سنودن للأميركيين. اتصل أوباما به طالباً ذلك، فطلب بوتين في المقابل التوصّل إلى اتفاقية قانونية بين روسيا والولايات المتحدة، تشمل تبادل المطلوبين في البلدين. رفض الجانب الأميركي توقيع الاتفاقية، ثم رفض تسليم موسكو بعض المطلوبين الهاربين من روسيا للولايات المتحدة.
وقتها، قال بوتين: "أخطأ الأميركيون بعدم الاتفاق معنا، وهذا هو ما منع ذهاب سنودن إلى السجن في وانشطن. أراد الأميركيون علاقة صفريّة معنا، بحيث يأخذون سنودن من دون أن يسلّموننا أي مطلوب، فيما كنا نطالب بحل المسألة تحت خانة رابح-رابح". تصريح يُفهم اليوم بعد قول بوتين أمس: "على الغرب أن يعامل روسيا باحترام".
بعد 6 سنوات من الحادثة، وتحديداً في أيلول/سبتمبر 2019، تحدّث سنودن بالتفصيل في كتاب مذكراته الخاصة عن كيفية إسهامه في بناء نظام التجسس الأميركي حين كان يعمل لدى الاستخبارات المركزية CIA متعاقداً مع وكالة الأمن القومي، موضحاً الأسباب والمبادئ الأخلاقية التي دفعته إلى إسقاطه وإدانته.
ويقول في إحدى صفحاته: "إذا كنت تقرأ هذا العمل، فذلك لأنني فعلت شيئاً خطراً في موقفي: قررت أن أقول الحقيقة. جمعت وثائق تبين أنّ أجهزة الاستخبارات الأميركية كانت تنتهك القانون، ثم أعطيتها للصحافيين الذين تقصّوا عنها قبل نشرها، وهو الأمر الذي خلق فضيحة عالمية".
صدر الكتاب تحت عنوان: "مذكرات حية: الرجل الذي خاطر بكل شيء من أجل التنديد بالمراقبة الشاملة". وفيه عرّى سنودن السياسة الأميركية أمام العالم كله.
وبعدها بعام، طلب سنودن وزوجته الحصول على الجنسية الروسية مع الاحتفاظ بجنسيتهما السابقة. وأمس حصل عليها، وبالتالي بات يخضع لحماية السلطات الروسية الرسمية. خطوة وصفتها وسائل الإعلام الروسية برد فعل بسيط على العقوبات والإجراءات الأميركية تجاه مواطنين وشخصيات روسية.