"مارينكا" في قبضة روسيا.. قراءة في آخر التطورات العسكرية
نجاح السيطرة على "مارينكا"، المقر الأكثر تحصيناً للقوات الأوكرانية، يعزز التموضع الروسي للقيام بمزيد من التقدم في اتجاه الدونباس وصولاً لتحريره بالكامل، ويجعله أكثر صموداً لتجاوز فصل الشتاء من دون مفاجآت.
الحدث الأبرز في الأسابيع والأيام القليلة المتبقية من هذا العام، يتطور في اتجاه جمهورية دونيتسك الشعبية، بِدأً من جنوب غرب مناطقها، وانتهاءً بضواحيها الشمالية.
مارينكا المقر الأساسي الأكثر تحصيناً للقوات المسلحة الأوكرانية في جمهورية دونيتسك الشعبية، باتت في قبضة القوات الروسية. معركة مارينكا حُسِمت، فالقوات الروسية اخترقت خطوط الدفاعات الأوكرانية الأساسية في المدينة، وتوغلت من عدة اتجاهات، مقطعةً أوصال تموضع القوات الاوكرانية إلى جيوب منفصلة بعضها عن بعض يجري تطهيرها.
وأكدت المعلومات الواردة، أمس الأحد ليلاً، من مصادر شرطة جمهورية دونيتسك الشعبية، أنّ قواتها أحكمت سيطرتها على مركز مدينة "مارينكا" بعد أسابيع من المعارك الضارية، وتمكنت قوات التدخل الخاصة، بدعم من المدفعية وسلاح الجو والقوات الروسية، من السيطرة أخيراً على آخر النقاط المحصنة (جنوب وسط المدينة).
فالمركز الرئيسي في المدينة هو محيط جادة دروجبا، وفيه المباني المرتفعة الشاهقة تمت السيطرة عليه، وما تبقى من أحياء المدينة هي أبنية من طابق واحد أو طابقين يسهل عملية تطهيرها بالنيران والسيطرة عليها.
السيطرة على مارينكا توسع دائرة تأمين دونيتسك العاصمة التي تعرضت، وما زالت خلال مواجهات اليوم لأعنف أعمال القصف الأوكراني التي استهدفت الأحياء المدنية، ولم تسلم منها المدارس والمستشفيات التي سقط فيها قتلى وجرحى.
في الوقت نفسه، تواصل القوات الروسية والشعبية هجومها على منطقة "بابيدا أو بوبيدا" السكنية من اتجاهين، انطلاقاً من تحصيناتها المحكمة في مناطق "مارينكا" الشمالية في مقابل "كراسناغوروفكا" ومن المناطق الواقعة شرق "بوبيدا"، ليأتي بعدها دور الهجوم على "كراسناغوروفكا" إلى الشمال من "مارينكا".
هذه المناورة ووضعية الانتشار الروسية، منعت حصول أي احتمال لهجمات أوكرانية مضادة. ما يعني أنه بعد تطهير المدينة الذي سيستغرق عدة أيام، "مارينكا"، ستصبح بكاملها تحت سيطرة القوات الروسية، ومؤمنة ضد أي هجوم مضاد من الغرب، يأتي بعدها دور الهجوم على "كراسناغوروفكا" الواقعة إلى الشمال من "مارينكا"، ويصبح استئناف الهجوم على "أوغليدار" أكثر سهولة.
والجدير بالذكر أنه بعد السيطرة على منطقة "بوبيدا" السكنية، تصبح مجموعة تشكيلات القوات المسلحة الأوكرانية في "اوغليدار" في وضع صعب للغاية. عملياً خطوط القوات الأوكرانية الدفاعية الخلفية، وخطوط الدعم في أوغليدار تصبح ساقطة تحت سيطرة النيارن الروسية. والهجوم على "كونستانتينوفكا" من اتجاه الشمال قد يكون قاتلاً لتلك القوات الأوكرانية. بالتالي ستمتلك القوات الروسية موقعاً متقدماً يمكّنها من التقدم والهجوم للسيطرة على "كراسناغوروفكا" من ناحية الجنوب.
وإن تمكنت القوات الروسية من السيطرة على "نيفيلسكوي"، تصبح مجموعة القوات الأوكرانية محاصرة بشكل مطبق، إذ إنّ كافة خطوط الإمدادات الأوكرانية تصبح مقطعة وخلف "كراسناغوروفكا" هي منطقة ينابيع لن يعد بإمكانها إمداد مجموعة القوات الأوكرانية في دونباس بالمياه.
نجاح السيطرة على "مارينكا" يمهد لمصير مواجهتين مقبلتين، لهذا السبب بذلت القوات الأوكرانية كل جهودها لإعاقة ومنع تلك السيطرة الروسية على المدينة.
