مُتفرجاً على مأساته الإنسانيّة.. العالم يفشل في إغاثة اليمن
"خيبة أمل" كبيرة من المنظمات الدوليّة تجاه تراجع التمويل، وعجز ظاهر لا يمكن أن يمنع وقوع كارثة أكبر في 2021، ما لم تتوقف الحرب على اليمن، وما لم تقدم المزيد من المساعدات، لبلد لم يستنشق شعبه منذ سنوات سوى رائحة النار والبارود.
6 سنوات من الحرب على اليمن، والعالم يتفرّج على مأساة إنسانيّة لم يشهد لها مثيل سابقاً. 6 سنوات من عدوان السعودية على اليمنيين، فلم تحاربهم فقط بطائراتها، بل حاصرتهم وقطعت عنهم الغذاء والدواء والحاجات الأساسية.
وبرغم كل النداءات المحلية والدولية إلا أن السعودية مستمرة في حربها وحصارها، والوضع الإنسانيّ في تدهور كارثي يوماً بعد آخر.. مليارات صرفت من المنظمات الدوليّة على أهل اليمن وأطفاله، لم تنجح في إسعاف جراحهم ولا في إنقاذ ما تبقى.
"فرصة درء المجاعة عن اليمن تتلاشى مع مرور كل يوم"، باعتراف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. نعم، في القرن الواحد والعشرين، لا يزال هناك ما يسمّى "مجاعة" ولا يزال العالم بكل تطوره عاجز عن إيقافها. فكيف هو حال اليمن وشعبه اليوم؟
تراجع حجم المساعدات الإنسانية الدولية
يحتاج ما يقرب من 21 مليون شخص، أي أكثر من 66% من إجمالي عدد سكان اليمن، إلى مساعدات إنسانيّة وحماية، ويشارف ما يقرب من 50 ألف شخص على الموت جوعاً. صورة مأساويّة ومرعبة، يزيدها ألم الأطفال، الذين قد يموت منهم طفل كل 10 دقائق بسبب مرض يمكن الوقاية منه، كما من المتوقع خسارة 400 ألف طفل إذا لم يتلقوا العلاج بصورة عاجلة.
كل هذه الأرقام وغيرها الكثير، أغرقت بها المنظمات الدوليّة العالم، علّها تستطيع جمع ما يكفي من مساعدات ودعم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، في بلد لا يعاني فقط من المجاعة، بل من فيروس كورونا أيضاً في ظل وجود عجز صحيّ واضح.
أرقام ترتفع نسبها بين الفترة والأخرى لتُنذر بكارثة أكبر، ما لم يكن الحل سريعاً؛ بحسب الأمم المتحدة، كانت المساعدات الإغاثيّة تصل إلى حوالى 14 مليون شخص كل شهر في اليمن سابقاً، لكن العدد تراجع إلى حوالى 10 ملايين فقط اليوم.
عام 2021 سيكون أسوأ من 2020 على اليمنيين
"أمر يفطر القلب".. بهذه الكلمات البسيطة وصف المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي مؤخراً الوضع الإنساني الصعب في اليمن. لكن هل فُطر قلب العالم لدرجة أن ينقذ اليمنيين ويقدم لهم ما يكفي من مساعدات تنتشلهم من الأزمة وتحميهم من مستقبل أسوأ؟
"لا نريد أن نُدير ظهورنا لملايين الأسر التي هي في أمسّ الحاجة إلى المساعدة. لا تخطئوا، سيكون عام 2021 أسوأ من عام 2020 بالنسبة للأشخاص الأكثر ضعفاً في اليمن"، أضاف بيزلي. لكن العالم أدار ظهره حقاً، حيث جمع مؤتمر إعلان التبرعات لليمن الذي عُقد في 1 آذار/مارس 2021، فقط 1.7 مليار دولار، أي أقل من نصف المحتاج لعام 2021 (3.85 مليار)، وأقل بمليار دولار مما تلقاه عام 2019.
ماذا قدمت المنظمات الإغاثية من مساعدات؟
من 2.6 مليار دولار عام 2019، مرورواً بـ 1.9 مليار دولار عام 2020، وصولاً إلى 1.7 مليار دولار عام 2021. هكذا انخفضت قيمة المساعدات الإنسانيّة التي تتبرع بها عدد من دول العالم لليمن، بينما ترتفع حدّة الأزمة الإنسانيّة والمعيشيّة والصحيّة. بالإضافة إلى ذلك، لم يتمّ دفع الكثير من التعهدات التي تقدم بها المانحون سابقاً، من دون وجود أي سبب أو تبرير منطقي لذلك، فالوعود طبعاً لا تُنقذ الأرواح.
وبحسب تأكيد المنظمات الدوليّة، فمن المرجح أن يتدهور الوضع بسرعة أكبر، إذا لم يتمّ الإيفاء بالالتزامات وتقديم المزيد من المساعدة، أو تمّت عرقلت جهودها المستمرة في الحد من الأزمة قدر المستطاع. "برنامج الأغذية العالمي" من جهته، يهدف في عام 2021، إلى تزويد 13 مليون شخص بالمساعدات بحصص غذائيّة كاملة في جميع أنحاء اليمن، لكنه أعلن عن مواجهته "أزمة تمويليّة كبيرة، حيث يحتاج بصفة عاجلة إلى 1.9 مليار دولار على الأقل لضمان استمراره في تقديم الدعم الغذائي دون انقطاع".
تراجُع التمويل والدعم وضعفهما، لا يعني أن المنظمات الدوليّة لم تقدم خلال السنوات الماضية مساعدات جمّة، ساهمت في التخفيف من وقع الأزمة، حتى وإن لم تستطع إيقافها. فما الذي فعلته بعض المنظمات الدوليّة في اليمن خلال الفترة الأخيرة؟
"ورغم ما تقدمه، تبقى المنظمات الدوليّة عاجزة أمام هول الكارثة". تقول منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانيّة في اليمن ليز غراندي، أنّه "من المحزن عندما يكون الناس في أمسّ الحاجة إلينا، أن نكون غير قادرين على القيام بما هو ضروري بسبب عدم توفر التمويل".
المنظمات الدوليّة والأمين العام للأمم المتحدة، يستمرّون إذاً في حثّ "كل من يتمتعون بالنفوذ" على العمل بشكل عاجل لوقف الحرب ولتجنب وقوع الكارثة الأكبر، لكن ما من مجيب حتى الآن.
تتأمل المنظمات الدوليّة في الآونة الأخيرة، بأن ينجح الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، في وضع حد للصراع مما قد يخفف من حدّة الأزمة الإنسانيّة، خاصة بعد عدول الولايات المتحدة عن تصنيف حركة "أنصار الله" كـ "منظمة إرهابيّة"، وتأكيدها على أنها ستوقف دعم الحرب على اليمن. المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي، أمل مؤخراً أن تقوم إدارة بايدن بـ"الضغط بشدة، للوصول إلى حلول ستكون مهمة للغاية، لأن لدينا الكثير من المآسي والكوارث وليس هناك ما يكفي من المال لها".
"خيبة أمل" كبيرة من المنظمات الدوليّة تجاه تراجع التمويل، وعجز ظاهر لا يمكن أن يمنع وقوع كارثة أكبر في عام 2021، ما لم تتوقف الحرب على اليمن، ويفك الحصار، وما لم تقدم المزيد من المساعدات، لبلد لم يستنشق شعبه منذ عام 2015 سوى رائحة النار والبارود، ولم يأكلوا سوى فتات لا يكفيهم للبقاء على قيد الحياة.