أميركا بسلاح إضافي إلى المنطقة.. هل ستنقذ واشنطن "إسرائيل" مِن "طوفان الأقصى"؟
الولايات المتحدة تتحرك في اتجاه المنطقة، بسلاحها وجنودها، محاولةً إنقاذ ما يمكن إنقاذه في كيان الاحتلال، الذي ضربته مقاومة فلسطين بـ"طوفان الأقصى"، في خطوةٍ ستشعل صراعاً لن تتحمّل واشنطن مخاطره.
أحدث إعلان وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، الأحد، أمره للمجموعة الهجومية لحاملة الطائرات الأميركية، "يو أس أس جيرالد فورد"، بالإبحار إلى شرقي البحر الأبيض المتوسط، لتكون "مستعدة لمساعدة إسرائيل"، صدىً عالمياً، طارحاً تساؤلاتٍ مهمة ومتسارعة بشأن تدخلٍ أميركي عسكري على خط التطورات المتواصلة في فلسطين المحتلة.
وأكد البيت الأبيض الأميركي، عبر المتحدث باسمه، جون كيربي، أنّ لا نية في إرسال قواتٍ برية أميركية إلى فلسطين المحتلة، مُشيراً إلى أنّ حاملة الطائرات، التي سترافقها صواريخ كروز، وأربع مدمرات صواريخ، "ستحمي المصالح الأميركية في المنطقة"، لافتاً إلى أنّ الولايات المتحدة تتوقع طلباتٍ أمنية إضافية من "إسرائيل"، وستحاول تلبية كل ما تحتاج إليه في أسرع وقتٍ ممكن.
تُعَدّ حاملة الطائرات المرسَلة إلى الشرق الأوسط أحدث حاملة طائرات تابعة للبحرية الأميركية وأكثرها تقدماً، وتحمل على متنها ما يقارب خمسة آلاف من عناصر المارينز، وعلى سطحها طائرات حربية وطرّادات وأسلحة متنوعة. والهدف من إرسالها استعراض قوةٍ، تهدف واشنطن من خلاله إلى القول إنّها "مستعدّة للرد على أي شيء"، بدءاً بمنع وصول أسلحةٍ إضافية إلى المقاومة الفلسطينية في غزة، مروراً بإجراءات المراقبة، وصولاً إلى التدخل المباشر، إذا لزم الأمر.
وجاء كشف صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، الثلاثاء، ليؤكّد، نقلاً عن مسؤولين عسكريين أميركيين، أن "الولايات المتحدة قد تنشر حاملة طائرات ثانية بالقرب من إسرائيل، في تعزيز للجهود العسكرية الأميركية من أجل ردع القوى الإقليمية عن الانضمام إلى الحرب بين حماس وإسرائيل".
يطرح الدعم الأميركي للاحتلال الإسرائيلي استحضاراً للحديث عن تدخلٍ أميركي مباشر لإنقاذ "إسرائيل"، وحدود تدخلٍ كهذا، وخصوصاً أنّ ملحمة "طوفان الأقصى"، التي فجّرتها المقاومة مِن قطاع غزّة، أعادت، بصورة استثنائية، فرض خشيةٍ إسرائيلية غربية صارخة مِن تحركٍ مُقاوم يواصل هجمته، مُستهدفاً إسقاط "إسرائيل" نهائياً، من دون أن تغادر هذه الخشية المشهد التنسيقي الكبير والمتناغم بين أعضاء محور المقاومة، الذي لا يُخفي طموحه إلى إزالة كيان الاحتلال من الوجود.
تتبادر إلى الأذهان عدّة تساؤلاتٍ بخصوص دخولٍ أميركي للأحداث، لم ينقطع أو يتوقف في مراحل منه، ويُرى حاسماً في مراحل متقدمة من تطورات الأحداث، ليكون التساؤل الأبرز هو: "هل يمكن أن يتدخل الأميركي بصورة مباشرة في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة؟"، بالإضافة إلى استفهاماتٍ متعددة بشأن حدود أي تدخلٍ سيحدث.
تعدّد الجبهات.. كابوسٌ إسرائيلي أميركي
أجرت الميادين نت مقابلةً مع أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، حسن نافعة، استبعد فيها أن تتدخل الولايات المتحدة، عبر المشاركة بقواتٍ أميركية في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مُرجعاً ذلك إلى أن "إسرائيل" لا تحتاج إلى مثل هذا التدخل "حتى لو قرّرت القيام بعمليةٍ عسكرية برية ضد قطاع غزة".
