لواء احتياط في "جيش" الاحتلال: "إسرائيل" فشلت في حرب غزة وتسير نحو خراب الهيكل الثالث
اللواء في الاحتياط، إسحاق بريك، يتحدّث في مقابلة مطوّلة عن فشل قادة "إسرائيل" في إدارة الحرب، محذّراً من خطورة شن عملية عسكرية في رفح، مع الإقرار باستحالة تدمير حركة حماس بصورة تامة.
أجرت "القناة 12" الإسرائيلية مقابلةً مع مفوض شكاوى الجنود سابقاً، اللواء في الاحتياط إسحاق بريك، سألته فيها عن تحذيراته من أنّ "إسرائيل" في طريقها إلى التحطّم المؤكد، مثلما حصل مع سفينة "التيتانيك"، في حال لم يبدّل قادتها طريقة إدارتهم، وسألته أيضاً عن انتقاداته القاسية للمسؤولين الإسرائيليين، وعلى رأسهم رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، على الرغم من أنّه اعتاد التشاور معه في الأسابيع الأولى من الحرب، قبل أن يتوقّف عن ذلك بعد أن بدأ يسمع منه انتقاداً بشأن شكل إدارة المعركة.
واستفاض بريك في إجاباته على أسئلة القناة، حيث قال إنّ "تدمير حماس بصورة كاملة"، كما يكرّر نتنياهو بشكل يومي، هو شعار فارغ، لا أساس له على الإطلاق، ونتيجة السير خلف هذا الشعار، ستخسر "إسرائيل" أسراها في غزة، وستخسر العالم واقتصادها أيضاً، وسيُمسُّ بأمنها الاستراتيجي، إذا استمرت على هذه الحال.
نتنياهو فشل في التعامل مع الملف الإيراني.. وسيفشل في غزة
طرح بريك، في بداية مقابلته التلفزيونية، مقارنةً لما يحصل في الحرب في غزة، بالأسلوب الذي انتهجه نتنياهو في التعامل مع القضية الإيرانية. في التعامل مع التهديد الإيراني، رأى نتنياهو أنّ الأمر الأساس في أمن "إسرائيل" هو محاربة البرنامج النووي، إلى حد لم ينشغل أبداً بالمسألة التقليدية (أي الأسلحة التقليدية لدى إيران)، حتى إنّه أنفق مليارات الدولارات على التدريبات من أجل مهاجمة النووي الإيراني من دون جدوى، بحسب كلام رؤساء أركان سابقين.
وأضاف بريك أنّ نتنياهو تحدّى الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، وألقى خطاباً في الكونغرس رغماً عنه. وعلى الرغم من ذلك، وصلت إيران الآن، وبعد اندلاع الحرب، إلى مرحلة يبني فيها الإيرانيون برنامجهم النووي، من دون أن يُسمع صوت واحد ضدهم في العالم. وأشار بريك أيضاً إلى أنّ نتنياهو اليوم لا يتحدّث عن التهديد النووي الإيراني، لأن الهوس بـ"تدمير حماس بصورة كاملة" أخرجه عن طوره وجعله ينشغل بالتكتيك، وينسى الاستراتيجيا.
"الجيش" الإسرائيلي لديه مشكلة انهيار في الثقافة التنظيمية
انتقد بريك رئيس هيئة الأركان العامة في "الجيش" الإسرائيلي، هرتسي هليفي، لأنّه تحمّل فقط مسؤوليةً شكليةً عن إخفاق السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بينما المطلوب منه هو أن يصل إلى وضع يضع فيه المفاتيح، ويعطيها لآخرين ليقودوا العملية، لأنه لا يستطيع فعل هذا. فهذه الحرب مزمنة، وقد تستمر لسنوات، وهو، ومعه أسلافه في رئاسة الأركان، بنى الفوضى، بحسب بريك.
وأشار بريك إلى أنّ الإخفاق لم يكن إهمالاً من المستويات السياسية، والعسكرية، والأمنية فقط، بل هو مشكلة انهيار في الثقافة التنظيمية، انعدام رقابة وتحكّم، عدم انصياع، عدم استخلاص عبر، وثقافة كذب داخل "الجيش" الإسرائيلي. ولفت بريك إلى أنّه لا توجد رؤية استراتيجية بصورة كاملة داخل "الجيش"، فهو بدأ القتال، والعالم كله يؤيده، فهاجم مدينة غزة فقط، ومن ثم جباليا، وبعدها الشجاعية، ولم يهاجم رفح، على الرغم من أنّها "الفخ الرئيس"، ففيها طريق فيلادلفيا، الذي تجلب حماس من تحته كل الوسائل، وآنذاك كانت مهاجمة رفح أسهل من الآن، بكثير، فاليوم "من المستحيل الدخول إلى رفح".
بريك قال أيضاً إنّ "الجيش" الإسرائيلي لا يمتلك خططاً، فهو قرّر سابقاً، على مرّ أعوام، أنّه لن تكون حرب مع غزة، فألغى كل الخطط، ولم يُعدّ خططاً لا للدفاع عن غلاف غزة، ولا لمهاجمة غزة. وبعد اندلاع الحرب أرداوا في "الجيش" تنفيذ خطط مرتجلة غير صحيحة، في تصرّف متهوّر. وكشف بريك أنّه أقنع نتنياهو في بداية الحرب - بعد أن سمع من قادة الفرق والألوية بأنهم غير مستعدين للهجوم – بأن يؤجّل الهجوم الذي كان سيحصل بعد يوم واحد، لأسبوعين.
