ما هي الصفقة التركية ــ الأميركية مع السعودية؟

المساعي التي يبذلها الرئيسان التركي والأميركي، تدور حول إيجاد مخرج في التحقيق لتحميل مسؤولية قتل جمال الخاشقجي إلى "كبش محرقة" وإعفاء محمد بن سلمان والحكم السعودي من الواقعة. لكن هذه الصفقة التي يوظّفها كل من ترامب وإردوغان لغايات مختلفة، لا تمحو ارتدادات زلزال القنصلية التي تقضي على طموحات ابن سلمان في وراثة العرش وفي الاستمرار بحروبه ومشاريعه. وربما تدفعه إلى محاولة التعويض عن فشله بالمراهنة على ارتداء ثوب "رجل السلام" مع إسرائيل.

التنسيق بين الاستخبارات التركية والأميركية بدا جليّاً ومتيناً، منذ اللحظة الأولى لواقعة القنصلية السعودية في اسطنبول بعد أن اكتفت الاستخبارات الاميركية بالمعلومات والتقارير التركية بناء على طلب ترامب ربما ولم تحرّك أجهزتها الخاصة على غير العادة على الرغم من رصد محادثات بين مسؤولين سعوديين لاختطاف جمال خاشقجي.

الاستخبارات التركية التي زرعت أجهزة تجسس في القنصلية، سعت إلى نشر ما يحتاجه الضغط على السعودية بشكل متدرّج لجرّها إلى التفاوض على صفقة. فحين نفى محمد بن سلمان في مقابلته مع بلومبرغ اختفاء خاشقجي في القنصلية، أذاعت الاستخبارات التركية بعض التفاصيل عن مقتله وأكّدت امتلاكها تسجيلاً بذريعة ساعة "آبل". وهو ما نقلته إلى ترامب وواشنطن بوست.

الرئيس التركي ينتهز فرصة لا تعوّض للعودة إلى التفاهم مع الإدارة الاميركية عبر التعاون بين الاستخبارات الثنائية. وهو ما أسفر عن تسوية القسّ الاميركي وارتفاع الليرة التركية. لكن الدور التركي الأهم الذي يحتاجه ترامب في إبقاء واقعة القنصلية تحت السيطرة، هو ما يتضمنه التحقيق التركي بإخراج جنائي يعفي محمد بن سلمان والحكم السعودي من المسؤولية. فالتحقيق التركي في صياغته الأخيرة هو ما سيعتمد عليه ترامب في استمرار علاقته بالحكم السعودي. وهو ما سيكون التحقيق الرسمي الذي ستستخدمه الدول العربية في استمرار بيع الاسلحة، حتى إذا شكّك به الكثيرون في الكونغرس وباقي العالم.

اردوغان يحرص على تعزيز علاقاته التجارية والاقتصادية مع السعودية، بما يتجاوز الاستثمارات الحالية في تركيا البالغة 6 مليار دولار. ويحرص أيضاً على عدم إفادة إيران من تقهقر السعودية أو اضطرارها إلى المصالحة مع إيران، كما أشار تركي الدخيل. لكنه يحرص في المقام الأول على اصطياد الفرص لتعزيز التعاون في المشاكل الاقليمية مع الولايات المتحدة، والدلالة في الآوقات الصعبة على انتماء تركيا إلى الحلف الأطلسي تحت الراية الاميركية.

الضغط الذي بذله إردوغان على السعودية، أسفر عن تجاوب الملك سلمان بإرسال مستشاره خالد الفيصل للتفاهم على صيغة الإخراج، التي تبدو أنها تتجه إلى تحميل القنصل محمد العتيبي المسؤولية بالاشتراك مع مجموعة "خارجة عن القانون" أو مجموعة مارقة كما سماها ترامب. ولعلّ وزير الداخلية السعودي قد أشار إلى هذا المخرج في التأكيد على أن القيادة السعودية لم تصدر الأوامر ولم تكن على علم بالواقعة.

وفي هذا الصدد يعمل "فريق العمل المشترك" على إعداد نتائج التحقيق في القنصلية وفي مقر إقامة القنصل، بموازاة تشكيل هيئة سعودية خاصة لمحاكمة الجناة بحسب الاتفاق مع ترامب. وقد يكون من بينها القنصل العتيبي الذي غادر إلى السعودية بتدبير من إردوغان الذي يرفض أي إعاقة لحركة الدبلوماسيين السعوديين لهذه الغاية. وفي هذا السياق يعمل أيضاً مايك بومبيو بين السعودية والرياض، بتكليف من ترامب الذي يلخّص نتائج التحقيق باتهام "مجموعة مارقة".

ما ترسو عليه صيغة الاتهام الرسمية تحت صف محمد بن سلمان والحكم السعودي، يخدم طموحات ترامب في تسعير ابتزازه للسعودية لحماية الحكم مقابل وضع اليد على النفط وشركة آرامكو وعلى الصناديق السيادية لتحويل السعودية إلى دولة مديونة للبنك الدولي. لكن صيغة الاتهام الرسمي لا تعيد محمد بن سلمان إلى ما كان عليه قبل واقعة القنصلية في طموحه للوراثة وفي أحلام السيطرة على اليمن " بدعم من المجتمع الدولي لمحاربة إيران". فهذه العباءة هي نسيج شركات علاقات عامة ولوبيات من الاعلام الغربي والمستشارين الذين روّجوا لما وصفوه بأنه "رجل الاصلاح والتحديث". لكن معظم هذه الجماعات واللوبيات والشركات هي صهيونية الهوى والمعتقد ولا تتخلّى عن أرباحها الطائلة في ترويج سلعة ما. بل يمكنها أن تحاول الانتقال بالتعاون مع جاريد كوشنير إلى الترويج لمحمد بن سلمان "رجل السلام" مع إسرائيل.