انتخابات مجلس الشعب في الحسكة: تمسّك عشائري سوري في مقابل مقاطعة "الإدارة الذاتية"
دورة انتخابات مجلس الشعب شهدت تقدم أعدادٍ كبيرة من المرشحين إلى السباق في مدينتي الحسكة والقامشلي السوريتين، يُمثلون مختلف الشرائح الاجتماعية في المحافظة، من عشائر وسريان وآشوريين وأكراد وأرمن.
تشهدُ كلٌّ من مدينتي الحسكة والقامشلي وريفيهما نشاطاً انتخابياً ملحوظاً للمرشحين لانتخابات مجلس الشعب للدور التشريعي الرابع، مع انتشار الخيم الانتخابية بصورة ملحوظة، على الرغم من محدودية سيطرة الحكومة السورية في محافظة الحسكة، وسيطرتها على مساحة محدودة من أحياء مدينة الحسكة وعدد من القرى والبلدات في ريفها، ومساحة ضيقة من مدينة القامشلي، وعدد من القرى والبلدات في أريافها، في مساحة لا تتجاوز 5 في المئة من إجمالي مساحة المحافظة.
تُعَدّ الحسكة المحافظة الوحيدة في سوريا التي تُسيطر عليها ثلاث جهات، هي "قسد"، المدعومة من الاحتلال الأميركي، والتي تُسيطر على أكثر من ثلاثة أرباع مساحتها، وفصائل "الجيش الوطني" المدعومة من تركيا، التي تسيطر على مدينة رأس العين وأريافها، والحكومة السورية الموجودة في مساحات محددة في الحسكة والقامشلي، بالإضافة إلى وجود جنود فرنسيين وبريطانيين ضمن قوات "التحالف الدولي" ضد "داعش".
وعلى الرغم من تعاقب سيطرة عدد من المجموعات المسلحة على المحافظة، خلال أعوام الحرب، من فصائل "الجيش الحر" و"جبهة النصرة" و"داعش"، وأخيراً "قسد" و"الجيش الوطني"، فإنّ المحافظة لم تغب عن كل الاستحقاقات الانتخابية في البلاد، تشريعيةً ومحليةً ورئاسيةً، مع تفاوت في نسبة المشاركة، بحسب الظرف الأمني.
لكن هذه الدورة لانتخابات مجلس الشعب شهدت ترشّح أعداد كبيرة من المرشحين، الذين يُمثلون مختلف الشرائح الاجتماعية في المحافظة، من عشائر وسريان وآشوريين وأكراد وأرمن، أكثر من نصفهم من مرشحي حزب البعث، ضمن سعيهم للوصول إلى مقاعد البرلمان.
هذه الأعداد الكبيرة، ترافقت مع حملات إعلامية دعائية لعدد كبير من المرشحين، الذين نشروا صورهم وبرامجهم الانتخابية بصورة مُكثّفة، في شوارع مدينتي الحسكة والقامشلي، بالإضافة إلى انتشار الخيم الانتخابية أيضاً، مع وجود قائمة وحيدة هي قائمة "الوحدة الوطنية"، التي يقودها حزب البعث الحاكم، بخلاف المحافظات الأخرى، كدمشق وحلب واللاذقية وحمص، والتي شهدت تحالفات وقوائم بين المستقلين.
وتُعطي المشاركة المُكثّفة في الدعاية الانتخابية تصوراً عن إمكان المشاركة، عبر أعداد كبيرة من سكان المحافظة، وخصوصاً المناطق التي تسيطر عليها "قسد"، والتي ينحدر أغلبية المرشحين منها، الأمر الذي يعني توجهاً من جانب ناخبيهم وذويهم إلى انتخابهم، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على أعداد المقترعين.
وتبدي أغلبية المرشحين تخوفاً، من نشر "قسد" لحواجزها وإغلاق الشوارع المؤدية إلى مناطق سيطرة الجيش السوري، كما حدث في الدورة السابقة، الأمر الذي سيؤثر في الانتخابات، ويجعلها محصورة في المناطق التي تديرها الحكومة السورية.
ومصدر التخوف والقلق هذين تأكيد رئيس حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي، صالح مسلم، الذي يقود "الإدارة الذاتية"، عبر تصريحات إعلامية، أنّ "الإدارة الذاتية لها عقد اجتماعي وقوانين وأنظمة لا تعترف بالانتخابات البرلمانية السورية، ولن يكون هناك صناديق اقتراع في مناطق الإدارة الذاتية".
في المقابل، جاءت دعوة " الإدارة الذاتية" الحكومةَ السورية إلى "الحوار والاتفاق على نقاط الخلاف"، وفق تصريحات لمسؤولين كرد، لتعطي أيضاً تصوراً عن إمكان عدم تضييق "الذاتية" على المرشحين والناخبين، وعدم منع الأهالي من التوجّه إلى أماكن انتشار الصناديق الانتخابية والإدلاء بأصواتهم لاختيار مرشحيهم لمجلس الشعب السوري.
وهنا، تؤكد مصادر الميادين نت أنّ "الإدارة الذاتية ستلجأ في الغالب إلى اتخاذ إجراءات محدودة يوم الانتخاب، مع عدم التضييق التام على الناخبين للمشاركة في الانتخابات"، لافتاً إلى أنّها "لا تُريد استفزاز الحكومة السورية، في ظلّ الأنباء عن قرب إنجاز مصالحة سورية تركية، وحاجة "الذاتية" إلى الحوار مع دمشق بشأن هذا الملف الوجودي بالنسبة إليها".
وترى المصادر أنّ "تصريحات المسؤولين الكرد هي موقف ثابت يتخذونه بشأن الانتخابات منذ إعلان تأسيس الإدارة الذاتية في عام 2013"، مرجحاً "ألا يكون هناك مُضايقات كبيرة للناس يوم الانتخاب".
من جهتها، تبين مصادر عشائرية أنّ "وجود أعداد من المرشحين، من شيوخ العشائر ووجهائها والأكراد والسريان، وتوزع المدن والبلدات التي ينحدرون منها، سيدفع كثيرين من سكان المدن والقرى والبلدات إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع"، مؤكداً أنّ "هذه الأعداد ستكون عامل ضغط على الإدارة لعدم اعتراض طريق أي من الناخبين الراغبين في دخول مناطق سيطرة الحكومة".
وأكّد أنّ "انتشار عدد كبير من الخيم الانتخابية في الحسكة والقامشلي، ومشاركة أعداد كبيرة من الأهالي فيها، رسالةٌ تفيد برغبة أهالي الحسكة في المشاركة الفاعلة في الانتخابات"، مرجحاً أن "يُدلي الأهالي بأصواتهم يوم الانتخاب من دون عوائق أو ضغوطات، وهو ما أوصله شيوخ العشائر إلى مسؤولي "الذاتية" أيضاً".
وتكثّفت الاستعدادات للانتخابات مع بحث الحكومة السورية في جلستها في تأمين مستلزمات العملية الانتخابية كافةً، مؤكدةً تنسيق العمل بين مختلف الوزارات والجهات، بهدف تأمين الظروف الملائمة لإجراء العملية الانتخابية في الصورة الأمثل، وإدلاء المواطنين بأصواتهم.