أميركا اللاتينية عام 2020.. انتكاسات متتالية للولايات المتحدة
لم ينتهِ العام 2020 في أميركا اللاتينية كما خططت إدارة ترامب.. من فنزويلا إلى بوليفيا والبرازيل مروراً بكوبا وغيرها من الدول، كانت أميركا على موعدٍ مع انتكاسات، تنبىء بتأثيرات سياسية مؤثرة في القادم من الأشهر.
تعرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها في أميركا اللاتينية إلى إخفاقات متتالية خلال عام 2020، حيث استطاعت القوى السياسية والشعبية المواجِهة للهيمنة الأميركية استعادة زمام المبادرة في بعض الدول، وإفشال المخططات الأميركية في دولٍ أخرى، بالإضافة إلى تأثيرات نتائج الانتخابات الأميركية والتي ألقت بظلالها على تلك المنطقة.
فنزويلا صامدة
انتهى العام 2020 مع تحرك أكبر أسطولٍ من ناقلات الوقود الإيرانية في 5 كانون الأول/ديسمبر، إلى فنزويلا، سبقه وصول عددٍ من الناقلات بعد عبورها الأطلسي والكاريبي، حيث تتمتع أميركا بنفوذٍ عسكري كبير، لكنها عجزت عن تنفيذ تهديداتها بمنع وصول الناقلات الإيرانية المستمرة منذ أيار/مايو، كاسرة بذلك الحصار المفروض على البلدين.
هذا الحدث وإن كان يحمل طابعاً اقتصادياً، لكن له دلالات ومؤشرات عديدة، تتعلق بالتطورات السياسية والأمنية التي شهدتها فنزويلا خلال العام، بعد تمكنها من تجاوز العقبات التي حاولت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وضعها، إن على صعيد زعزعة الاستقرار الداخلي، أو إحداث تغييرات في السياسة الفنزويلية، القائمة على مواجهة الهيمنة الأميركية بالتعاون مع شركاء دوليين.
استطاع الرئيس نيكولاس مادورو تثبيت دعائم السلطة، بدعمٍ شعبي أفرزته الانتخابات التشريعية الأخيرة في كانون الأول/ديسمبر، بعد فوز التحالف الداعم له بالأغلبية الساحقة من مقاعد البرلمان، الذي كان في وقتٍ سابق بيد "المعارضة" برئاسة خوان غوايدو، المدعوم من الإدارة الأميركية والذي أعلن نفسه رئيساً للبلاد في كانون الثاني/يناير، وبذلك باتت السلطات التشريعية والتنفيذية مع انتهاء العام 2020، بيد القوى الوطنية الفنزويلية الحليفة لمادورو.
ورغم مقاطعة القوى المعارضة للرئيس مادورو الانتخابات، بالتوازي مع التحريض الذي مارسته لفتح المجال أمام التدخلات الخارجية وعلى رأسها الأميركية، إلا أن الأخيرة لم تستطع فرض أجندتها السياسية أمام الدعم الشعبي وما رافقه من ثباتٍ للقوى المسلحة، لا سيما بعد فشل العديد من محاولات الاغتيال والتي كان أبرزها في أيار/مايو الماضي، عندما اعتقلت السلطات الفنزويلية 15 شخصاً بينهم أميركيان، قالت إنهما "عنصرا أمن" تابعان للرئيس الأميركي، اتهمتهم النيابة الفنزويلية بأنهم "مرتزقة" جنّدتهم المعارضة لتدبير محاولة توغل من طريق البحر، عبر قوارب كانت آتية من كولومبيا "لارتكاب أعمال إرهابية في فنزويلا، واغتيال مسؤولين حكوميين، وإحداث فوضى ومحاولة انقلاب".
بوليفيا.. الشعب يستعيد "موراليس"
الزعيم البوليفي إيفو موراليس، يعود إلى بلاده، بوليفيا، قادماً من الأرجنتين. حصل ذلك في 9 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
لعلّ هذا الحدث يختصر في العديد من جوانبه ما آلت إليه المخططات الأميركية في أميركا الجنوبية عموماً وفي بوليفيا خصوصاً خلال العام 2020. فبعد عامٍ من الانقلاب الذي دعمته الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى في بوليفيا، استقال على إثره موراليس من رئاسة البلاد مغادراً إياها، تمكّن الأخير مدفوعاً بتأييدٍ شعبي جارف من إعادة الأمور إلى سياقها الصحيح عبر الحزب الذي يترأسه "الحركة نحو الاشتراكية" وذلك بعد وصول لويس آرسي، إلى الرئاسة بفوزه ومن الدورة الأولى في الانتخابات التي جرت في 19 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وأيضاً في لاباز، كانت واشنطن عاجزة عن دعم حلفائها من اليمين، كما حصل في كاراكاس، وفشلت في كسر الإرادة الشعبية التي دعمت وثبتت أركان الحكم البوليفي، القائم على مواجهة الأطماع الأميركية في هذا البلد اللاتيني الغني بالموارد.
