ما تأثير صعود اليمين المتطرف في "إسرائيل" في الجيش والعلاقات الخارجية؟
شهدت الانتخابات الإسرائيلية في الآونة الأخيرة صعود اليمين المتطرف الإسرائيلي، فما تأثيره في الداخل والخارج؟
في انتخابات الكنيست الإسرائيلي في آذار/مارس 2020، كان حزب "القوة اليهودية" هامشياً، وحصل على أصواتٍ أقل بكثير من العتبة الانتخابية، لكن في الانتخابات الأخيرة التي أُقيمت في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بدا الأمر مختلفاً للغاية، فقد انتشر أنصار المتطرف اليميني إيتمار بن غفير في مراكز الاقتراع المختلفة، وسلّطت وسائل الإعلام الضوء عليه.
وللمفارقة، أصبح بن غفير المطرود من "الجيش" الإسرائيلي عام 1994 بسبب شذوذه النفسي وزيراً للأمن القومي الإسرائيلي بصلاحياتٍ موسّعة تُجيز له إطلاق موجة من النشاطات الاستيطانية بتمويل حكومي، وكذلك التحكّم في "الجيش" الإسرائيلي، ولا سيما في الضفة الغربية المحتلة، وذلك بعدما أصبح حزب "الصهيونية الدينية" الحزب الثالث في الكنيست، والثاني في الائتلاف الفائز بقيادة بنيامين نتنياهو.
هل يتحول "الجيش" الإسرائيلي إلى "ميليشيا"؟
وجود بن غفير في وزارة الأمن القومي الجديدة سيخوله أن يكون الحاكم الفعلي للضفة الغربية المحتلة. بمعنى أكثر دقة، سيكون رئيس حكومة موازية لما يُسمى الإدارة المدنية، معززاً بصلاحياتٍ واسعة، ورئيس أركان، ليس للشرطة فحسب، بل لحرس الحدود والحرس الوطني أيضاً، الذي قررت حكومة يئير لبيد المنصرفة تأسيسه كـ"ميليشيا" رسمية للمساعدة في توفير الأمن للمستوطنات والمستوطنين.
من هنا، تتصاعد بشكلٍ واضح جملة من المخاوف التي حملها مسؤولون سياسيون وعسكريون إسرائيليون من تحول "جيش" الاحتلال من مؤسسة نظامية إلى "ميليشيات".
أول هذه التحذيرات صدرت عن رئيس حكومة الاحتلال المنتهية ولايته يائير لابيد، الذي وجّه في تغريدة عبر "تويتر" اتهامات خطرة إلى وزراء الحكومة الجديدة بأنّهم يحرّضون جنود "الجيش" الإسرائيلي على قادتهم، وخصوصاً رئيس الأركان، وهو تحريض خطر ووحشي ومدمّر على مؤسسة "الجيش"، فلا يمكن للجنود الحصول على إذن من الوزراء وأعضاء الكنيست لخرق أوامر قادتهم، لأنّ حياة الإسرائيليين تعتمد على وجود جيش قوي مع التسلسل القيادي والانضباط القتالي. أما هذا التحريض المقنّع على هيئة دعم، فهو خطر وغير مسؤول، ويقضي على قوّة "الجيش".
أما وزير أمن الاحتلال الإسرائيلي، بيني غانتس، فحذّر من نقل الصلاحيات على حرس الحدود إلى وزارة الأمن القومي الإسرائيلي بقيادة بن غفير، وقال إنّ هذه الخطوة تأتي لتأليف "ميليشيا" تابعة لرئيس حزب "عوتسما يهوديت"، وأبدى انزعاجه من محاولة تغيير قواعد فتح النار على الفلسطينيين من أشخاص لم يخدموا في "الجيش" دقيقة واحدة.
من جانبه، لفت رئيس هيئة الأركان العامة في "الجيش" الإسرائيلي، أفيف كوخافي، إلى أنّه لن يسمح لأيّ رجلٍ سياسي، لا من اليمين ولا من اليسار، بالتدخل في قرارات قيادية واستغلال "الجيش" لتقديم أجندة سياسية.
لا يستطيع السياسيون والعسكريون الإسرائيليون أن يخفوا قلقهم من حدوث تشققاتٍ في بنية "الجيش". منذ وصول بن غفير إلى السلطة، يُحاول إخضاع الجنود ورجال الشرطة والمخابرات لصلاحياته. وفي هذه الحالة، ستكون أجهزة الأمن مصبوغة بألوان حزبية، ما يخلق ميليشيات عديدة داخل الجيش.
