قلق إسرائيلي من انهيار مفهوم "الانتصار"ومن إسقاطات "حارس الأسوار" في الشمال
هاجس تعدّد الجبهات ضدّ "إسرائيل" الذي كان حاضراً طوال أيام القتال مع المقاومة في غزة، حضر بقوة في نقاش العبر والدروس من الجولة الأخيرة. تقارير تحدثت أن ما شهده الإسرائيليون في عملية "حارس الأسوار" سيناريو مرعب لانهيار مفهوم "الانتصار في حروب سلاح الجو".
انجلاء غبار المواجهة الأخيرة بين فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وبين جيش الاحتلال الإسرائيلي، من دون أن بيان إنجاز إسرائيلي واضح وجلي، لم يحجب الهواجس والمخاوف الإسرائيلية مما قد تحمله أي مواجهة مستقبلية على الجبهة الشمالية، في ضوء العبر والدروس المستقاة في الموازاة من محور المقاومة ومن المؤسسة العسكرية والأمنية في "إسرائيل"، على خلفية انهيار مفهوم "الانتصار في حروب بواسطة سلاح الجو"، في ظل سؤال إسرائيلي كبير حول كيفية تأثير عملية "حارس الأسوار" على المعركة الكُبرى مع حزب الله في الشمال؟ وعن فرص صمود الجبهة الداخلية الإسرائيلية في الامتحان الحقيقي؟.
سلاح الجوّ والسيناريو المرعب
توقفت العديد من التقارير الإسرائيلية عند العبر والدروس المستفادة من عملية "حارس الأسوار" العسكرية ضد قطاع غزة. وفي هذا الإطار، كتب اللواء احتياط إسحاق بريك (مفوض شكاوى الجنود في الجيش الإسرائيلي سابقًا) مقالاً، اليوم الجمعة، رأى فيه أن الإسرائيليين شهدوا في عملية "حارس الأسوار" تحقق سيناريو مرعب، هو انهيار مفهوم "الانتصار في حروب بواسطة سلاح الجو"، لأن سلاح الجو رغم قوته الكبيرة التي فعّلها ضد قطاع غزة، "لم ينجح في وقف إطلاق القذائف الصاروخية والهاون"، التي يبدو أنه كان بإمكان الفلسطينيين الاستمرار بإطلاقها لمدة طويلة.
بريك قال إن "سلاح الجو فشل فشلًا ذريعًا في مهمته الأساسية – وقف قصف القذائف الصاروخية من غزة". وأضاف أن "سلاح الجو كذراعٍ استراتيجية لإسرائيل قوته ملحوظة في قبال طائرات العدو، حيث تفوّقه جلي، لكن قدراته قيمتها تافهة أمام القذائف الصاروخية، وبالتأكيد أمام الصواريخ".
وخلص بريك إلى أن تبني الإسرائيليين للمنطقٍ المشوّه الذي يقول إنه يمكن الانتصار في حرب ومنع خسائر في الأرواح بمساعدة سلاح الجو لوحده، أدى إلى أن تدفع "إسرائيل" ثمن ذلك باهظًا جدًا. وحذّر بريك من أنه إذا لم يتم فعل شيء، من المتوقع أن تحصل كارثة ستُسجّل كوصمة عارٍ إلى الأبد، وهي حرب ستسبب تهديدًا لوجود الإسرائيليين وحياتهم في "دولة إسرائيل".
وناقش عدد من الخبراء والمعلقين في مفهوم تحقيق النصر، في ضوء ما أسموْه "عِبْر القتال الديلوكس (الفاخر)" أي القتال الذي يعتمد على سلاح الجو فقط، دون المُخاطرة بالدخول البريّ إلى أرض العدو. وأشار خبراء، من بينهم المعلق العسكري ألون بن دافيد، لا يجادل البعض في أن عملية "حارس الأسوار" كانت استعراضاً مثيراً للانطباع لقدرات سلاح الجو والاستخبارات، لكنّها كشفت مرّة أخرى الفجوة لدى القيادة الإسرائيلية في "فهم الجيران"، الذين راقبوا المعركة عن كثب وتعلّموا منها الكثير، وأبزر ما رأوه هو "انهيار مِنعة المجتمع الإسرائيلي، المتنازع والمنقسم". وتكمن المفارقة، بحسب بن دافيد، في أن "النجاح المثير للإعجاب" الذي حقّقه سلاح الجو في قطاع غزة من شأنه ان يزيد فقط من نزعة الجيش الإسرائيلي على الإدمان على سلاح الجو والاستخبارات، على حساب البر، في ظلّ اتفاق واسع بين الخبراء والمُعلقين بأن الحرب المقبلة ستفرض دخولاً بريّاً سريعاً إلى أرض العدو، دخول كهذا "إسرائيل" في المواقع مذعورة منه، بحسب تعبير أحد المعلقين.
واستناداً إلى كل الأحداث التي جرت خلال العملية العسكرية: في غزة، وفي القدس وفي أراضي الـ 48، يصوغ بن دافيد أربعة عوامل ستكون حاسمة في المستقبل القريب: "إدارة أميركية جديدة نظرتها مختلفة للقضية الفلسطينية والعلاقة مع "إسرائيل"، إيران التي ستحظى من جديد بالاتفاق النووي وتعود لتكون قوة اقتصادية، وعمالقة التكنولوجية (أي الشبكات الاجتماعية) الذين يشكّلون رأي عام أكثر من أي إعلامٍ تقليدي؛ ومجتمع إسرائيلي مشرذم يفتقد حتى الاستعداد للتضحية من أجل وجوده هنا".
