ما هي فرص النجاح لخطط بايدن في لجم أسعار النفط؟
قبيل انتخابات التجديد النصفي للرئيس الأميركي جو بايدن يتجه إلى أبواب كانت موصدة في السابق، إذ يرى الآن أنّ الحاجة إلى خفض أسعار النفط تفوق فائدة التطبيق الصارم للعقوبات على هذه الدول.
بعد إعلان الاتحاد الأوروبي تخفيض 90% من وارداته من النفط الروسي بحلول نهاية العام 2022، عادت أسعار النفط للارتفاع إلى ما كانت عليه في بداية الأزمة الأوكرانية، إذ قفز سعر خام برنت، المعيار العالمي، متجاوزاً 124 دولاراً للبرميل في وقت سابق من هذا الأسبوع، محققاً أعلى مستوى له منذ أوائل آذار/مارس الماضي.
الحزمة السادسة من العقوبات التي تمت عرقلتها عدة مرات قبل إقرارها لما لها من أسباب كارثية، والتي تعني أنّ دول الاتحاد لديها 6 أشهر "للتخلص التدريجي" من واردات الخام الروسي، و8 أشهر لجميع المنتجات النفطية الأخرى، بدأت تداعياتها تتجلى في الأسواق وأسعار النفط.
روسيا التي كانت تشكل 14% من إمدادات النفط العالمية في العام الماضي، أوقفت ما يقارب مليون برميل يومياً من إنتاج النفط في نيسان/أبريل، وقد يصل هذا الانخفاض إلى حوالى 3 ملايين برميل يومياً خلال النصف الأخير من عام 2022، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، ما يرجّح أن تبقى "أسعار النفط المكونة من ثلاثة خانات" ثابتة، لاسيما إذا عاد الطلب الصيني بقوة بعد عمليات الإغلاق الصارم التي شهدتها شنغهاي وبكين ومدن صينية كبرى أخرى جراء فيروس كورونا، مما سيزيد الطلب على النفط.
أزمة امدادات النفط ساهمت في تباطؤ التعافي الاقتصادي في أوروبا، حيث وصف البنك الأميركي "غولدمان ساكس" هذه الأزمة بأنها "أكبر الصدمات في إمدادات الطاقة"؛ هذه الأزمة التي يرى اقتصاديون أيضاً أنها "تصعّب وقف موجة التضخم الهائلة في أميركا، وترفع أسعار الغذاء في شمال أفريقيا ودول المتوسط"، ما يؤدي إلى انعدام الاستقرار الاجتماعي والسياسي في الكثير من الدول النامية.
كما سيؤدي ارتفاع أسعار النفط إلى إعادة توزيع الدخل بشكل غير متوازن من الدول المستهلكة للنفط في أوروبا والصين إلى المنتجين الأساسيين، حيث سيتحول أكثر من تريليون دولار من الدول المستهلكة إلى الدول المنتجة، وهذا الرقم لا يشمل المنتجات البترولية كالديزل أو البنزين أو زيت الوقود، في حال استمرار هذا الارتفاع لمدة عام.
مع وصول التضخم في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى له منذ 40 عاماً (7.9%)، قام المصرف المركزي برفع الفائدة بمقدار 50 نقطة، أو نصف نقطة مئوية، والذي يعد ثاني ارتفاع للفائدة منذ تفشي جائحة كورونا قبل عامين.
ويمثل ارتفاع أسعار البنزين والديزل في الولايات المتحدة إلى مستوى قياسي قبيل موسم الصيف في البلاد (الذي تكثر فيه الرحلات وبالتالي استهلاك البنزين)، تحدياً للرئيس الأميركي جو بايدن والاحتياطي الفيدرالي وسط محاولات التصدي للتضخم الأسرع منذ عقود.
خيارات بايدن "السيئة"
يبدو أنّ بايدن أدرك أنّ الحاجة إلى خفض أسعار الضخ القياسية قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس لشهر تشرين الثاني/نوفمبر تفوق فائدة التطبيق الصارم للعقوبات، وهذا ما يبرر استعداد الولايات المتحدة للسماح بدخول المزيد من النفط الإيراني الخاضع للعقوبات إلى الأسواق العالمية حتى بدون إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، الذي سيؤدي في حال إبرامه إلى وصول ما بين 500 ألف إلى مليون برميل يومياً إلى الأسواق الدولية، وهو ما يكفي للتأثير على الأسعار بشكل كبير، حسب وكالة "بلومبرغ".
ويعارض "غضّ الطرف" هذا، عن إيران التي تمتلك حوالى 100 مليون برميل مخزّناً من النفط يمكن بيعها فوراً، العديد من الجمهوريين وبعض الديمقراطيين، إلاّ أنّه ليس هناك الكثير من الخيارات أمام بايدن الذي يتعرّض لضغوط كبيرة لخفض أسعار البنزين، التي قفزت إلى ما يزيد عن 4.80 دولار للغالون الواحد ( الغالون= 3.78 ليتر) في الولايات المتحدة.