موراليس ذاته الذي لم يتوقع أن يعود إلى بلاده بهذه السرعة، شدد في أكثر من مناسبة على أن أهداف الانقلاب كانت ضد الخطط الاقتصادية، لا سيما وأن "الحركة الاشتراكية" في بوليفيا التي أسسها الزعيم البوليفي إيفو موراليس، استطاعت في فترات وجيزة من حكم الأخير للبلاد، أن تنقل بوليفيا إلى مصاف الدول ذات السيادة على معظم مواردها ومنتجاتها، إلى جانب رفعها من المستوى المعيشي لمختلف فئات الشعب البوليفي. وهذا تحديداً ما يؤرق الولايات المتحدة في العديد من الدول ليس فقط بوليفيا، أي السيادة الاقتصادية على الموارد، فلم تستطع إدارة ترامب سلب تلك السيادة من لاباز، التي حافظت على إنجازات عهد موراليس، تحت رعايته ودعمه، ومن خلال حليفه في الحزب لويس آرسي.
البرازيل.. "ترامب الاستوائي" في عزلة!
دخلت البرازيل بسبب رئيسها اليميني جايير بولسنارو، منعطفاً خطيراً منذ عام 2018، لما شكلته سياسته الاقتصادية والأمنية من انكشافٍ لموارد البلاد وسياساتها الإقليمية والدولية أمام المحاولات الأميركية للهيمنة على هذا البلد الغني بالموارد الطبيعية والشعبية ذات المردود الاقتصادي الكبير.
جاءت جائحة كورونا لتكشف حجم الهوّة بين سياسات بولسونارو اليمينية، وبين تطلعات الشعب البرازيلي، في ظلّ الانتقادات الهائلة التي تعرضت لها سلطته أمام الاستخفاف الذي واكب مواجهة الجائحة، والذي دفع الشعب البرازيلي ثمنه، في ظلّ تقليده الأعمى لخطوات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي كان من ضمنها تهديده بالانسحاب من منظمة الصحة العالمية، بعد قيام إدارة ترامب بهذه الخطوة.
إلى جانب ما خلفته جائحة كورونا من تراجعٍ لسلطة بولسونارو، جاءت نتائج الانتخابات الأميركية لتزيد من عزلتها داخلياً وخارجياً، وفق ما رآه العديد من المحللين، الذين أكدوا أن "خسارة ترامب ستكون لها انعكاسات سلبية على بولسونارو، الذي حمل منذ وصوله إلى السلطة لقب "ترامب الاستوائي"، لتأييده الأعمى للرئيس الجمهوري".
أمام التغيرات.. "ألبا ثابتة"
أسباب فشل سياسة إدارة ترامب في أميركا الجنوبية خلال العام 2020، في أكثر من دولة ومن ضمنها كوبا بطبيعة الحال، التي لا تزال ومنذ انتصار ثورتها ضمن دائرة الاستهداف الأميركي، لا تتعلق فقط من حيث السبب بالتأثيرات والعوامل الداخلية لكل دولة، بل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالكتلة اللاتينية المتحالفة، والتي استطاعت من خلال التعاون المشترك أن تسقط المخططات الأميركية الساعية إلى قلب الموازين.
ولعلّ خطاب الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، خلال قمة "مجموعة ألبا"* الأخيرة، التي تجمع العديد من دول أميركا الجنوبية، يعبّر عن مضمون هذا الأمر، بقوله إن "ما يهم حالياً هو أن تحالف ألبا بخير"، وذلك تعليقاً على فوز بايدن بالرئاسة الأميركية.
تصريح مادورو، الذي يستبق أي خططٍ جديدة للرئيس الأميركي الجديد في أميركا اللاتينية، يدل على أن فشل السياسيات الأميركية خلال عام 2020 وانكشافها أمام شعوب تلك المنطقة، لا يتعلق بمن يصل إلى الحكم في البيت الأبيض، أي لا يتعلق بقوته من عدمها، بل بتماسك الدول اللاتينية التي لا تدور في الفلك الأميركي، وتعاونها وتنسيقها فيما بينها.
*مجموعة ألبا: تعرف منظمة التحالف البوليفاري لشعوب القارة الأميركية باسم (the Bolivarian Alliance for the Peoples of Our America) واختصارها (الألبا) (ALBA)، وهي منظمة حكومية دولية تقوم على فكرة الاندماج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي لبلدان أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. وأقيمت هذه المنظمة بمبادرة من الرئيس الفنزويلي الراحل هوغو تشافيز، عام 2004، بهدف "توحيد صفوف دول أميركا اللاتينية في منظمة واحدة".