لبنان مثالاً.. كيف يواجه محور المقاومة العقوبات الأميركية والحصار؟
بعيد فشل استراتيجية الولايات المتحدة عسكرياً في المنطقة، إضافة إلى تراجع أداتها الدبلوماسية، لم يبق لديها سوى الحرب الاقتصادية لفرض حصارها وعقوباتها على محور المقاومة بشكلٍ عام وفي لبنان خصوصاً، فكيف يواجه المحور هذا الحصار والعقوبات؟
لبنان المهدد اقتصادياً والغارق في الفساد، بات قاب قوسين من الانهيار الكلي نتيجة السياسات الاقتصادية المتعاقية والتي رافقها الضغوط الخارجية، لا سيما من الإدارة الأميركية، والتي تسعى إلى استغلال الأزمة ضد المقاومة، حيث لا يخفي الأميركيون عداءهم لها، ويحاولون بشتّى الطرق التضييق عليها والتهويل على حاضنتها الشعبية، بالإضافة إلى إجراءات تلاحق المتعاطفين عبر القارات، وعقوبات على قياديين وشخصيات في لبنان قريبة منها.
وفي هذا الإطار رأى الوزير السابق والقيادي في حزب الله محمود قماطي أن لبنان الرسمي محاصر من رأس الجمهورية والحكومة ومجلس النواب، لأنهم رفضوا الضغوط الأميركية لترسيم الحدود مع "إسرائيل"، التي كان يقوم بها المبعوث الأميركي دايفيد ساترفيلد، وأن هذه العقوبات الصارمة هي بسبب الرفض اللبناني للمبادرة الأميركية الهادفة لفرض ما تريده "إسرائيل".
وفي هذا الإطار أكد الدكتور عبد الحليم فضل الله، رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، في حديث للميادين نت أن سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة، ولبنان خصوصاً، على المستوى الاقتصادي أصابت الاقتصاد اللبناني ومجتمعه ككل، وهذا مرتبط بمنظورها لموقع لبنان داخل المنطقة حصراً، وربطاً بوجود المقاومة وسياساتها، وما تقوم به في لبنان.
استراتيجية المقاومة لمواجهة العقوبات
على الرغم من قانوني العقوبات اللذين أصدرهما الكونغرس الأميركي بحق حزب الله عامي 2015 و 2018 "حزب الله act" الذي يفرض عقوبات صارمة على من يدعم بصورة مباشرة أو غير مباشرة للمقاومة في لبنان. إلا أنه في واقع الحال فإن الاستهداف كان للبنان أكثر من المقاومة، بحسب فضل الله، الذي يؤكد أن الضغوطات لم تكن بسبب هذين القانونين، وإنما بسبب السياسات العامة التي اعتمدتها الولايات المتحدة تجاه لبنان، بناءً على الخيارات التي سار فيها.
اليوم يتجلى ذلك في منع العديد من الدول من مدّ يد المساعدة للبنان، من خلال ربط أي مسار إنقاذي وداعم للاقتصاد اللبناني بأجندات ومطالب سياسية جزء منها معلن، وأجزاء أخرى غير معلنة.
ويوضح فضل الله أن الولايات المتحدة وبعد فشل أدواتها المتعددة للضغط والهيمنة (سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً) لم يبق في يدها إلا الأداة الاقتصادية، وتحديداً في القطاع النقدي، حيث أن كل عقوباتها اليوم تندرج حول الدولار، واستعماله والتضييق على الدول والأفراد والمجموعات، ذلك لأن النظام البنكي العالمي يمر عبر نيويورك وهي تتحكم بالتحويلات.
كيف تنظر المقاومة لهذه الحرب وكيف تواجهها؟
لا تنظر المقاومة لهذا الحصار غير المعلن والعقوبات بأنه يستهدفها بصورة مباشرة، فهي تعلم كيف تدير عملها ومؤسساتها، وهي خارج هذه المنظومة الأميركية وسيطرتها المالية العالمية، وإنما يتركز عملها على تجنيب لبنان تبعات هذه الضغوطات لإخراجه من هذه الأزمة، بحسب فضل الله.
