مؤسسات حقوقية فلسطينية: رصد 626 ألف حالة مرضية بين النازحين في قطاع غزة

مؤسسات حقوقية فلسطينية تتطرق إلى الأزمة الصحية والإنسانية في صفوف النازحين في مختلف مناطق قطاع غزة، وتعاين الأوضاع ميدانياً من خلال مقابلات مع أطباء نقلوا بالأرقام حجم انتشار الأمراض والأوبئة مع استمرار العدوان والحصار الإسرائيليين.

  • مؤسسات حقوقية: 626 ألف حالة مرضية بأوبئة وأمراض خطيرة في صفوف النازحين وأطباء ينقلون معاناة غزة
    أحد تجمعات النازحين الفلسطينيين في العراء والمكتظة من جراء استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة

رصدت مؤسسات حقوقية فلسطينية 626 ألف حالة مرضية بين النازحين والنازحات في مراكز الإيواء وتجمّعات النزوح من جراء العدوان والحصار الإسرائيليين منذ نحو 100 يوم في قطاع غزة، وهذا الرقم يُسجل على الرغم من تعذر الحصول على إحصائيات الحالة الوبائية شمالي القطاع. 

وأعربت المؤسسات الآتية: المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومركز الميزان، ومؤسسة الحق عن القلق البالغ من تفشي العديد من الأمراض الوبائية، بين مئات الآلاف من النازحين/ات الفلسطينيين/ات في مراكز الإيواء وتجمعات النازحين/ات في العراء بالأماكن العامة في قطاع غزة، محذرةً من تداعياتها. 

المؤسسات الحقوقية شدّدت على خطورة تفشي الأمراض بسبب الازدحام الشديد وطول مدة النزوح، والافتقار إلى مستلزمات النظافة والصحة وأدنى المقومات بينها المياه النظيفة الآمنة والغذاء الكافي، والمراحيض الصحية، فضلاً عن تراكم النفايات وتجمع مياه الصرف الصحي العادمة داخلها، كنتيجة لسياسة التهجير والهجوم العسكري الإسرائيلي. 

أطباء ينقلون الوضع الصحي في مراكز الإيواء

علّق مدير عام الرعاية الصحية الأولية في وزارة الصحة الفلسطينية، موسى عابد، على الأزمة الإنسانية والصحية التي يعانيها النازحون، وأكد أن بعض الأمراض التي تم رصدها في مراكز الإيواء تم القضاء عليها عالمياً في القرن الماضي، مضيفاً أنه حتى الأمراض الموسمية  باتت تشكل خطورة كبيرة على حياة السكان في ظل انهيار المنظومة الصحية. 

وبيّن عابد تسجيل 180 ألف حالة مصابة بالتهابات الجهاز التنفسي، و250 ألف حالة إصابة بمرض النكاف (عدوى فيروسية تصيب الغدد النكافية وتسبب تورماً في جزء أو جميع هذه الغدد)، و135 ألف حالة إسهال، و26 ألف حالة إصابة بالجدري، و35 ألف حالة إصابة بالتقمل.

وأضاف عابد أن حالات مرض اليرقان (الصفار) أصابت الكبار والصغار، وهو ما يقود إلى الشك بوجود حالات التهاب كبد فيروسي، لكن عدم وجود الإمكانيات الطبية، ونفاد شرائح الفحص الخاص بهذه الأمراض يحدّ من القدرة على تأكيد الإصابة بها.

من جهته، أفاد الطبيب صلاح الجعبري الموجود في النقطة الطبية لمركز إيواء مدرسة السلام شرقي رفح، في حديثه مع المؤسسات الحقوقية،  أن أمراض الإسهال والنزلات المعوية وأمراض الجهاز التنفسي العلوي تنتشر بين الأطفال بشكل كبير جداً.

وأضاف أن النقطة الطبية تستقبل يومياً نحو 150 حالة مرضية معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن، مشيراً إلى أن العدوى تنتشر بين النازحين/ات داخل المدرسة بسبب التلوث والتكدس الهائل وعدم توفر مراحيض كافية وعدم توفر المياه والصابون وأدوات النظافة الصحية.