وعموماً، فإنّ القوات الروسية والشعبية ما زالت تحقق تقدماً ملموساً على محاور اتجاه جنوبي غربي دونباس، مستفيدةً من عملية إعادة التموضع والانتشار بعد الانسحاب والتحصن عند الضفة اليسرى لنهر الدنيبر في خيرسون، ونقل قسم من تلك القوات إلى وسط وجنوب غرب دونباس.
في شمال دونيتسك، تستمر القوات الروسية في تقدّمها باتّجاه بيرفامايسكايا فوديانايا هناك نجاحات ما تزال محدودة في هذا الاتجاه، إلاّ أنّ الخرق الهام قد يحدث في حال سيطرة القوات الروسية على الهضاب الحاكمة من المباني المرتفعة شمال بيرفامايسكايا، هذا إن حصل، يمكن الحديث عن اختراق كامل لخط الدفاع الأوكراني في هذا الاتجاه. خصوصاً إن سيطرت القوات الروسية على نيفيسكوي وكراسناغوروفكا، ستتفرغ للهجوم على خط إمداد مجموعة القوات الأوكرانية الرئيسي في "أفدييفكا"، وبعد السيطرة على تونينكوفا وأورلوفكا يصبح أمر قطع خطوط الإمداد تلك ممكناً وواقعاً.
كل هذا يرفع من قيمة إنجاز السيطرة على مارينكا، ويمهد لمستقبل المواجهة والمعارك في الأشهر المقبلة.
كما أنه خلال الأيام القليلة الماضية، واصلت فصائل قوات "فاغنر" الخاصة توغلها في مواقع القوات المسلحة الأوكرانية جنوبي "أرتيموفسك" (باخموت) في سعيٍ واضح للوصول إلى منطقة "إيفانوفسكوي" السكنية، وقطع خطوط الإمداد الرئيسية لمجموعة تشكيلات القوات الأوكرانية المتحصنة في مدينة "أرتيموفسك" (باخموت).
وتشير المعلومات الميدانية إلى أنّ الأركان الأوكرانية أرسلت مجموعات من فوج "أزوف" النازي للتدخل في محاور اتجاه باخموت الملتهبة. وبحسب وسائل إعلام أوكرانية، فإنّ كتيبتين من فوج " آزوف" يبلغ عديدها 1700 مسلح وصلتا إلى مدينة كراماتورسك.
المعارك الدائرة جنوب المدينة ( جنوب باخموت - أرتيوموفسك) في محيط بلدتي "أوبيتنويه" و"كليشييفكا" السكنيتين، تحمل أهمية بالغة. أهمها إفشال عمليات هجمات مضادة التفافية قد تقوم بها القوات الأوكرانية في محاولة يائسة لمنع التقدم باتجاه "باخموت"، تأمين ضمان وصول المياه لمدينة دونيتسك عاصمة الجمهورية الشعبية المحاذية لخط التماس، وقطع خطوط الإمداد وتعزيز إتجاهات توسيع الهجوم باتجاه "باخموت".
المعارك العنيفة حول بلدة "أوبيتنويه" دارت للأسبوع الثاني، وبعد مواجهات ضارية مستمرة، نجحت القوات الروسية في السيطرة على معظم مساحات البلدة، وتسعى لتطهير جيوب مجموعات القوات الاوكرانية المحصنة المتبقية.
الهجوم على محور "كليشييفكا" بدأ بعد هجوم "أوبيتنوي"، فخلال الأيام القليلة الماضية تمكنت قوات "الموسيقيين"، تسمية قوات "الفاغنر" (هي شركة أمنية مسلحة خاصة تنفذ مهمات لصالح الدفاع الروسية)، من دحرالقوات المسلحة الأوكرانية من جنوب البلدة، و سيطرت على العديد من معاقلها الهامة المشرفة المحصنة.
ووفقاً لمصادر ميدانية خاصة تمكنت قوات "فاغنر" من الوصول إلى خط سكك الحديد في "كليشيييفكا"، وبذلك سيطرت على مباني مرتفعة هامة في منطقة مشرفة، شمالي شرقي البلدة. ما يعني أن "كليشييفكا" باتت بحكم الساقطة عسكرياً.
أهمية المعارك في محاور "كليشييفكا" و"أوبوتنوي" لا تقل أهمية عن مواجهات "مارينكا"، كونها تشكل موقع القوات المسلحة الأوكرانية المحصن الأخير قبل الوصول إلى "إيفانوفسكوي"، و تقطع طريق إمداد " "كونستانتينوفكا" " و"أرتيوموفسك" عبر "إيفانوفسكوي" تفسر استماتة القوات المسلحة الأوكرانية، في التمسك بمواقعها في البلدة ومحاولتها شن هجومات يائسة مضادة، لكن دون جدوى. فقوات الـ"فاغنر" نادراً ما تتخلى عن منطقة تمكنت من السيطرة عليها. لكي توسع القوات الروسية شعاع سيطرتها في هذا الاتجاه قامت بعملية عبور لقناة "سيفيرسكي دونيتسك- دونباس" المائية.
