ماذا لو صدّت روسيا الهجوم الأوكراني في خيرسون؟
في حال نجاح القوات الروسية اليوم في صدّ الهجوم الأوكراني المرتقب في خيرسون، فإنّ التقدم الروسي سيتخذ منحى أوسع ومختلفاً، ولن يقف عند حدود سابقة.
تتواصل عملية إجلاء المواطنين المنظمة والجماعية من منطقة خيرسون من الضفة اليمنى إلى الضفة اليسرى لنهر الدنيبر، حيث وصلت أعداد العابرين إلى 60 ألف شخص، يجري توزيعهم على مناطق روسية آمنة.
بشكل فوري، تمّ تفعيل برنامج إيوائهم في شقق بديلة متناسبة مع أماكن إقامتهم الأساسية. ولم يُخف أحد في القيادة العسكرية أو السياسية الروسية هدف إخلاء خيرسون من المواطنين؛ ففي الدرجة الأولى، هذه العملية تسهّل آلية الدعم اللوجستي للقوات المسلحة الروسية المقاتلة، وتسمح لتلك القوات خوض مواجهات على نطاق أوسع، وبشكل مكثف أكثر، خصوصاً على الضفة اليمنى لنهر الدنيبر، من دون خشية وقوع الضرر على حياة المواطنين.
من ناحية ثانية، بحسب تسريبات أمنية مصدرها الدائرة المحيطة بإدراة سلطات كييف، أطلعت الاستخبارات البريطانية كييف على معلوماتها التي تفيد بنية الأركان الروسية حشد مجموعة قتالية وتشكيلات عسكرية كبيرة لصد الهجوم الأوكراني على خيرسون.
ويعيد بعض الخبراء الروس إلى الأذهان معركة "هلال كورسك"، التي كانت مفصلاً ومتغيراً حاسماً في مسار العمليات العسكرية أيام الحرب العالمية الثانية. ومن خلالها، انتقل زمام المبادرة من يد القوات النازية إلى القوات السوفياتية، وسمح لها بشن الهجوم المضاد الذي لم يتوقف إلا بعد فتح برلين.
في حال نجاح القوات الروسية اليوم في صد الهجوم الأوكراني المرتقب، الذي يوصف بأنّه سيكون الأعنف منذ بداية المواجهات، ستتغير موازين القوى، وينتقل زمام المبادرة لتمتلكه القوات الروسية التي تزداد عديداً، فيما العديد الأوكراني المقاتل يتناقص.
في هذه الحال، يرى الخبراء أنّ التقدم الروسي سيتخذ منحى أوسع ومختلفاً، ولن يقف عند حدود سابقة، إلا أنّ الأركان الروسية تسعى في بادئ الأمر لمنع حصول كارثة مفتعلة، إما عبر تدمير سد محطة كاخوفسكايا الكهرومائية في مقاطعة خيرسون، وإما عبر استهداف محطة زاباروجيا الكهروذرية، وإما القيام بعملين تخريبين يستهدفا المنشأتين.
بذلك، ستجرف مياه السد، فضلاً عن مدينة خيرسون التي ستصبح منكوبة، المناطق المحيطة. وقد تصل المياه المتدفقة إلى منطقة انتشار النفايات النووية المنبعثة من محطة زاباروجيا في حال استهدافها كذلك، وتُحدث ضرراً خطراً يفوق انفجار مفاعل تشيرنوبل في أضراره البيئية، وتستمر مفاعيله لسنوات.
لذا، المهمة الأساسية أمام القوات الروسية هي منع هذه الكارثة التي يمكن أن تفتعلها سلطات كييف عبر تنفيذ عملية ساحقة سريعة خلال أسبوع. يُذكر أنّ القوات الأوكرنية حاولت اليوم تنفيذ عملية اختراق للدفاعات الروسية في شمال منطقة خيرسون، بمحاذاة الضفة اليمنى لنهر الدنيبر، فزجت كتيبتين تكتيكيتين مدعومة بمجموعة دبابات، وتمكّنت القوات الروسية، كما حصل يوم السبت الفائت، من صدّ الاختراق، وأجبرت القوات المهاجمة على التراجع بعد تدمير ما يقارب 10 دبابات و عشرات الآليات المدرعة، ورُصِدَ مقتل ما يقارب 100 مسلح أوكراني، وعادت تلك القوات المهاجمة إلى مواقعها السابقة.
