عكس التوقعات 2022: الانتخابات النصفية الأميركية.. ما الذي حصل؟
لم تأتِ رياح الانتخابات النصفية بما تشتهيه سُفن الحزب الجمهوري، إذ فشل الجمهوريون في الظفر بمجلس الشيوخ، في حين حققوا أغلبية ضئيلة جداً في مجلس النواب، فكيف حصل ذلك؟
"ترامب يتملّكه الغضب ويصرخ في وجه الجميع".. هذا ما نقله الإعلام الأميركي عن مستشار الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، وذلك ليلة الانتخابات النصفية. الرئيس السابق كان يمنّي نفسه بأن تصبّ نتائج الانتخابات في مصلحة تعزيز آماله بالعودة إلى رئاسة البلاد، لكن الأمور لم تجرِ كما أراد.
لم تأتِ رياح الانتخابات النصفية بما تشتهيه سُفن الحزب الجمهوري، إذ فشل الجمهوريون في الظفر بمجلس الشيوخ، في حين حققوا أغلبية ضئيلة جداً في مجلس النواب، رغم وجود توقعات بفوزٍ كاسح لهم.
في المقابل، نجح الحزب الديمقراطي في تقليص خسائره إلى حدٍّ مفاجئ، وهو الأمر الذي شجع الرئيس جو بايدن على إبداء نيته بالترشح لجولة رئاسية ثانية في 2024، قد تتكرر معها مواجهته الساخنة ضد ترامب الحالم بالعودة مجدداً إلى البيت الأبيض.
ما كان متوقعاً: "مد أحمر جمهوري"
قبل أسابيع من الانتخابات النصفية، أطلقت وسائل الإعلام الأميركية المختلفة العنان لتوقعاتها بفوز مرشحي الحزب الجمهوري بصورةٍ شاملة، وأطلقت عليها مصطلح "المدّ الأحمر" الذي سيطغى على اللون الأزرق الذي يرمز إلى خصومهم الديمقراطيين.
كذلك، أظهر العشرات من استطلاعات الرأي أنّ الجمهوريين متقدّمون في السباق الانتخابي، فيما وُضع الديمقراطيون في موقفٍ دفاعي. وبحسب تقريرٍ نشره مركز "pew research"، فإنّ 40% من الأميركيين قالوا إنهم يريدون أن يتولى الحزب الجمهوري زمام الأمور، فيما قال 9% إنه ليس لديهم تفضيل مبدئي، لكنهم يميلون إلى سيطرة الجمهوريين. ويفضل 35% من الأميركيين سيطرة الديمقراطيين مع 10% أخرى يميلون نحو الديمقراطيين، وفق التقرير.
وقبل ساعات من بدء سباق التجديد النصفي، عزّز استطلاع رأي أجرته "رويترز" التوقعات بأنّ الحزب الديمقراطي في طريقه إلى الخسارة.
إلى جانب ذلك، ساهمت شعبية الرئيس جو بايدن التي تشهد تراجعاً، والتي انخفضت إلى 36% في أيار/مايو وحزيران/يونيو، في إثارة التوقعات بفقدان حزبه الديمقراطي السيطرة على مجلس النواب، وربما مجلس الشيوخ أيضاً.
ويعود سبب تراجع شعبية بايدن إلى ارتفاع أسعار الوقود والتضخم ورفع أسعار الفائدة، الأمر الذي يعني أعباء إضافية على المواطنين والمستثمرين. ورغم أنّ اسم بايدن لا يظهر على أوراق الاقتراع، فإنّ العديد من الأميركيين ينظرون إلى هذه الانتخابات على أنها استفتاء على الرئيس المقبل للبلاد.
هذا الأمر أكده السيناتور الأميركي بيرني ساندرز، في تصريحٍ لموقع "بوليتيكو"، بالقول إنّ "الديمقراطيين يواجهون رياحاً معاكسة كبيرة للحفاظ على أغلبيتهم الهزيلة في الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي، وهي مشكلة تفاقمت فقط بسبب مخاوف الناخبين بشأن التضخم المرتفع".
الأمر لم يقتصر على ذلك، إذ إنّ التاريخ حتى لم يكُن في صف الديمقراطيين، فليس من طبع الناخب الأميركي، وخصوصاً في الولايات المتأرجحة، أن يمنح كل السلطات التنفيذية والتشريعية لحزبٍ واحد، مهما كانت إنجازاته، إلا في حالات استثنائية؛ فمن بين 19 انتخابات نصفية أُجريت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في 1945، خسر حزب الرئيس 17 منها، وفاز في اثنتين فقط، وانتخابات 2022 لم تكن استثناء.
ما حصل: "المد الأحمر" لم يتحقق
مع شروق الشمس في جميع أنحاء الولايات المتحدة يوم الانتخابات النصفية، كان من الواضح أن "التسونامي" الذي كان يأمل به الجمهوريون لن يصل أبداً.
ورغم كلّ المعطيات السابقة، فإنّ الديمقراطيين تمكنوا من تقليص خسائرهم إلى أقصى حد ممكن في انتخابات مجلس النواب، ورفعوا عدد مقاعدهم في مجلس الشيوخ وانتخابات حكام الولايات. وفاز الجمهوريون بـ220 مقعداً في مجلس النواب، في مقابل 212 مقعداً للديمقراطيين، لكن هذا الفوز لم يكن بحجم الاكتساح الذي توعّدوا به، فيما خسروا الأغلبية في مجلس الشيوخ.