كما لاحظ الأطباء انتشار مرض الكبد الوبائي (أ) بين الأطفال بسبب قلة النظافة واستخدام المراحيض المشتركة وعدم تمكن الأطفال من غسل أيديهم بالماء والصابون. ووفقاً للطبيب الجعبري، يحتاج مريض الكبد الوبائي (أ) إلى العزل وأغذية تحتوي على الخضار والفواكه، وهو ما يتعذر تأمينه في ظل ظروف العدوان. 

ويتخوف الأطباء من انتشار أمراض الإسهال والتهابات الأغشية السحائية والتهابات الدماغ، وهي أمراض معدية وقد سُجلت حالات عديدة منها، وتصعب السيطرة عليها في حال انتشارها في ظل الإمكانات الطبية الضعيفة المتوفرة.

ويحتاج بعض المرضى الذين يعانون من الضيق المزمن في الشعب الهوائية إلى الأكسجين بشكل مستمر وهو غير متوفر في مراكز الإيواء. 

كذلك تعاني مراكز الإيواء من نقص شديد في محاليل الإشباع اللازمة للأطفال الذين يعانون من إسهال وبدت عليهم علامات الجفاف، وكبديل عن محلول الإشباع يقوم الأطباء بتعليم الأهالي كيفية تحضير محلول إشباع بإضافة الملح والليمون على الماء وتقديمه لأطفالهم.

وبشأن أزمة الأطفال، تحدث والد الطفلة جود الدباري، ابنة الـ 6 سنوات، للطواقم الطبية أن طفلته أصيبت بمرض الكبد الوبائي (أ)، بسبب انعدام النظافة، واستخدام المراحيض المشتركة.

وأضاف أنها تحتاج إلى العزل وهو أمر صعب، إذ  تعيش الطفلة حالياً في الغرفة الصفية ( في إحدى المدارس التي نزح إليها الأهالي) مع نحو 50 شخصاً من الأطفال والنساء وكبار السن، وهي تحتاج إلى الأغذية الصحية من الخضار والفواكه، والتي لا يمكن توفيرها. وأعرب الوالد عن خشيته من انتقال العدوى إلى أطفاله والأطفال الآخرين. 

بدورها، قالت الطبيبة آية عواد، التي تعمل في مركز إيواء للنازحين/ات في تصريحات للمؤسسات الحقوقية، إن الجرب والقمل والجدري ينتشر بين الأطفال، بسبب الازدحام الشديد والاختلاط، في حين لا تتوفر العلاجات الضرورية لهذه الحالات. كما تعاني النساء من التهابات البول الشديدة (UTI)‏، بسبب قلة النظافة الشخصية وقلة المياه والغذاء الصحي.

وأشارت إلى أن العديد من النساء الحوامل داخل مركز الإيواء لا يُقدم لهن سوى الحديد والمسكنات فقط، بينما يحتاج بعضهن إلى رعاية خاصة وأدوية غير متوفرة.

في الشمال كما في الجنوب.. انهيار الخدمات الصحية

دمّر العدوان الإسرائيلي 80%؜ من عيادات الرعاية الصحية الأولية في قطاع غزة، وتبقى 7 عيادات عاملة من أصل 52 عيادة، وهو ما يفاقم انتشار الأمراض ويحد من محاربتها في مراكز الإيواء. 

وقد توقفت العيادات الصحية عن إعطاء التطعيمات للأطفال الرضع منذ بداية العدوان، وعلى الرغم من أن جهات دولية وفرتها بـ28 كانون الأول/ديسمبر 2023، وحينها أُدخلت 7 أنواع من التطعيمات، فإن لقاحات "الروتا" الخاصة بفيروس النزلة المعوية، وتطعيم "البولو" الخاص بمكافحة مرض شلل الأطفال، لم تتوفر. 

كذلك حذّرت هذه المؤسسات من انتشار الأوبئة والأمراض الخطيرة، لا سيما شمالي القطاع،  نتيجة عدم قدرة طواقم الإسعاف والدفاع المدني على انتشال جثامين مئات الشهداء التي تحللت تحت الأنقاض.

