3 مجوهرات ملكية بريطانية "مسروقة".. ما القصة؟
مع تتويج الملك تشارلز الثالث في المملكة المتحدة تظهر تساؤلات حول سرقة بريطانيا لـ "نجمة إفريقيا العظيمة"و"ألماسة كوهينور" من الهند و"الياقوتة الحمراء" من الأندلس.
بينما تتوج بريطانيا ملكها تشارلز الثالث، وسط أجواءٍ احتفالية يشاهدها العالم، لفت النظر الصولجان الملكي الذي حمله الملك تشارلز عند التتويج، إذ ترصّعه مجموعة من المجوهرات والأحجار الكريمة، تتوسطها أكبر ماسة في العالم والمعروفة باسم "نجمة أفريقيا" أو"كولينان الأول"، على اسم قطب الماس في جنوب أفريقيا، توماس كولينان.
ولاستعادة هذه النجمة أطلق نشطاء في جنوب أفريقيا حملةً واسعة عبر المنصّات لاستعادة ماسة "كولينان" (Cullinan)، التي تتهم بريطانيا بسرقتها إبان استعمارها لجنوب أفريقيا (1806 - 1961).
بريطانيا تملك أكبر ماسة مسروقة في العالم
يقول المؤرخون إنّ ماسة "نجمة إفريقيا" سُرقت من جنوب أفريقيا عام 1905، وتقدر قيمتها بـ400 مليون دولار، ويبلغ وزنها نحو 530 قيراطاً.
يُذكر أنّ الماسة الأصلية، التي تزن نحو 3,106 قيراطاً في شكلها الطبيعي، كانت "بحجم قلب الإنسان"، ومن الطرائف عند اكتشافها هي أنّ عامل المنجم ألقى بها من النافذة ظناً منه بأنّها صخرة.
ومنذ اكتشافها، اعتقد علماء الأحجار أنّ الماسة الهائلة التي يبلغ وزنها نصف كيلو غرام لم تكن سوى نصف حجر كريم أكبر من الشطر المفقود منه، وأن ما تبقى منه مفقود في ترانسفال بجنوب أفريقيا.
وبحسب صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، فإنّ خبر اكتشاف الماسة الضخمة انتشر في جميع أنحاء العالم، واضطرت الصحف في أفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة لإصدار طبعاتٍ إضافية لتلبية الطلب المتزايد عليها بسبب أخبار الماسة.
بعد أسبوع تقريباً من الاكتشاف، في 1 شباط/فبراير 1905، غادرت الماسة المنجم إلى جوهانسبرغ حيث عُرضت في بنك ستاندرد، وبسبب قيمتها الباهظة، خشي مسؤولو البنك من الاحتفاظ بها، ما دفعهم إلى نقلها سراً إلى لندن.
ووصلت الماسة إلى بريطانيا بعد أنّ جرى إخفاؤها في صندوق قبعة خاص بزوجة موظف كبير في الخدمة البريدية في جنوب أفريقيا، وجرى نقلها من خلال القطار البخاري من جوهانسبرغ إلى كيب تاون. ثم جرى وضعها في البريد العادي للطرود وأرسلت سراً إلى لندن.
وصلت الماسة إلى المملكة المتحدة في أوائل نيسان/أبريل 1905، لكن بيعها كان صعباً بسبب ثمنها الباهظ. في عام 1907، اقترح الجنرال لويس بوتا، رئيس وزراء ترانسفال المنتخب حديثاً، شرائها وإهدائها للملك إدوارد السابع، والذي قبل الهدية في عيد ميلاده السادس والستين.
وفي 9 تشرين الثاني/نوفمبر 1907، سافرت الماسة إلى محطة السكة الحديد الملكية في ولفرتون بالقرب من ساندرينجهام، في عربة من الدرجة الأولى مع مرافقة ضخمة من الشرطة، لتقديمها إلى العائلة المالكة.
واستغرق تقسيم وتقطيع الماسة حوالى 8 أشهر إذ جرى تقسيمها إلى 9 قطع رئيسة، والتي تعدّ الآن من بين المجوهرات الأكثر قيمةً للعائلة المالكة.
التاج الملكي البريطاني والجوهرة الهندية المسروقة
شكّلت الماسة الهندية محل جدل سياسي وقانوني في الهند وسط نزاعات على ملكيتها ومع بروز ادعاءات بملكيتها ليس من الهند وحسب بل من باكستان أيضاً.
ويبلغ وزن الماسة 105 قيراطاً، ويعني اسمها "جبل النور" باللغة الفارسية، وجرى العثور عليها على ضفة نهر كريشنا المقدّس في جنوب الهند منذ نحو 800 عاماً على الأقل.
وتبقى هذه الماسة نقطة خلاف في العلاقات بين الهند والمملكة المتحدة لاعتقاد كثيرين من شعب الهند بأنّ الماسة التي وجدت في الهند في القرن الـ14، سُرقت خلال الحكم الاستعماري البريطاني.
في الواقع، وقعت الماسة بين أيدي عديد من الحكام الذين تناقلوها من أمراء المغول والمحاربين الإيرانيين والحكام الأفغان ومهراجا البنجاب قبل أن ينتهي بها المطاف لتصبح من الجواهر التي تُرصّع التاج البريطاني.
