دول التحالف الرباعي من أستراليا: التقدم الصيني تحدي طويل الأمد
دول التحالف الرباعي "كواد" تناقش في أستراليا كيفية احتواء الصين في منطقة آسيا المحيط الهادئ، ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يصف تقدّم الصين بـ"التحدي الطويل الأمد".
بدأ وزراء خارجية الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والهند مناقشات، اليوم الجمعة، بشأن تعميق ما يسمى بالتحالف الرباعي (كواد) الهادف إلى "احتواء النمو الصيني في منطقة آسيا والمحيط الهادئ".
وقالت وزيرة الخارجية الأسترالية ماريز باين قبل القمة: "معاً نشكّل شبكةً حيويةً من الديمقراطيات الليبرالية التي تلتزم التعاون بشكل ملموس، ولضمان أنّ جميع دول المحيطين الهندي والهادئ، الكبيرة والصغيرة، قادرة على اتخاذ قراراتها الاستراتيجية الخاصة، بعيداً من الإكراه".
من جهته، أكّد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أنّه "رغم تركيز واشنطن حالياً على التهديد الروسي في أوكرانيا، فإنّ التحدي الطويل الأمد يبقى تقدّم الصين الذي يدعو إلى التشكيك في النظام التقليدي".
وقال لصحيفة "ذي أستراليان" عشية المحادثات: "من وجهة نظري، ليس هناك شك في أنّ طموح الصين في نهاية المطاف هو أن تصبح القوة العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية والسياسية الرائدة، ليس في المنطقة فحسب، لكن في العالم أيضاً".
وتحظى منطقة آسيا باسيفيك بأهمية كبيرة في الاستراتيجيات العالمية؛ فهي تضم أكبر تكتّل اقتصادي في العالم وهو منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ المعروف اختصاراً بـ(APEC)؛ وهو منتدى حكومي تأسس عام 1989، ويضم 21 دولة عضواً تطل جميعها على المحيط الهادىء، وتمثل مجتمعة 60% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وبينها أكبر اقتصادين في العالم، وهما الولايات المتحدة والصين؛ وقد حظي المنتدى مؤخراً بأهمية خاصة حيث أصبح منبراً للجدال بين البلدين بشأن حربهما التجارية.
الترتيبات الأمنية تشكل عاملاً مهماً أيضاً؛ حيث يوجد العديد من النزاعات الجغرافية خصوصاً بين الدول الآسيوية بما فيها الصين واليابان ودول (آسيان) العشر؛ هذا فضلاً عن الوجود العسكري الأميركي الكثيف ونقاط التَّماس مع الصين التي تعزِّز قدراتها ووجودها العسكري بشكل كبير في بحري شرق الصين وجنوبها.
وفي هذا السياق، يكتسب التحالف الرباعي "كواد" الذي يضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند، أهمية متزايدة في التنافس المتصاعد في منطقة آسيا باسيفيك، خصوصاً بين الولايات المتحدة والصين؛ حيث حذّرت بكين من هذا التحالف؛ وسط مساعٍ أميركية لإحيائه وإعطائه دفعة جديدة في عهد الرئيس الأميركي جو بايدن.
ورغم التوترات في أوكرانيا، والدعم اللوجستي الذي قدمته واشنطن لكييف، والتحشيد العسكري في أوروبا، إلا أنّ المواجهة مع الصين لا زالت تحظى بأولوية عند الإدارة الأميركية.
كيف أنشئ تحالف "كواد"؟
اجتمعت كل من أميركا، أستراليا، الهند واليابان، للمرة الأولى، لتوحيد عمليات الإغاثة بعدما تسبب زلزال ضرب إندونيسيا في 26 كانون الثاني/يناير 2004، في تسونامي على طول الساحل الشرقي للهند، ما أسفر عن مقتل حوالى 230 ألف شخص. وبعد ثلاث سنوات، شكّلت الدول الأربع "الحوار الأمني الرباعي".
وكانت المهمة الرئيسية للتحالف الرباعي، إجراء مناورة بحرية مشتركة كجزء من تدريبات "مالابار" الثنائية القائمة بين الولايات المتحدة والهند.
وفي العام التالي، انسحب رئيس الوزراء الأسترالي كيفن راد من التحالف، إذ لم يكن يريد أن تكون بلاده جزءاً من مجموعة ينظر إليها على أنها تتحدى الصين التي أصبحت شريكاً اقتصادياً مهما لأستراليا.
