عمليات بلا تخدير وموت بطيء.. غسان أبو ستة يكشف تفاصيل الوضع الصحي في غزة
بعد 43 يوماً قضاها في غزة جرّاحاً متطوعاً في ظروف بالغة الصعوبة، خرج الطبيب غسان أبو ستة من القطاع ليواصل نضاله من أجله بوسائل أخرى. في حديث لوكالة "فرانس برس" يروي ابن غزة تفاصيل عن الشهادة التي قدّمها للشرطة البريطانية حول "جرائم الحرب" هناك.
أمضى غسان أبو ستة، المتخصّص في إصابات الحرب، 43 يوماً تحت النار في غزة. ما عاينه من أهوال أثناء عمله متطوعاً في مستشفياتها، ترك له الكثير مما يحكيه حول الفظائع المرتكبة ضدّ المدنيين، وحين لم يعد قادراً على إجراء العمليات الجراحية بسبب نقص المعدات الطبية، قرر أن ينتصر لغزة بوسائل أخرى، فغادرها حاملاً ما اتسعت له ذاكرته.
في حديثه لوكالة فرانس برس، يروي أبو ستة تفاصيل عن الشهادة التي قدّمها للشرطة البريطانية حول الاعتداءات ضدّ المدنيين وأنواع الأسلحة المستخدمة، آملاً أن تؤدّي إلى محاكمات بتهم ارتكاب جرائم حرب.
نتائج العدوان على غزة، التي وصل إليها أبو ستة من مصر في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر ضمن فريق تابع لمنظمة "أطباء بلا حدود"، فاقت في فظاعتها كل نتائج الحروب والصراعات الأخرى التي عمل خلالها، في غزة والعراق وسوريا واليمن وجنوب لبنان. "كالفرق بين الفيضان والتسونامي، النطاق برمته مختلف تماماً"، يقول موضحاً، ومشدداً على "العدد الكبير للجرحى والأطفال الشهداء وحجم الكارثة وعمليات القصف الكثيفة، فيما أصبح النظام الصحي في غزة غير قادر على الاستيعاب في غضون أيام من بدء الحرب".
@almayadeentv الدكتور غسان أبو ستة والمذيعة في شبكة #الميادين، الإعلامية وفا سرايا لم يستطيعا حبس دمعتهما على الهواء أمام المأساة التي يعيشها أهل #غزة #الميادين #فلسطين ♬ original sound - almayadeentv
يؤكّد أبو ستة أنّه "منذ البداية، كانت القدرة الاستيعابية أقل من عدد المصابين الذين كان علينا معالجتهم. كان علينا اتخاذ قرارات صعبة بشأن من يجب معالجته"، يتحدّث عن رجل يبلغ 40 عاماً وصل إلى المستشفى مصاباً بشظية في الرأس، كان يحتاج إلى فحص بالأشعة السينية ومعاينة من جراح أعصاب، لكنّ ذلك لم يكن متوفراً. أخبرنا أولاده بذلك"، فبقوا حول النقالة التي كان موضوعاً عليها تلك الليلة حتى استشهاده في الصباح.
نفدت أدوية التخدير والمسكنات في المستشفيات بسرعة، فاضطر أبو ستة لإجراء "عمليات تنظيف مؤلمة جداً" لجروح مصابين من دون إمكان تسكين آلامهم. يقول موضحاً: "كان هذا الخيار الوحيد المتاح، أو رؤيتهم (الجرحى) يقضون متأثرين بالتهاب معمم في الدم".
وأكد أبو ستة أنه عالج أشخاصاً مصابين بحروق ناجمة عن الفوسفور الأبيض الذي يحظر القانون الدولي استخدامه. قائلاً: "إنها إصابة يمكن تمييزها (عن بقية الإصابات). يستمر الفوسفور في الاحتراق إلى أعمق أجزاء الجسم، حتى يصل إلى العظام".
منذ عودته إلى بريطانيا، أمضى معظم وقته في تنبيه القادة السياسيين والمنظمات الإنسانية إلى الوضع في القطاع. وعن ذلك يقول: "أحاول أن أساعد المرضى (في غزة) بقدر ما أستطيع من خلال حمل أصواتهم إلى الخارج"، مشيراً إلى أنه أخطر شرطة لندن بالإصابات التي رآها وبنوع الأسلحة المستخدمة وباستخدام الفوسفور الأبيض وبالاعتداءات ضد المدنيين.
أبو ستة الذي روى كيف نجا من مجزرة المستشفى المعمداني في 17 تشرين الأول/أكتوبر، ختم جازماً أنّه "في نهاية المطاف ستطال العدالة هؤلاء، بعد خمس أو عشر سنوات أو عندما يكونون في الثمانين من العمر، عندما يسمح ميزان القوى في العالم بتحقيق العدالة للفلسطينيين".