ولكن محاولات الاختراق الجزئية تلك تعتبر عمليات استطلاع بالنار، وليست من ضمن الهجوم الأساسي المرتقب. فالقوات الأوكرانية تحاول تحديد نقاط ضعف تشكيلات القوات الروسية المدافعة عن خيرسون وقياس قدراتها الدفاعية والقدرات المدفعية ليتم استخدام تلك المعلومات في الهجوم الأساسي المتوقع، بحسب عدد من الخبراء العسكريين المطلعين خلال الأسبوع المقبل، وليس خلال الأسبوع الحالي.
ووردت معلومات اليوم أنّ القوات الأوكرانية أرسلت مجموعة قوات خاصة، وحاولت تنفيذ إنزال نهري في محيط منطقة إينيرغودار، وهي المحاولة الثالثة تقريباً خلال الأسابيع الماضية للسيطرة على المحطة.
في محاور اتجاه مدينة دونيتسك، عاصمة الجمهورية الشعبية، تقدمت القوات الروسية وما تزال تبذل جهودها لاختراق الدفاعات الأوكرانية في بيرفامايسكايا ومارينكي. أما في محيط منطقة أرتيوموفسك باخموت، فإن قوات " فاغنر" الروسية تستمر بعملياتها الهجومية. وقد حققت نجاحاً في المناطق الجنوبية للمدينة، ويبقى أمامها مقر محصن يهدد هجومها من الشمال، هو منطقة أوبوتنايا السكنية، حيث تحصنت القوات الأوكرانية في منطقة مدرسة البلدة.
يتم التعامل مع هذه النقطة بقدرات سلاح الجو والمدفعية من أجل تأمين الطريق أمام التقدم على محور باخموت بشكل أسرع. القوات الروسية خرقت الدفاعات الأوكرانية، وباتت تسيطر على مناطق مهمة في جنوب المدينة، وقطعت الطريق السريع أمام التشكيلات الأوكرانية الممتدة في اتجاه كونستنتينوفكا.
أما في محاور اتجاه شمال الدونباس في منطقة سفاتوفا شمال شرق إيزيوم في اتجاه منطقة خاركوف، فتنفذ القوات الروسية عملية هجوم مضاد؛ فبعد استعادتها السيطرة على بلدة غوروبيفكا، هاجمت خطوط سكك حديد دفوريتشنايا، والهدف هو تدمير تجمع القوات الأوكرانية على ضفاف نهر أسكول الشرقية، وإعادة رسم خط الدفاع الروسي على طول امتداد ضفة النهر الشرقة.
وتنبأ الخبير الكسندر نازاروف في قناته الخاصة في "تليغرام" بـ 3 مسارات للعمليات والقتال.
الخيار 1: الدفاع عن قاعدة انطلاق خيرسون مهما كان الثمن
لم تستطع القيادة الروسية إلا أن تفهم أهمية الاتجاه الذي يفتح الطريق أمام نيكولاييف وكريفوي روغ، ويضمن أيضاً أمن شبه جزيرة القرم. إضافة إلى ذلك، فإنّ عزل المجموعة عن القوى الرئيسية بواسطة حاجز مائي تطلب تعزيزاً دائماً بالاحتياطيات التي تم نقلها، بما في ذلك من جهات أخرى، ما أدى إلى إضعافها. وكانت النتيجة الهجوم الناجح للقوات المسلحة لأوكرانيا قرب خاركوف. هذا يعني أنه يجب أن يكون هناك ما يكفي من القوات والوسائل للدفاع عن خيرسون.