وبحسب موقع القصور الملكية البريطانية، جرى استخراج ماسة كوهينور من مناجم غولكوندا في وسط جنوب الهند قبل أن تُسلّم إلى الملكية البريطانية في عام 1849، لكنَّ كلاً من إيران وأفغانستان وباكستان لها مزاعم تتعلَّق بتلك الماسة.
ويعتقد البعض بالتراث الشعبي القائل، إنّ ماسة كوهينور تحمل لعنة نتيجة تاريخها الممتد على 750 عاماً والملطخ بالدماء والقتل وجنون العظمة والغدر.
وفي 16 نيسان/أبريل 2016، أخبر النائب العام الهندي، رانجيت كومار، المحكمة العليا الهندية أنَّ ماسة "جبل النور" منحها المهراجا رانجيت سينغ للبريطانيين طوعاً في منتصف القرن التاسع عشر، ولم "تُسرق أو تؤخذ بالقوة"، وهي شهادة تناقض وقائع التاريخ بصورةٍ مذهلة، وما يزيد من غرابة الأمر أنَّ حقائق التنازل عن الماسة في عام 1849 تبيّن الجانب الوحيد للقصة، وهو لم يكن محلّ خلاف.
يقول المؤرخ الفارسي محمد كاظم مارفي إنّ ماسة "جبل النور" تخصّ الهند، واستولى عليها البريطانيون تحت تهديد السلاح، لذا يتوجَّب عليهم إعادتها.
فقد امتلكها نادر شاه في فتراتٍ مختلفة، وامتكلها أحمد شاه الدراني، الزعيم الأفغاني، في منتصف القرن الثامن عشر (1722-1772)، وبالطبع امتلكها رانجيت سينغ حاكم مدينة لاهور.
كما أنّ الدول الثلاث (إيران، باكستان، أفغانستان) في فتراتٍ مختلفةٍ، ملكيتها للماسة، واتخذت إجراءاتٍ قانونيةٍ لاستعادتها، حتى حركة طالبان الأفغانية سجَّلت مُطالبتها بالحجر.
وبعد قرابة 300 عام من الوقت الذي حمل فيه نادر شاه الماسة من دلهي، متسبباً في هدم إمبراطورية المغول، وبعد 170 عاماً من وصولها إلى أيدي البريطانيين، يبدو أنَّ "كوه نور" لم تفقد أياً من قوتها المُسببة لحدوث الانشقاق والانقسامات، لذلك يبدو أنَّ تلك الماسة، في أفضل الأحوال، تجلب مصائر مختلطة لمن يحملها أينما ذهب، فما الذي ستجلبه هذه الماسة للملك تشارلز؟
كيف استقرّت الياقوتة "الحمراء" الأندلسية على رؤوس الملوك البريطانيين؟
"الياقوتة الحمراء" النفيسة في صدر التاج الملكي البريطاني، هي في الحقيقة إحدى جواهر الأمير أبي سعيد محمد السادس بن إسماعيل الساعدي الخزرجي الأنصاري من ملوك غرناطة بني الأحمر، بعدما قام "بيدرو" الرهيب ملك إشبيلية بقتله غدراً بعد استضافته للحصول على جواهره، ثم إنّ أحد إخوة "بيدرو"، الخائن تمرّد عليه، فاستنجد بالأمير الإنكليزي إدوارد أوف وودستوك، المعروف باسم "الأمير الأسود"، وقدّم الأخير المساعدة العسكرية المطلوبة مشترطاً الحصول على "الياقوتة الحمراء"، فكان له ما أراد بعد معركة "ناجيرا"، التي دارت عام 1367 في إسبانيا.
ومنذ ذلك الحين استقرّت هذه الجوهرة ضمن ممتلكات ملوك إنكلترا، وظهرت في مناسبات تاريخية ومعارك عديدة، حتى استقرّت وسط التاج الذي صيغ لتتويج الملكة فيكتوريا، وما زال ملوك بريطانيا يستخدمونه في بعض المناسبات الرسمية.
والتاج المستخدم في مراسم التتويج هو تاج الملك القديس إدوارد، ويعتبر تاج القديس إدوارد أهم وأقدس التيجان، يتم استخدامه فقط في لحظة التتويج.
وهكذا كانت رحلة "الياقوتة الحمراء" وانتقالها من حمراء إسبانيا إلى عاصمة الضباب لتستقر فوق رؤوس ملوك بريطانيا، لقد أثبت تلك الحكاية العديد من مؤرخي الكنوز والجواهر البريطانيين ومنهم، جورج جون يونج هاسبند في كتابه "جواهر التاج في إنكلترا" عام 1919، ومنهم من جعلها في مصاف الأسطورة، ويتزعم هذا الفريق كلود بلير في دراسته عن "جواهر التاج" عام 1998.
والطريف في الأمر، أنّ تطور وسائل اختبار نوعية الحجارة الكريمة في العصر الحديث كشفت أن "ياقوتة الأمير الأسود" ليست ياقوتة بل حجر "سبينال"، ولكن ذلك لا يعني انتقاصاً من قيمة هذه الجوهرة لأنّ "السبينال" بهذا الحجم الكبير يبقى يساوي ملايين الدولارات، ناهيك عن قيمته التاريخية.
الصحافة البريطانية وصفت جواهر "التاج الملكي"، بـ أثمن كنوز الأمة الإنكليزية، حيث تتكون مجوهرات التاج من أكثر من 100 قطعة "لا تقدر بثمن"، فهل تتغير نظرتك إلى بريطانيا إنّ علمت أنّ أبرز الجواهر في التاج الملكي مسروقة؟