وتأمل إدارة بايدن أن يساعد الخام الفنزويلي أوروبا على خفض الاعتماد على روسيا وإعادة توجيه بعض شحنات فنزويلا من الصين، أكبر عميل لنفط كاراكاس بهدف توجيه ما يصل إلى 70% من الشحنات الشهرية، بعد عزم البيت الأبيض تخفيف بعض العقوبات المفروضة على البلاد بشأن التبادل التجاري وشراء النفط.
وفي هذا الإطار سمحت الولايات المتحدة لشركة النفط الإيطالية "إيني سبا" وشركة "ريبسول" الإسبانية بالبدء في شحن النفط الفنزويلي إلى أوروبا في أقرب وقت ممكن الشهر المقبل، بشرط أن يذهب النفط المستلم إلى أوروبا، دون إعادة بيعه في مكان آخر. تبقى مخاوف الولايات المتحدة الأميركية حاضرة من الاعتماد على خصم سياسي تاريخي يتمثل في الحكومة البوليفارية في فنزويلا، والذي تجمعه علاقات استراتيجية مع روسيا.
وفي الشهر الماضي، سمحت إدارة بايدن لـ "شيفرون"، أكبر شركة نفط أميركية ، بالتحدث إلى حكومة مادورو و"PDVSA" (شركة النفط الوطنية الفنزويلية) حول العمليات المستقبلية، بعد أن أوقفت شركات النفط الأجنبية مقايضة النفط بالديون في منتصف عام 2020 في خضم حملة "الضغط الأقصى" التي شنها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والتي خفضت صادرات النفط الفنزويلية لكنها فشلت في الإطاحة بالرئيس نيكولاس مادورو.
خطط بايدن بهدف تخفيض أسعار النفط، تشمل الرياض أيضاً، وعلى الرغم من وصف الرئيس الأميركي السعودية خلال حملته الانتخابية بـ"الدولة المنبوذة"، فإن السعودية ما زالت على رادار الرئيس الأميركي، بهدف إقناعها برفع إنتاجها النفطي. في إجراء مشابه حدث في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي حين ضغطت واشنطن على الرياض لزيادة إنتاجها لمجابهة ارتفاع الأسعار، بعد انتهاء الركود المرتبط بجائحة كورونا، إلاّ أنّ الرد السعودي حينها كان بالتواصل مع موسكو والاتفاق على عدم زيادة الإنتاج، ما فُهم على أنه رسالة من ابن سلمان رداً على عدم تواصل واشنطن معه مباشرة حينها. ومن جانب آخر، نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" الأميركية، منذ أيام، بأنّ السعودية مستعدة لزيادة إنتاج النفط، إذا انخفض الإنتاج الروسي بسبب العقوبات التي يفرضها الغرب على موسكو.
وعلى الرغم من إعلان منظمة "أوبك+" أنها سترفع الإنتاج بمقدار 648 ألف برميل يومياً في تموز/يوليو ثم مرة أخرى في آب/أغسطس ، بزيادة قدرها 50% تقريباً عن الزيادة الشهرية المحددة بموجب برنامج العام الماضي، إلاّ أنه من غير المرجح ،وفق خبراء ، أن تخفّض هذه الخطوة أسعار النفط.
فشل بايدن في توفير إمدادت نفط كافية من دول "أوبك" في السوق الدولية، تعزز بفشل داخلي، تمثل بإحجام معظم الشركات الأميركية عن توسيع إنتاجها، خشية من أن يؤدي المزيد من حفر الآبار في المرحلة الحالية، إلى كساد في فترة لاحقة، يعيد المشهد إلى بداية الوباء حين وصلت أسعار العقود الآجلة للنفط إلى مستويات دون الصفر.
هذا الأمر دفع الشركات الكبرى، مثل "إكسون موبيل" و"شيفرون" و"بي بي" و"شل"، إلى الالتزام، إلى حد كبير، بميزانيات الاستثمار التي حددتها قبل الحرب في أوكرانيا.
وحتى السحب من الاحتياطي الأميركي بواقع مليون برميل يومياً على مدار 180 يوماً، سيكون مرحليا وموقتاً، وفق الخبراء، نظراً لأنه مع انتهاء عمليات السحب ستكون الولايات المتحدة مجبرة على إعادة ملء مخزونها مما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار مجدداً.
في وقت يعارض فيه أيضاً دعاة حماية البيئة والعديد من الديمقراطيين إنتاج النفط والغاز المحلي عن طريق فتح المزيد من الأراضي والمياه الفيدرالية للتنقيب عن النفط في أماكن مثل ألاسكا وخليج المكسيك لأنها ستعيق الجهود المبذولة لمكافحة تغير المناخ.
هذه الأسباب التي لم تترك لبايدن سوى "الخيارات السيئة" حسبما وصفها بيل ريتشاردسون، وزير الطاقة في إدارة بيل كلينتون، "سيتضح قريباً مدى قدرة هذه الخيارات على خفض الأسعار العالمية للنفط".