ويتابع: "أهم ما تركز عليه المقاومة هو محاولة تخفيف تبعات هذه الأزمة للانتقال إلى مرحلة التعافي والنهوض، ولديها إصرار على أن يكون ذلك من خلال المؤسسات، لذا فإن حزب الله يتمسك بتشكيل الحكومة، وهناك رزمة من التشريعات واقتراحات القوانين التي تقدمت بها كتلته البرلمانية، من أجل توفير البنية التشريعية اللازمة للإنقاذ، وهي تسعى لتطبيق ذلك ليس فقط من خلال مقاربات تقليدية وإنما عبر رؤى ومقاربات جديدة، واحدة منها هو التوجه شرقاً".
وعن هذه النقطة بالتحديد يشرح أنها لا تعني إدارة الظهر إلى الغرب، "وإنما تنويع الخيارات الاقتصادية والاستثمارية المتاحة للبنان، فالمنطقة والاقتصاد العالمي تغير بالحد الأدنى من وجهة نظر براغماتية وعلينا تكييف الاقتصاد اللبناني مع المتغيرات لأن تنويع الخيارات هو أمر مهم".
وفي إطار إعادة النظر بالنظام الاقتصادي اللبناني بشكل عام، يدلل فضل الله على موقف المقاومة من خلال ما وجه به الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أكثر من مرة بأن يتم إيلاء الزراعة والصناعة وقطاعات الإنتاج ما تستحق من الأهمية، وهو ما أسماه بالجهاد الزراعي والصناعي، كسبيل لتغيير شكل الاقتصاد القائم على الريع.
بعد الانتصارات العسكرية.. كيف يتعاون محور المقاومة اقتصادياً؟
يرى فضل الله أن محور المقاومة قادر على تحقيق إنجازات اقتصادية كما حقق إنجازات في مجالات أخرى، حيث يشترك بمصالح اقتصادية عميقة، ولديه هموم وأزمات متشابهة، واستهداف خارجي متشابه الأشكال والغايات، مشدداً على أنه لا يمكن مواجهة هذا الاستهداف إلا من خلال مشاريع مشتركة، وتنسيق السياسات لمواجهة العقوبات والأزمات، والتفكير بمستقبل المنطقة من أجل النهوض.
ففي أزمة لبنان مثلاً برز التعاون الظرفي، لمواجهة أزمة محددة، كما حال التعاون بين لبنان والعراق على مستوى استيراد الفيول، بعد أن أغلقت كل الأبواب أمام لبنان، فالعراق مدّ يد العون للبنان.
وهناك مشاريع مشتركة ما بين إيران والعراق من خلال خط سكة الحديد الذي يصل إلى البصرة، وهو ليس مشروعاً استثمارياً ضخماً، ولكن تكمن أهميته من الناحية الجيوبوليتيكية والجيواقتصادية، إذ أنه يربط دولتين متجاورتين لديهما مصالح مشتركة. وهناك مشاريع الربط على مستوى الكهرباء، ودائماً بحسب فضل الله.
العقوبات الأميركية ليست قدراً نهائياً
ولكن، هل يمكن تحقيق ذلك مع وجود العقوبات والحصار؟ يجزم فضل الله، نعم، فهناك استعداد روسي على سبيل المثال، وهو مثال حي على إمكانية تلافي العقوبات. وروسيا تستطيع أن تنوع أدواتها عبر الانخراط في قطاع اقتصادي مفيد من دون أن تلحق العقوبات أضراراً باقتصادها. والصين كذلك دولة لديها قطاع عام مركزي قوي وقعت البروتوكول الضخم مع إيران بقيمة 400 مليار دولار لتلافي وتخطي العقوبات.
وأكد فضل الله أن "العقوبات ليست قدراً نهائياً، ويمكن تخطيها، وهو تحدٍّ صعب".