وكسبت المبادرة زخماً جديداً في العام 2020 مع إعادة انضمام أستراليا إليها، كما تزايد زخم اندفاع نيودلهي غير المنحازة تقليدياً نحو تعاون أكبر مع "كواد".
وفي 24 أيلول/سبتمبر الماضي، افتتح الرئيس بايدن القمة الرباعية (كواد)، بحضور رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، ورئيس الوزراء الياباني سوجا يوشيهيد.
وانعقدت القمة المذكورة في البيت الأبيض بواشنطن، بهدف إيجاد جبهة عريضة موحدة لمواجهة التهديدات الصينية المتزايدة والمتسارعة.
وفضلاً عن التدريبات العسكرية والتعاون الأمني، يهدف التحالف إلى تعميق التعاون في مجالات، مثل مكافحة كوفيد-19، والتركيز على قضايا تكنولوجيا المعلومات، بما في ذلك نشر شبكات اتصالات "5 جي"، ومكافحة تغير المناخ.
وينعقد في مدينة ملبورن الأسترالية، اليوم، الاجتماع الرابع للقمة الرباعية (كواد)، بمشاركة وزراء خارجية الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابان.
جدير بالذكر أنّه في 23 أيلول/سبتمبر الماضي، اتفقت كلّ من الهند واليابان على "معارضة قوية للمحاولات الأحادية ضد ما أسموه الإكراه الاقتصادي وتغيير الوضع الراهن في المياه البحرية في آسيا والمحيط الهادئ"، في إشارة منها إلى الصين دون تسميتها علناً، بحسب بيان للخارجية اليابانية.
"الكواد" على حدود الصين، وأوكرانيا على حدود روسيا
بالتزامن، حثّت كل من موسكو وبكين في بيان مشترك بعد اختتام قمتهما، في بيان مشترك الولايات المتحدة على "التخلي عن خطط نشر صواريخ متوسطة وقصيرة المدى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا".
وأعربت روسيا والصين في البيان، عن قلقهما من "خطط الولايات المتحدة لتطوير نظام الدفاع الصاروخي العالمي، ونشر عناصره في مناطق مختلفة من العالم".
ورأى البيان أنّ "النشاط البيولوجي العسكري للولايات المتحدة وحلفائها يثير المخاوف ويشكل تهديداً لروسيا والصين"، مشيراً إلى أنّ "موسكو وبكين تحثان واشنطن على الإبلاغ بشكل صحيح عن الأنشطة البيولوجية العسكرية بعلانية وشفافية".
هذا ومع تعزيز العلاقات بين الصين وروسيا، التي وضحت خلال زيارة بوتين للصين والبيان المشترك بين البلدين، تعمل واشنطن على بناء جبهات من أجل محاربة الصين وروسيا في وقت مشترك.
محاولة لاستدراج الهند وإندونيسيا للحلف الرباعي
بالنسبة إلى الولايات المتحدة وأستراليا واليابان، يعتبر التحالف الرباعي أداة لاستمالة الهند التي كانت تقليدياً تتميز بوضعها كقوة غير منحازة في معارك القوى العظمى. لكنّ الصراع الدامي على حدودها مع الصين في العام 2019 ربّما ساهم في تغيير ذلك.
الهند هي "العضو الحيوي والحاسم في التحالف الرباعي"، كما صرّح في تشربن الثاني/نوفمبر الماضي، المسئول عن الأمن القومي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في البيت الأبيض، كيرت كامبل.
يشار إلى أنّه في خطتها الإستراتيجية للمنطقة، توقفت الولايات المتحدة عن استخدام عبارة "آسيا والمحيط الهادئ" واستبدلتها بعبارة "المحيطان الهندي والهادئ".
من جهتها، وقّعت إندونيسيا، أمس الخميس، مع فرنسا عقداً لشراء 42 مقاتلة "رافال"، فيما تسعى باريس وجاكرتا لتعزيز روابطهما في مواجهة التوتر المتصاعد في منطقة آسيا المحيط الهادئ.
وبالتزامن، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنّ واشنطن وافقت، أمس الخميس، على بيع إندونيسيا 36 مقاتلة "إف-15" مقابل 14 مليار دولار.
هل ينجح تحالف "كواد"، في تقويض اقتصاد الصين ومواجهته، وماذا عن الدور الروسي في هذا النواع، حتماً الأيام القادمة ستكشف عن أدوات جديدة في الصراعات العالمية.