المناطق الشرقية والجنوب شرقية والشمالية الشرقية لمدينة "أرتيوموفسك- باخموت" تشهد تقدماً للقوات الروسية عبر مناط المباني في المدينة، وتضغط لدفع القوات المسلحة الأوكرانية باتجاه الغرب، في الوقت نفسه هيأت قوات "فاغنر" الظروف المؤاتية لمهاجمة "سوليدار"، فأحكموا سيطرتهم على "ياكوفليفكا"، ووصلوا إلى محيط شمال شرق ضواحي "سوليدار"، فالهجوم على "سوليدار" بات ممكناً ليس فقط من الشرق، بل أيضاً من الشمال والشمال الشرقي، ما يجعل عملية دفاع القوات الأوكرانية عن المدينة أمراً يالغ الصعوبة.
وسائل إعلام أوكرانية ركزت على خبر إصرار القوات الروسية على إحكام السيطرة على هذه المدينة قبل رأس السنة، في ذلك إشارة إلى احتمال قرب انسحاب ما تبقى من القوات الأوكرانية من المدينة والتموضع في خط دفاعي خلفي بديل، فخط الدفاع الأوكراني "باخموت - سوليدار - سيفيرسك" بات مهدداً.
إلى الشمال في اتجاه "سفاتوفا"، لم يتم رصد أي متغيرات في تموضع القوات مع استمرار التراشق المدفعي ونشاط سلاح الجو الروسي، للخطوط الدفاعية المتقدمة والخلفية للقوات الأوكرانية، ما يدعو الأركان الأوكرانية للتفسير القصف كتمهيد للقيام بعملية تقدم هجومية متوقعة.
من ناحيتها، أفادت وزارة الدفاع الروسية أنّ القوات الروسية أحكمت سيطرتها على مواقع تموضع أكثر فائدة في اتجاه جمهورية دونيتسك الشعبية، نتيجة لعمليات الهجوم و التقدم الأخيرة. أما نيران المدفعية الروسية فقد أحبطت محاولات القوات المسلحة الأوكرانية في القيام بعمليات استطلاع بالنار لمواقع القوات الروسية في سبورنوي، نوفوغورودسكوي، فوديانوي، لينينسكو ونيفيلسكوي في جمهورية دونيتسك الشعبية.
كما أنّ نيران المدفعية الروسية وعمليات القوات الروسية الخاصة النشطة، وجهت ضربة لسرايا تكتيكية للواء 72 الميكانيكي، واللواء 108 للدفاع الإقليمي الأوكراني، تلك القوات الأوكرانية كانت قد قامت بسلسلة محاولات هجومية فاشلة باتجاه مناطق نوفوميخايلوفكا، فلاديميروفكا، ونوفوسيولكا، في جمهورية دونيتسك الشعبية.
وقضت القوات الروسية على مجموعتي استخبارت عسكرية أوكرانية لمهمات التخريب الخاصة، في محيط منطقة نيكولسكي السكنية في جمهورية دونيتسك بحسب معلومات بيان الدفاع الروسية.
سلاح الجو التكتيكي والقوات الصاروخية الروسية، تعاملت مع أهداف نقاط الانتشار المؤقت لوحدات لواء 61 مشاة وقناصة، ولواء الدفاع الإقليمي 124 ومجموعة مراكز عمليات القوات الخاصة الجنوبية، في محيط كونستانتينوبول السكنية في جمهورية دونيتسك ومدينة خيرسون، وضواحيها. وفيما يتعلق بخيرسون وزاباروجيا عموماً فالوضع لا يشهد تطورات أو متغيرات في الوضعية الميدانية، سوى التراشق المدفعي. وخلال الأسابيع المقبلة لا يتوقع حصول حدث ملفت في هذا الاتجاه.
يبدو أن زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لغرفة عمليات قيادة العملية العسكرية، يوم الجمعة، كان لها تأثير على سير وعزيمة المعارك، فالقائد العام للقوات المسلحة الروسية وضع، على ما يبدو، سقفاً زميناً لتنفيذ المهام المطلوبة قبل نهاية العام الحالي، وأولى المهمات المحققة كانت سيطرة القوات الروسية والشعبية على مارينكا وياكفليفكا، الأمر الذي يمهد لأمرين: تعزيز إمكانيات و تموضع القوات الروسية للقيام بمزيد من التقدم في اتجاه دونباس وصولاً لتحريره بالكامل، وضمان حالة تموضع أكثر ثباتاً وقدرةً على الصمود لتجاوز فصل الشتاء دون مفاجآت تؤثر على طول خط المواجهة والتماس.