مفاوضات فيينا.. إيران تختبر جدية أميركا وأوروبا
المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة "4+1" بشأن إحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات توقفت حتى الأسبوع المقبل، فكيف كانت أصداء الجولة السابعة، في المستوى الدولي؟
انتهت الجولة السابعة من مفاوضات فيينا بشأن إعادة إحياء الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة "4+1"، بحيث اتفقت الأطراف على العودة ثانية إلى فيينا لاستئناف المفاوضات في الأسبوع المقبل، من أجل إعطاء وقت لدراسة المقترحات الإيرانيّة.
تناقضات وخيبة أمل أوروبية
في نهاية الجولة السابعة من المفاوضات، بدا مندوب الاتحاد الأوروبي، إنريكي مورا، إيجابياً، ووصف الجولة بأنّها "واقعية ومثمرة"، وذلك خلال تصريحاته للصحافيين.
تصريحات مورا قوبلت ببيانٍ أصدره دبلوماسيون أوروبيون وصفوا الجولة الأخيرة من المفاوضات بـ"المحبطة والمقلقة"، وقالوا إنّ هذا الاستنتاج جاء نتيجة "التحليل الدقيق للمقترحات الإيرانية والتعديلات التي يطلبون إدخالها في النص، الذي تمّ التشاور بشأنه في الجولات السِّتّ الماضية"، وهذا ما صرّح به أيضاً الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون.
ويدّعي هؤلاء الدبلوماسيون أنّ إيران أدخلت "تعديلات جذرية" في مسوّدة نصّ الاتفاق، على نحو يُعيد المفاوضات "خطوةً إلى الوراء"، بينما يعتبر كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني، أنّ المقترحات التي قدَّمتها إيران إلى الأطراف الأخرى "لا يمكن رفضها لأنّها تعتمد على بنود اتفاق عام 2015"، مُلوّحاً بمقترحٍ ثالث سيُعرَض على الأطراف الأخرى في حال قبولها بالمسوّدتين الأَوَّليتين.
التناقض في الموقف الأوروبي بدا واضحاً، حين صرّح دبلوماسيون أوروبيون لـ"رويترز"، في الـ30 من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بأنّ القوى الأوروبية انتهت حتى الآن من صياغة 70 إلى 80% من نصّ الاتفاق النووي، وهذا الأمر يناقض البيان الأوروبي الصادر أخيراً. ويزداد الشعور لدى الغربيين بضرورة التعجّل من أجل التوصل إلى اتفاق بسبب التقدّم الكبير في برنامج إيران النووي، بحيث تجاوزت نسبة تخصيب اليورانيوم الـ60%، على الرغم من أنّ إيران تقول مراراً إن برنامجها النووي سلمي للغاية.
عرضت إيران مقترحاتها، وأكّدت أنها تطالب الأطراف المشاركة في المفاوضات بتقديم ردود منطقية على هذه المقترحات، التي تركّزت على موضوعي: رفع الحظر عن إيران، وموضوع الاتفاق النووي.
واشنطن تلوّح بخيارات جديدة.. و"إسرائيل" أمام احتمالات "سيئة"
الموقف الأميركي ليس مغايراً كثيراً للموقف الأوروبي، فواشنطن تقول إنّ إيران لم تقدّم من خلال المسوّدتين الأخيرتين أي "اقتراحات بنّاءة"، كما أنّها تتهم طهران بعدم الجدية، وتلوّح بخيارات أخرى، لم توضّحها.
واشنطن التي تسعى إلى "تقليم أظافر" طهران في المنطقة، لم تشارك في مفاوضات فيينا بصورة مباشرة. ومشاركنها المباشِرة رفضتها إيران منذ البداية، لأنّ الولايات المتحدة هي التي انسحبت عام 2018 بصورة أحادية من الاتفاق النووي.
تُبدي إيران موقفاً حازماً عبر تمسكها برفع العقوبات الأميركية والأوروبية غير الشرعية عنها، كما أنها تريد ضمانات بألا تلغي أي إدارة أميركية مقبلة الاتفاق النووي الجديد في حال حدوثه، كما تعتبر المسوّدتين الأخيرتين بمثابة كلٍّ مُتكامل، أي إمّا التوصل إلى اتفاق على كل شيء، وإمّا لا اتفاق.