ورجّح نافعة أنّ الهدف من وجود القوات الأميركية، بالقرب من مسرح العمليات المتواصلة، هو محاولة فرض نوعٍ من "الردع لأطرافٍ أخرى، وخصوصاً حزب الله، عن المشاركة المباشرة في الحرب".
ولم يستبعد نافعة تدخل الولايات المتحدة، بصورة مباشرة، في حال تعثر الغزو البري الإسرائيلي، أو إن اتسع نطاق الحرب وامتدّ إلى أطراف إقليمية اخرى، وخصوصاً إذا ترتّب عن هذا التوسع تدهور الوضع الإسرائيلي في ساحة المعركة.
حدود هذا التدخل - في حال حدوثه - حسب نافعة، تتوقف على سير العمليات الميدانية وحجم المأزق الذي ستواجهه "إسرائيل" في ساحة العمليات، وخصوصاً إذا شاركت أطرافٌ أخرى، غير حركة حماس، في الأعمال القتالية، وفُتحت عدّة جبهات.
دعمٌ محدود نتيجة إدراكٍ أميركي للانحسار
وأكّد الكاتب والباحث في الشؤون الدولية، محمد سويدان، أنّ الهدف الإسرائيلي - الأميركي الأول هو منع توسّع المعركة لتشمل ساحاتٍ أخرى، موضحاً أنّ هذا الأمر سيؤدّي إلى تدخّل واشنطن من أجل حماية وجود "إسرائيل"، الذي سيكون مهدَّداً في حال تدخّل محور المقاومة.
وأشار سويدان، في مقابلةٍ أجرتها معه الميادين نت، إلى أنّ التركيز الأميركي مُنصَبّ حتى الآن على القيام بمجموعة خطوات ردعية، "عسكرياً ودبلوماسياً وسياسياً وإعلامياً، من أجل منع محور المقاومة، وخصوصاً حزب الله، من دخول المعركة".
وتطرّق إلى واقع الوجود الأميركي في المنطقة، مؤكّداً أنّ الولايات المتحدة عملت، طوال أعوام، على تعديل تموضعها في الشرق الأوسط، من أجل عدم الانخراط في الصراعات بصورة مباشرة، والتركيز على المنافسة مع الصين والمواجهة مع روسيا، مُشدّداً على أنّها لا تريد العودة إلى الانخراط مرة أخرى في صراعات المنطقة، إلا إذا كانت مضطرّة إلى ذلك.
ولفت سويدان إلى أنّ الإدارة الأميركية تدرك أنّ المنطقة تغيّرت بصورة كبيرة في العقد الأخير، بالإضافة إلى علمها جيداً بأنّ التحدّيات العالمية، التي تواجهها واشنطن اليوم، تحتاج إلى تهدئة الصراعات في المنطقة.
بناءً عليه، يبقى التدخّل الأميركي، بحسب ما فصّل سويدان، مرهوناً بتوسّع المعركة وعدم قدرة كيان الاحتلال على مواجهة معركةٍ واسعة، بحيث يُعَدّ الهدف الأمثل لواشنطن هو تحقيق كيان العدو إنجازاً سريعاً يعوّض جزءاً من الخيبة، التي مُني بها، من دون إطالة أمد النزاع، وتوسّع المعركة.
وفي حال تدحرجت الأمور إلى مرحلةٍ تتطلّب تدخّلاً مباشراً من واشنطن، فسيكون هذا التدخّل مقيَّداً بمجموعة عوامل، منها توسّع المواجهة لتشمل القواعد الأميركية في المنطقة، ومواقف الدول العربية، وموقفا الصين وروسيا.
وبحسب ما قال سويدان للميادين نت، فإنّ مِن غير المتوقّع أن "تتدخّل واشنطن عبر إرسال قواتٍ مقاتلة إلى أرض المعركة"، موضحاً أنّ تدخّلها سيكون محصوراً في تقديم الدعم إلى "إسرائيل"، عسكرياً وتقنياً واستخبارياً.
ويبقى الأمر، الذي قد يغيّر هذا الواقع، بحسب رؤية الباحث في الشؤون الدولية، هو توسّع المعركة لتشمل أيضاً القواعد الأميركية في المنطقة، وهو ما قد "يُجبر واشنطن على الانخراط في صراعٍ لا تريده"، بحيث تُعَدّ أولويّتها اليوم هي منطقة شرقي آسيا وشرقي أوروبا.