اقرأ أيضاً: إيتمار بن غفير.. من صبيانية الشارع إلى وزارة الأمن الداخلي
صعود اليمين المتطرّف وسقوط العلاقات الدولية
مما لا شك فيه أنّ مشاركة اليمين المتطرف بقيادة بن غفير ستؤثر في علاقات "إسرائيل" الدولية، وتحديداً مع الولايات المتحدة الأميركية، إذ حذّر زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ روبرت منديز نتنياهو من أنّ علاقات واشنطن بـ"تل أبيب" ستتأثر سلباً في حال ضم بن غفير إلى أيّ حكومة يُمكن أن يؤلفها.
واستناداً إلى معطيات رسمية إسرائيلية، فإنّ نحو 7 ملايين يهودي يعيشون في "إسرائيل"، في حين يُقيم أكثر من 6 ملايين يهودي في الولايات المتحدة، وينتشر بضع مئات الآلاف في العالم، مع أخذ العلم بأنّ اليهود الأميركيين في معظمهم ليبراليون ويُحسبون على المعسكر الليبرالي المتقدم واليساري في السياسة الداخلية الأميركية.
من جهته، أوضح المحلل الإسرائيلي أنشيل بيففر أنّ "العلاقة بين بنيامين نتنياهو واليهود الأميركيين الليبراليين كانت متوترة في كثير من الأحيان، لكنّه لم يسعَ قط إلى قطع العلاقات. ومع ذلك، فإنّ شركاءه في التحالف لديهم أفكار أخرى، وقد يكون عاجزاً عن إيقافهم".
اقرأ أيضاً: بن غفير والصهيونية الدينية ليسا خطراً على الفلسطينيين وحدهم.. بل على "إسرائيل"
صعود اليمين المتطرف الإسرائيلي سيجعل "إسرائيل" أكثر تغولاً وعدوانية في تعاطيها مع الشعب الفلسطيني والمقدسات، كالمسجد الأقصى، لكنّه في الوقت ذاته سيفضي إلى تفجر حرب وجود مع الشعب الفلسطيني واندلاع مواجهة مفتوحة في ساحات غزة والضفة وفلسطين الداخل، وهذا ما تخشاه الولايات المتحدة.
كما أن توغّل المتطرفين يعني إنهاء السلطة الفلسطينية وتصفية وجودها، ما يفتح الطريق أمام تحمل "إسرائيل" المسؤولية عن تبعات احتلالها المباشر للضفة وغزة أمام المجتمع الدولي. هذا الأمر سيزيد في الوقت ذاته فرص حدوث ردود فعل جماهيرية خارج حدود فلسطين، ما سيحرج الأنظمة العربية المطبعة مع "إسرائيل"، مثل مصر والأردن.
وستكون العلاقات الأردنية الإسرائيلية الأكثر تضرراً، لأنّ الأردن لديه الوصاية على الأماكن المقدسة. هذا الأمر ينطبق على الإمارات أيضاً، فقد كشف موقع "والاه" الإسرائيلي أنّ وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد أعرب عن قلقه "الشديد"، في لقاء جمعه بنتنياهو خلال زيارته الأخيرة لـ"إسرائيل"، من تأليف حكومة برئاسته تشارك فيها أحزاب يمينية متطرفة.
ورغم التطمينات التي يطرحها رئيس وزراء الاحتلال المكلّف بنيامين نتنياهو حول عدم سيطرة اليمين المتطرف على قرارات الحكومة والجيش، فإن الواقع إلى الآن يبدو مغايراً، ولا سيما مع وصول أحزاب عدّة إلى وزارات وانتزاعها صلاحيات أكبر من السابق، إذ تمّ الاتفاق على التناوب بين حزبي "شاس" والصهيونية الدينية على وزارتي المالية والداخلية، كما أنّ المتطرف بن غفير أصبح يملك صولةً وجولة في "الجيش" الإسرائيلي.
صعود اليمين المتطرف الإسرائيلي سيؤدي إلى حرب الجميع ضد الجميع، إضافة إلى صراعات بين التيارات المتشددة الدينية وباقي الأحزاب الإسرائيلية، وسيعرقل علاقات الكيان بالدول الأخرى، ويكشف أيضاً المزيد من مظاهر الضعف الإسرائيلي.
اقرأ أيضاً: الحكومة الإسرائيلية المقبلة وتأكّل نظرية "بوتقة الصهر" لبن غوريون