تنطلق طهران من معالجتها موضوع العودة إلى الاتفاق، ولاسيما مع واشنطن، من خلال السياسة الأحادية التي تتبعها الأخيرة في التعامل مع الدول، فتعتبر طهران أن الانسحاب الأحادي الجانب من جانب إدارة ترامب من الاتفاق النووي عام 2018 هو الذي عطّل الاتفاق. لذلك، على الدولة المنسحبة أن تدفع الثمن، وهذا الأمر الذي لم تتقبَّله واشنطن على الإطلاق. لذلك، تطلب إيران من الولايات المتحدة الأميركية دخول المفاوضات النووية التي تُعقَد في فيينا، وفق نهجٍ جديد.
أمّا على المستوى الإسرائيلي، فتطالب "إسرائيل" الدولَ الأوروبية وأميركا بإيقاف المفاوضات النووية وإحباطها، بل تطالب أيضاً بتشديد العقوبات، وتلوّح بالتدخل العسكري ضد طهران. وتهدف من هذه التهديدات إلى منع إيران من الاستمرار في برنامجها النووي. وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإنّ هناك دولاً عربية لديها الرأي الإسرائيلي ذاته، أبرزها السعودية ومصر، كما يرجّح الإعلام الإسرائيلي بصورة كبيرة خروج إيران منتصرة من مفاوضات فيينا. وهنا تقف "إسرائيل" أمام احتمالات "سيئة"، لا يمكن أن تتعامل معها على نحو مباشر. وأبرز هذه الاحتمالات التي طرحتها:
- إنّ إقناع "إسرائيل" إدارة ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي عام 2018 كان خطأً إسرائيلياً فادحاً، يتحمّله رئيس الحكومة السابق بنيامين نتنياهو، ولاسيّما مع عدم وجود خطة استراتيجية، لا إسرائيلية ولا أميركية. وهذا الخطأ ساهم في نقل البرنامج النووي الإيراني إلى مكانٍ متقدّم جداً.
- إن "إسرائيل" ليست طرفاً في الاتفاق النووي، بل إنها تؤكد مراراً أن الاتفاق غير ملزم لها.
- يعتقد خبراء أن "إسرائيل" تقف حالياً أمام أحد هذه الاحتمالات: اتفاق، تخبّط، أو أزمة. وأيّ منها - في رأيهم - ليس جيداً لـ"إسرائيل"، لأنّه غير مُنسَّق جيداً مع الولايات المتحدة الأميركية.
- ثمّة فجوة كبيرة بين الولايات المتحدة الأميركية و"إسرائيل"، ولاسيما في التعامل مع الاتفاق النووي. فالأخيرة تتّبع سياسة حادة وحازمة، أمّا واشنطن فتتّبع سياسة الدبلوماسية وفرض العقوبات.
روسيا والصين: المحادثات "جوهرية"
ترى روسيا والصين أن إيران ترغب في إحداث تغيير جذري في مسوّدة الاتفاق في فيينا، كما تدافعان عن أمرين أساسيين، هما: رغبة إيران في الحصول على ضمان بعدم انهيار أي اتفاقٍ مقبل، بالإضافة إلى رفع العقوبات الأميركية والأوروبية غير القانونية عن طهران.
وهنا، يبرّر المندوب الروسي لدى المنظمات الدولية في فيينا، ميخائيل أوليانوف، الموقف الأوروبي الحاد تجاه المسوّدتين، قائلاً: "كان لدى شركائنا الغربيين انطباع قوي بأنّ الجانب الإيراني اقترح تغييراً جوهرياً، وإجراء تعديلات جذرية على مسوّدة الوثيقة النووية، والتي تمّ الاتفاق عليها خلال الجولات السّتّ السابقة. وبدا لهم أن هذا النهج راديكالي للغاية. لذلك، ظهر رد الفعل الحاد".
وتُدرك روسيا، وحتى الصين، أنّ هذه الجولة لن تحسم الاتفاق النووي، ولن تكون الجولة الأخيرة. لذلك، وصفت الصين المحادثات بأنّها "محادثات جوهرية"، وأملت أيضاً في أن يعطي التوقف، مدةَ أسبوع، دفعاً جديداً للمفاوضات النووية.
مع هذه المعلومات المركَّبة، توجّه أميركا اتهاماتها إلى إيران بعدم الجديّة في العودة إلى الاتفاق النووي، في حين أنّ عدم جدية واشنطن يَظهر في تخبُّطها داخلياً، فيما يخصّ الملف الإيراني، سواء في الكونغرس، أو في المؤسسات الأمنية والعسكرية، وفي تخبُّطها خارجياً مع الدول الغربية وكيان الاحتلال الإسرائيلي بشأن التعامل مع برنامج إيران النووي، بصورة عامة.