وأشارت المؤسسات إلى أن الأوضاع جنوبي القطاع، لا تختلف بنسبة كبيرة عن المناطق الشمالية، إذ إن سكان قطاع غزة بمعظمهم تجمعوا في محافظة رفح، التي تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لخدمة أكثر من مليون و400 ألف نازح/ة، بما يشمل عدد سكانها الأصليين البالغ عددهم نحو 280 ألف نسمة. 

وذكرت أن رفح تعاني من ضعف الخدمات الصحية، إذ يتوفر فيها مستشفى حكومي بقدرة سريرية لا تزيد على 65 سريراً فقط، ويفتقر إلى العديد من التخصصات، والمستشفى الإماراتي للولادة الحكومي والمستشفى الكويتي الخاص، وهي مستشفيات لا تستطيع أن تلبي الخدمات الصحية المتعددة خاصة في ظل التدهور العام للقطاع الصحي والضغط بسبب كثرة الإصابات. 

يُشار إلى أن 30 مستشفى من أصل 36 في قطاع غزة، خرجت عن العمل من جراء القصف أو التدمير أو غياب الإمكانات، وحالياً جميع النازحين/ات، جنوبي القطاع، يعانون من عدم وجود فعلي للخدمات الصحية، رغم إعادة تشغيل بعض المستشفيات والمراكز الصحية بشكل جزئي. 

مخطط إسرائيلي متعمّد

سلّطت هذه المؤسسات الضوء على مخطط إسرائيلي يتعمّد فيه الاحتلال استخدام القوة لدفع قطاع غزة إلى كارثة إنسانية كبيرة وطويلة الأمد، مقدّمة الأدلة على وجود المخطط بين طيّات تصريحات عدد من الوزراء في حكومة الاحتلال.

وعلى سبيل المثال، صرحت وزيرة "النهوض بمكانة المرأة"،ماي غولان، إنه "يجب تدمير البنية التحتية في قطاع غزة من أساسها وقطع الكهرباء فوراً". وفي هذا السياق، قال الرئيس السابق لمجلس "الأمن القومي" الإسرائيلي، غويرا آيلاند، "إنّ المجتمع الدولي يحذرنا من كارثة إنسانية والأوبئة الشديدة، لكن يجب ألا نخجل من هذا، ففي نهاية المطاف فإن الأوبئة والمصاعب في جنوب قطاع غزة ستقرب النصر، وستقلل الخسائر في الجيش الإسرائيلي".

وذكّرت هذه المؤسسات أن الاحتلال، وبالتزامن مع القصف، فرض إغلاقاً كاملاً للمعابر الحدودية مع القطاع، ومنع دخول جميع الاحتياجات الأساسية، وضمنها الماء والغذاء والدواء والوقود اللازم لتشغيل محطات مياه الشرب ومضخات الصرف الصحي. في حين أن ما يتم السماح بدخوله في بعض الأحيان لا يغطي حاجات السكان الأساسية، ولا يصل إلى جميع أهالي غزة. 

ووصفت هذه المؤسسات ما يمارسه الاحتلال في عدوانه الممنهج على قطاع غزة، في استهداف المدنيين والبنية التحتية الأساسية والتسبب بانهيار المنظومة الصحية بالإبادة الجماعية، ورأت أنه يشكل انتهاكاً صارخاً وخرقاً جسيماً للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان.

وجدّدت المؤسسات الحقوقية مطالبتها المجتمع الدولي بوقف جريمة الإبادة الجماعية والسماح بإدخال المواد الأساسية إلى قطاع غزة. كما بالضغط على "إسرائيل" لعودة السكان وإنهاء معاناة النزوح. وحثّت المنظمات الإنسانية الدولية ومنظمة الصحة العالمية على التدخل الفوري، وتسليط الضوء على هذه الأوضاع الكارثية. 

اقرأ أيضاً: "ذي إيكونوميست": الأزمة الإنسانية في غزة من أسوأ أزمات هذا القرن

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك