قاتل جورج فلويد أمام القضاء في محاكمة استثنائية
يمثل الشرطي الأميركي ديريك شوفين، المتهم بقتل المواطن الأميركي من ذوي البشرة السوداء جورج فلويد، أمام القضاء بمينيابوليس، في محاكمة ستكون استثنائية على أكثر من صعيد.
بعد 9 أشهر على مقتل المواطن جورج فلويد، من ذوي البشرة السوداء، في حادثة أعادت فتح جروح العنصرية العميقة في الولايات المتحدة، يمثل الشرطي المتهم بقتل المواطن فلويد البالغ 46 عاماً، أمام القضاء الإثنين في مينيابوليس في محاكمة ستكون استثنائية على أكثر من صعيد.
بين نقل الجلسات في بث مباشر، وفرض تدابير أمنية مشددة، ومشاركة مدعون عامون من الأبرز في مجالهم، ستكون محاكمة الشرطي ديريك شوفين، بمستوى الرهانات المحيطة بهذه "القضية الجنائية العالية الرمزية، من الأهم في التاريخ" الأميركي، بحسب نيل كاتيال، الذي سيتولى توجيه الاتهام إلى الشرطي.
ففي 25 أيار/مايو، ضغط الشرطي الأبيض بركبته على عنق جورج فلويد الممدد أرضا على بطنه مكبّل اليدين، لمدة تسع دقائق طويلة لم يأبه خلالها لتوسّل فلويد ونداءاته المتكررة "لا يمكنني التنفّس"، وواصل الضغط حتى بعدما دخل في غيبوبة.
أثار فيديو مقتل فلويد، الذي صورته فتاة كانت تمر في الشارع وأعيد بثّه على الإنترنت، صدمة ترددت أصداؤها من نيويورك إلى سياتل، وكان لها وقع كذلك في عدد من عواصم العالم، مثل لندن وباريس وصولا إلى سيدني، حيث نزلت حشود غاضبة إلى الشوارع للمطالبة بالعدالة هاتفة "بلاك لايفز ماتر" وهو اسم حركة "حياة السود تهمّ" المناهضة للعنصرية.
وتم صرف الشرطيين الضالعين في القضية على الفور، لكن عدة أيام انقضت ليتم توجيه التهمة رسمياً إلى ديريك شوفين، بـ"القتل" وإلى زملائه الثلاثة بـ"التواطؤ". وفي هذه الأثناء، كانت المدن الأميركية قد اشتعلت وتم إحراق مركز للشرطة في مينيابوليس.
إن كان الهدوء عاد منذ ذلك الحين، إلا أن الأجواء لا تزال في غاية الحساسية، في وقت تستعد البلاد لمتابعة محاكمة ديريك شوفين التي ستكون أيضا محاكمة للشرطة الأميركية.
هذا وكان من المقرر أن تجري محاكمة الشرطي السابق، الذي أطلق سراحه بكفالة في الخريف، مع زملائه ألكسندر كوينغ وتوماس لاين وتو تاو، لكن قاض أرجأ محاكمة عناصر الشرطة الثلاثة إلى الصيف تجنبا لاكتظاظ قاعة المحكمة بالحضور وسط أزمة وباء كوفيد-19.
بالتالي، سيخصص قضاء مينيسوتا المحاكمة حصراً للتهم الفادحة الموجهة إلى ديريك شوفين، البالغ 44 عاماً، قضى 19 منها في صفوف شرطة مينيابوليس.
وقال الشرطي السابق الذي يعمل في التدريب وتقديم النصائح آشلي هايبرغر، إن "توجيه التهمة إلى شرطي باستخدام القوة المفرطة، هو بحد ذاته أمر نادر في الولايات المتحدة، فكيف بالأحرى توجيه تهمة القتل إليه؟". أما إدانة شرطيين بالقتل، فأمر نادر جدا إذ يبدي المحلفون بحسب هايبرغر "ميلاً إلى تفسير الشك لصالحهم".
لكن الوقائع هذه المرّة فادحة إلى حد لم يرتفع صوت عنصر واحد في الشرطة دعما للمتهم، وهو أمر لم يحصل من قبل بحسب هايبرغر. غير أن إدانة شوفين تتطلب إجماع المحلفين الـ12. وإذا كان رأي واحد منهم مغايرا، عندها تخلص المحاكمة إلى رد الدعوى. وسيناريو رد الدعوى هذا أو تبرئة المتهم، سيحرك حتما غضب الناشطين ضد العنصرية.
ولتفادي وقوع أي تجاوزات، جندت السلطات آلاف عناصر الشرطة والحرس الوطني لحفظ الأمن، وتحول محيط المحكمة إلى ما يشبه معسكرا محصنا، تحيط به أسلاك شائكة وكتل اسمنتية.
وتبدأ المحاكمة باختيار أعضاء هيئة المحلفين، وهي مهمة ستكون في غاية الصعوبة، إذ يبحث الادعاء والدفاع عن أكبر قدر ممكن من الحياد لديهم.
"ما رأيك في حركة بلاك لايفز ماتر؟ هل سبق أن تم توقيفك؟ كم مرة شاهدت فيديو المأساة؟" تلك بعض الأسئلة من ضمن قائمة طويلة من الأسئلة وجهت إلى المرشحين للمشاركة في هيئة المحلفين، والذين سيجري استجوابهم مطولاً على مدى 3 أسابيع.
تبدأ المداولات في وقائع القضية في 29 آذار/مارس الجاري، وسيدفع ديريك شوفين ببراءته. وكتب محاميه إريك نيلسون قبل المحاكمة أنه "قام بما تم تدريبه للقيام به تماما" عند توقيف مشتبه به يقاوم الاعتقال، وهو يدّعي أن فلويد توفي جراء جرعة زائدة من مسكّن فينتانيل.
وعثر طبيب شرعي على آثار لهذه المادة المخدرة الأفيونية في جثة فلويد، لكنه اعتبر أن الوفاة كانت نتيجة "الضغط على عنقه".
محامي عائلة فلويد، بن كرامب ندد أمس السبت، بمحاولة التضليل، وقال "نتوقع أن يحاولوا التغطية على الفيديو من خلال اتهام جورج بكل الشرور".
أما الاتهام، فسيدعي بأن فلويد الذي يشتبه بأنه حاول الدفع مستخدماً ورقة مالية مزورة من فئة عشرين دولاراً، لم يكن يشكل أي خطر. وهو يعتزم طلب عقوبة فادحة بحق ديريك شوفين الذي "تعمد" تعذيب الموقوف.
لإثبات أن الجريمة تندرج في سياق "نمط عمل" يتبعه الشرطي، سوف يستدعي الاتهام امرأة سوداء تعرضت لمعاملة عنيفة منه في العام 2017، للإدلاء بشهادتها. كما ستتخلل المحاكمة لحظات مؤثرة، منها إفادة الفتاة التي صورت الحادث.
ومن المتوقع أن ينسحب المحلفون، لإجراء مداولاتهم في نهاية نيسان/أبريل المقبل.