محورٌ على أهبة الحرب
وبما أنّ الحديث عن تدخلٍ أميركي لا يبدو طرحاً منطقياً، من دون وجود تعدّدٍ لجبهات قتال ضدّ "إسرائيل"، وهو الخطر الداهم الذي سيُعَدّ خيار حرب من أجل إزالة "إسرائيل" لدى محور المقاومة، وسيؤدي بالنتيجة إلى المطالبة العملانية لاحقاً بفتح النار من أجل إخراج القوات الأميركية مِن المنطقة، فلا يمكن الحديث أيضاً عن تدخلٍ أميركي من دون استحضار استعداد المحور لمثل هذا التطور.
في هذا الصدّد، قال قائد الثورة والجمهورية الإسلامية في إيران، السيد علي خامنئي، الثلاثاء، إنّ ما حدث يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر (انطلاق ملحمة "طوفان الأقصى") هو "هزيمة للكيان الإسرائيلي، عسكرياً واستخبارياً، لا يمكن ترميمها"، مُشيراً إلى أنّ العالم الإسلامي سيدعم فلسطين، ومؤكّداً أنّ الشبان الفلسطينيين هم من صنع هذه الملحمة، التي ستكون "خطوةً كبيرة لإنقاذ فلسطين".
وفي السياق ذاته، حذّر رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله اللبناني، السيد هاشم صفي الدين، الأحد، الأميركيين والإسرائيليين من أنّ "طوفان الأقصى سيتحوّل إلى طوفان كل الأمة، إذا تمادوا في حماقاتهم".
ويُشار أيضاً إلى تأكيد حزب الله مراراً تثبيت معادلاتٍ وخطوطٍ حُمر يؤدي تجاوزها إلى حربٍ إقليمية، وذلك في عدّة خطابات لأمينه العام، السيد حسن نصر الله.
مِن جانبه، شدّد قائد حركة أنصار الله اليمنية، السيد عبد الملك الحوثي، الثلاثاء، على أنّ الشعب اليمني "مستعدّ للمشاركة في القصف إذا تدخّلت الولايات المتحدة عسكرياً واستهدفت الفلسطينيين"، في تحذيرٍ واضح لواشنطن.
وأكد السيد الحوثي أنّ شعب اليمن "حاضرٌ لأن يتحرّك بمئات الآلاف، ويلتحق بالشعب الفلسطيني لمواجهة العدو، ولن نتردّد في فعل كل ما هو ممكن".
بدورها، أكّدت "كتائب حزب الله العراق"، وغيرها مِن قوى المقاومة في المنطقة، السبت، أنّ ملحمة "طوفان الأقصى" شكّلت زخماً معنوياً للشعوب الحُرّة، وغيّرت وجه المعادلة العسكريّة، على نحو يُمهِّد من أجل تحقيق انعكاسات ردعٍ استراتيجيّة في الحرب ضد المحور الصُّهيو - أميركيّ، وما يحتم وحدة المواجهة ضد العدوّ.
وتوعّد الأمين العام للكتائب، أبو حسين الحميداوي، الثلاثاء، الولايات المتحدة، قائلاً إن "صواريخنا، ومُسيّراتنا، وقواتنا الخاصة، على أهبة الاستعداد لتوجيه الضربات النوعية إلى العدو الأميركي في قواعده، وتعطيل مصالحه، إذا تدخّل في هذه المعركة. وستتلقى مواقع معلومة للكيان الصهيوني وأعوانه قذائف نيراننا، إن تطلّب الأمر ذلك".
أمام القنصلية الإسرائيلية العامّة في مانهاتن، تجمّع متظاهرون من جميع الأعمار، رافعين أعلاماً فلسطينية، ولافتاتٍ تحمل شعاراتٍ مناهضةً لكيان الاحتلال. الإدارة الأميركية لم ترى هؤلاء، ولم تُعِرهم انتباهاً، بل تحدّثت وتحركت من أجل زيادة دعمها لكيان الاحتلال، في خطوةٍ يبدو أنّها يائسة، من أجل إنقاذ كيانٍ هزّته الأزمات مؤخراً، ليضربه "طوفان الأقصى".