تحذير من الفجوة الاستخبارية
هاجس تعدّد الجبهات ضدّ "إسرائيل" الذي كان حاضراً طوال أيام القتال مع المقاومة في قطاع غزة، حضر بقوة في نقاش العبر والدروس المُستقاة من الجولة الأخيرة. تجلّى ذلك في تطرّق عدد غير قليل من الخبراء والمُعلقين إلى القلق من طبيعة الحرب المقبلة، التي شكّلت حرب غزة - بالنسبة لها - مجرد "بروفة مصغّرة" أو "اختلاس نظر"، وهي الحرب التي سيشارك فيها حزب الله، وربما محور المقاومة مجتمعاً.
حضور هذا السيناريو في النقاش، دفع تيار من الخبراء والمُعلّقين إلى التحذير من الاتكاء على إنجازات سلاح الجو في غزة، ذلك أن العقليّة التي أدارت فيها "إسرائيل" الحرب مع غزة لن تكون صالحة لحرب متعدّدة السّاحات والأبعاد، في ضوء اجماع بأن الحرب المقبلة قد لا تقتصر على حزب الله وحماس، والصراع العسكري التقليدي، فقد يضاف إليها عوامل داخلية غير عسكرية. كما حذر معلق الشؤون لعسكرية في صحيفة يديعوت أحرونوتـ يوسي يهوشع، من الفجوة الاستخباراتية الإسرائيلية، وقال إنه "لا يمكن التعويل بالمطلق على تقديرٍ استخباري حيال نياات العدو، ولذلك يجب الاستعداد للسيناريو المرجعي الأخطر".
وحيال ذلك يقول معلق الشؤون العسكرية في صحيفة معاريف "طال ليف رام" إنه صحيح إن العملية الأخيرة (حارس الأسوار) قدّمت مثالًا مصغّرًا لأبعاد التهديد الصاروخي على الداخل الإسرائيلي، لكن ما لا يقل أهمية عن ذلك هو أنها وفّرت فرصة لفهم أبعاد معركة أكبر، مع حزب الله وحماس، إلى جانب تصعيد في يهودا والسامرة (الضفة) وتطوّر جيوب فوضى ومشاكل صعبة في المدن المختلطة، في المناطق العربية، وعلى امتداد الطرقات والمحاور المركزية في الشمال وفي الجنوب".
ويُذكر أن هاجس الجبهة الشماليّة لا زال حاضراً لدى المستوى السياسي الإسرائيلي، وتجلّى مؤخراً في التهديد الذي أطلقه وزير الأمن بني غانتس، إذ قال: "من الشمال سيأتي الشرّ، لبنان سيرتعد وكما برهننا في عملية حارس الأسوار، فإنّ المنازل التي تُخبَّأ فيها مخازن الأسلحة والإرهابيين ستتحول إلى خراب".
الجبهة الداخلية هي الامتحان الحقيقي
في إطار نقاش سياقات المستقبل، قُدّمت العديد من التوصيات، في البعديْن الهجومي -لا سيّما في الجبهة الشمالية حيث سيكون "الامتحان الحقيقي"- والدفاعي المتصل بالجبهة الداخلية في حرب متعدّدة السّاحات.
المعلق العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشع، أشار إلى وجود حاجة عملانية فورية "ليست فقط إلى سدّ الفجوة (في الذخيرة) التي نشأت في عملية حارس الأسوار، بل وأيضًا زيادتها بصورة لا بأس بها". وفي ضوء مداولات جرت في هيئة الأركان العامة هذا الأسبوع في موضوع استخلاص العبر من العملية ومعانٍ مشتقة لحربٍ في جبهتين، تبيّن أن الحاجة العملانية الملّحة لهذا التسلّح كان يجب أن تخرج إلى حيز التنفيذ منذ مدة.
أما حيال نقطة ضعف "إسرائيل" المتمثلة بالجبهة الداخلية فقد أوصى معلق الشؤون العسكرية في صحيفة معاريف "طال ليف رام" بإعادة تنظيمها للحرب المقبلة عبر تغييرٍ ثوري، تحت ثلاث مهامٍ مركزية: إنقاذ وإخلاء، معالجة شؤون السكان، والدفاع من انتفاضة شعبية. ورأى رام أنه من دون تغييرٍ أساسي للتنظيم والرؤية العملانية لمنظومة الجبهة الداخلية، سيكون من الصعب جدًا ترجمة تفوّق الجيش الإسرائيلي في الهجوم إلى انتصارٍ وحسمٍ واضحيْن في الحرب المقبلة.
ويضيف " رام" أنه يجب إقامة وحدات إضافية في الاحتياط تخضع لتأهيلات مناسبة وتعرف كيف توفّر استجابة في حالة طوارئ. منظومة موحّدة، تجمع في حالة الطوارئ، تحت صلاحيّة واحدة، قوات كثيرة. الجبهة الداخلية تكون جهة القيادة المركزية، وتحتها قوّات الشّرطة، حرس الحدود، الإطفاء، والإنقاذ، ومندوبي الوزارات وسلطة الطوارئ الوطنية. في الوضع الحالي، بنية الطوارئ للجبهة الداخلية الإسرائيلية بعيدة عن توفير استجابة كاملة للتحديات المتوقعة في الحرب المقبلة.