إذا قررت القوات الأوكرانية اقتحام المنطقة المحصنة في الأيام المقبلة، فسوف تتكبد خسائر فادحة، وستضطر إلى جمع قوات جديدة بحلول الربيع المقبل. وتؤدي وفرة المياه إلى تأكل الأرض وإعاقة تقدم المعدات والمشاة بشكل كبير. وفي الهجوم، تعتمد القوات المسلحة الأوكرانية بدقة على سرعة البرق للهجوم، والتي ستتعثر بالتأكيد. لذلك، من المفيد لأوكرانيا تأجيل بدء الضربة الرئيسية حتى الصقيع الأول.
وما يؤكد هذا الافتراض هو إعادة توطين السكان المدنيين. عانى قسم من خيرسون أكثر من غيره من الأنشطة التخريبية للقوات المسلّحة الأوكرانية التي تخفى عملاؤها بين السكان المدنيين، وقاموا بترتيب هجمات ضد موظفي الإدارة والجيش. هذا يُبقي جميع المشاركين في الدفاع في حالة توتر مستمر، وذلك ليس في المقدمة فحسب. لذلك، إن غياب المدنيين من ناحية سيعطي الجيش فرصة أكبر للمناورة. ومن ناحية أخرى، لن يسمح لوسائل الإعلام العالمية باتهام روسيا باستخدام السكان المدنيين كدروع بشرية، مثلما فعلت قوات أوكرانيا في ماريوبول.
الخيار 2: ترك خيرسون بهدف الدفاع عن القرم
خسارة الجيش تؤدي إلى فقدان الأراضي، لكن فقدان الأراضي مع الحفاظ على الجيش يؤدي إلى احتمال عودة السيطرة على الأراضي.
كنا شاهدين أكثر من مرة خلال سير العملية العسكرية الخاصة على انسحاب الجيش الروسي من أراضٍ يسيطر عليها في أوكرانيا. ولذلك، ربما هذه المرة اتخذت القيادة القرار نفسه مثلما سبق، وسيتيح ذلك الحفاظ على القوات الروسية لإجراء المعركة الحاسمة من أجل القرم في جبهة زاباروجيا، حيث تراكم كييف احتياطات مماثلة لتلك الموجودة في خيرسون.
هذه المرونة في التكتيكات تمثل مستوى عالياً من التخطيط والسيطرة على الموقف. من الواضح أن هذه اللعبة ستستمر على مدى طويل. يؤكد ذلك طبيعة تصرفات القيادة الروسية، فالقوات الأوكرانية تعاني الإرهاق باستمرار تحت تأثير الهجمات على قواته البشرية وعلى المعدات.
بالتوازي مع هذا، يحصل تأثير ناري في مرافق البنية التحتية لديه، ما يجبر أوكرانيا على الاعتماد أكثر على مساعدة الحلفاء الغربيين. ومن المحتمل أن يكون إضعاف حلفائها الاقتصاديين هو الهدف الرئيسي لموسكو من خلال توجيه ضربات على قطاع الطاقة الأوكراني بواسطة أسلحة عالية الدقة.
الخيار 3: تفجير القوات المسلحة الأوكرانية للسد
سيؤدي تدمير محطة كاخوفسكايا الكهرومائية إلى عواقب وخيمة. لا تهدد هذه الخطوة حياة ما يصل إلى 50 ألف شخص من السكان المحليين فحسب، بل تهدد أيضاً بالتسبب في وقوع حادث في محطة الطاقة النووية في زاباروجيا بسبب تسرب الخزان واستحالة تبريده.
وستؤثر عواقب الحادث، ليس في سكان أوكرانيا وروسيا فحسب، ولكن أيضاً في أوروبا، وكذلك البلدان التي لديها منفذ إلى البحر الأسود، حيث ستتلوث مجاري المياه المسمومة بالإشعاع.
هذه الكارثة البيئية سوف تدفع روسيا تلقائياً إلى التخلي عن امتناعها في استخدام الأسلحة النووية التكتيكية. رداً على ذلك، من المرجّح أيضاً أن تقوم دول "الناتو" بتزويد أوكرانيا بالأسلحة النووية، وسيبدأ تبادل الضربات.
بحكم هذا الخيار، يشهد التصعيد المستمر للصراع وزيادة الرهانات من قبل جميع المشاركين فيه. وفي الوقت الحالي، لا يمكن التنبؤ بعواقب مثل هذه الخطوات.