عقل غالانت الذي أراد مهاجمة حزب الله بالتوازي مع الحرب في غزة متضرر
كشف بريك في المقابلة التلفزيونية أنّه أقنع نتنياهو أيضاً بعدم قبول المقترح الواهي لهليفي وغالانت بمهاجمة حزب الله، بالتوازي مع مهاجمة غزة، لافتاً إلى أنّه لو حصل ذلك، لكان الجميع اليوم منخرطين في حرب إقليمية، "تشلّ إسرائيل". وأضاف بريك أنّه يعتقد أنّه يوجد أمر ما خاطئ في عقل المسؤولين الإسرائيليين، فغالانت، على الرغم من كونه صديقاً شخصياً لبريك، وسبق له أن جلس معه أكثر من مرة ووافق على تقرير أعدّته خمسة طواقم من الخبراء عملت لمدة سنة ونصف السنة تحت مظلة جامعة "رايخمان"، إلا أنّه باقتراحه الدخول في هجمة بالتوازي ضد حزب الله أثبت أنّ عقله متضرر، فـ"إسرائيل" ليست لديها جبهة داخلية جاهزة، و"جيشها" مقلّص إلى حجمه الأدنى، ولا قدرة لديه على العمل على عدة ساحات، ولا حتى في غزة وحدها، وهو عندما يريد تعزيز جبهة الشمال، يُقلّل قوات من غزة، وعندما عزّز الضفة الغربية بقوات، جلبها من غزة. لذلك، لا تمتلك "إسرائيل" القدرة اليوم على المواجهة في حرب متعددة الساحات.
الدخول إلى رفح ممنوع
شدّد بريك، في معرض إجاباته عن أسئلة "القناة 12"، على أنّ دخول "الجيش" الإسرائيلي إلى رفح الآن ممنوع، بعد أن كان مطلوباً في بداية الحرب، لأنّه كان في رفح فقط ربع مليون إنسان. أما الآن، فيوجد في رفح نحو مليون ونصف مليون لاجئ، بينهم عشرات الآلاف من عناصر حماس، ونقلهم إلى خارج رفح، يتطلّب الكثير من الخيم التي تحتاج إلى عدة أشهر لتجهيزها.
كما أنّ الدخول إلى رفح وتدمير كتائب حماس الأربع فيها، لن يُحدث فرقاً، فهم يعودون عبر الأنفاق، ويتنقلون في كل قطاع غزة. و"إسرائيل" أعلنت، قبل 3 أشهر، على لسان وزير أمنها أنّها سيطرت على غزة بصورة تامة، وسيطرت على الأنفاق، إلا أنّه على أرض الواقع، يعود مقاتلو حماس إلى كل الأماكن التي كان "الجيش" موجوداً فيها. وإن استمرت"إسرائيل"، فإنّها لن تحقّق إلا قتل مئات الآلاف من اللاجئين، بينما العالم سيغلق عليها، وستصبح منبوذةً في محيطها، وسيُفرض عليها حصار اقتصادي وعسكري، كما يُمكن أن تُجمّد مصر اتفاقية السلام معها بسبب الإشكال حول محور فيلادلفيا.
وحذّر بريك أيضاً من أنّ الدخول إلى رفح، معناه أنّ مستوى تهديد حزب الله سيزداد، بما يرغم "إسرائيل" على تركيز قوات إضافية ضده، بحيث ستضطر إلى أن تجلبها من غزة، لأنّها لا تملك غيرها. وقد تصل الأمور إلى أن تجد "إسرائيل" نفسها في حرب إقليمية من دون أن تقصد ذلك.
الأميركيون يعملون على إنزال إسرائيل عن الشجرة: لا يمكن تدمير حماس
خلص بريك في نهاية مقابلته المطوّلة، إلى ضرورة أن تعمل الحكومة الإسرائيلية على إطلاق سراح الأسرى، وإنجاز صفقة تتضمن وقفاً لإطلاق النار، وأن تكتفي بالحفاظ على ما حقّقته حتى الآن، لأنّ هدف تدمير حماس تماماً ليس احتمالاً موجوداً. وأضاف بريك أنّه مطلوب من "الجيش" الإسرائيلي إخراج الـ20% من قواته التي ما زالت تقاتل في خان يونس، بعد أن سبق وأخرج بقيتها، إذ لا جدوى من مواصلة القتال هناك، فهذا لن يؤدي إلى أي تغيير.
وأشار بريك إلى أنّ الأميركيين يحاولون إفهام الإسرائيليين، بأن ينزلوا عن الشجرة، لأنّهم لن يستطيعوا تدمير حماس بصورة كاملة، حتى وإن دُمِّرت كل كتائبها. ودعا بريك في ختام كلامه الإسرائيليين إلى أن "يتّزنوا"، لأن قيادة الحرب بهذه الطريقة، ستقودهم إلى خراب الهيكل الثالث، إن لم يوقفوها الآن.