كان يُنظر إلى بايدن على أنه عبءٌ على العديد من الديمقراطيين قبيل الانتخابات النصفية، لكن على الرغم من ذلك، نجح الرئيس الأميركي وحزبه في تجنّب "الموجة الحمراء" المتوقّعة، ما جعل الرئيس الأميركي يخوض أحد أقوى أسابيع رئاسته حتى الآن.
وفي هذا الصدد، ذكرت صحيفة "ذا هيل" الأميركية إنّ "الديمقراطيين استعدّوا لانتخابات نصفية قاسية، لكن ما تلقّوه بعدها كان مفاجأة كبيرة، إذ خاض المرشحون الديمقراطيون الانتخابات بشكل أقوى بكثير مما توقعه الكثيرون". واعتبرت الصحيفة أن "من المرجح أن تكون النتيجة أحد أقوى العروض التي حققها حزب الرئيس في انتخابات التجديد النصفي في التاريخ"، مشيرةً إلى أنّ "الانتخابات النصفية ونتائجها تُعدّ أخباراً جيدة للرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، الذي يظهر في موقع أقوى للترشح لإعادة انتخابه".
وعلى الرغم من أنّ المرشحين الجمهوريين وضعوا أصابعهم على جرح منافسيهم الديمقراطيين، عندما ركزوا في حملاتهم الانتخابية على التضخم وتراجع الاقتصاد الأميركي، مقارنةً بما كان عليه في عهد ترامب (2017-2020)، فإنهم مع ذلك فشلوا في تحقيق "انتصارهم العظيم" الذي كانوا يتوقعونه.
وفي ظلّ هذه الانتكاسات المتتالية التي مُني بها مرشّحو ترامب، أطلق الرئيس السابق تصريحات عن "التزوير الانتخابي"، رافضاً الاعتراف بحُكم صناديق الاقتراع، كما فعل عند هزيمته في الانتخابات الرئاسية عام 2020.
ولكنّ ترامب لم يكن المستاء الوحيد، إذ أثارت نتائج الجمهوريين المخيّبة للآمال الغضب بين المسؤولين المنتخَبين في الكونغرس، الأمر الذي يُنذر بإمكان اللجوء إلى تصفية حسابات. وطالب عدد من أعضاء مجلس الشيوخ المؤيّدين لترامب، في رسالة كشف عنها موقع "بوليتيكو"، بتأجيل التصويت لانتخاب زعيمهم في المجلس، وعبّروا عن شعورهم بـ"خيبة أمل"، الأمر الذي يشكّل تحدّياً للزعيم الحالي ميتش ماكونيل.
اقرأ أيضاً: لمَ لم ينقلب الحزب الجمهوري على ترامب حتى اللحظة؟
#عكس_التوقعات_2022 | لم تأتِ رياح #الانتخابات_النصفية_الأميركية بما تشتهيه سُفن الحزب الجمهوري، إذ فشل الجمهوريون في الظفر بمجلس الشيوخ، في حين حققوا أغلبية ضئيلة جداً في مجلس النواب، فكيف حصل ذلك؟#أميركا #ترامب #بايدن pic.twitter.com/Ffg04GVVNF
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) December 28, 2022
لماذا حصل ذلك؟
بعد هذه النتائج "الباهتة"، ارتفعت نداءات الاتهامات المتبادلة، خصوصاً بين أقطاب الحزب الجمهوري، لتواضع أداء مرشحي ترامب في ولايات ودوائر انتخابية راهن عليها كثيراً، وحمّلوا خطابه المستفزّ والإقصائي المتواصل مسؤولية عدم حصد الحزب نتائج أعلى كما كان متوقعاً.
وحمّل عدد من القادة الجمهوريين ترامب مسؤولية النتائج المخيبة، ولا سيما أنّ غالبية المرشحين الذين دعمهم في الانتخابات التمهيدية على حساب مرشحي الحزب الأكثر كفاءة خسروا في الانتخابات، بسبب تطرّف مواقفهم وتبنّيهم مزاعمه بشأن سرقة الرئاسة منه في انتخابات عام 2020.
ونجح ترامب وأنصاره في استبعاد معظم المرشحين الجمهوريين المعتدلين، فيما تمّ في المقابل دعم مرشحين جدد موالين لترامب ومنتمين إلى تيار "رافضي الانتخابات" (في إشارة إلى رفضهم نتائج الانتخابات الرئاسية في 2020)، وفشل عدد كبير من هؤلاء المرشحين في الفوز في الانتخابات، الأمر الذي مثّل ضربة كبيرة للرئيس السابق وأنصاره المسيطرين حالياً على الحزب الجمهوري.
وعلى الرغم من الانتقادات التي وُجّهت إلى بايدن والحزب الديمقراطي لعدم منحهم الأولوية للقضايا الاقتصادية وقضايا الجريمة والهجرة في حملاتهم الانتخابية، وتركيزهم في المقابل على قضايا أخرى، مثل حرية الإجهاض وحماية الديمقراطية والمناخ، فإن نتائج الانتخابات أثبتت أنّ رهان الحزب الديمقراطي على قدرة هذه القضايا على تعبئة القاعدة الحزبية وجذب المرشحين المستقلين والمتأرجحين كان صحيحاً، إذ أثبتت الانتخابات أنّ حماية الديمقراطية والحريات الشخصية كانت القضية الأكثر إلحاحاً بالنسبة إلى جزء كبير من الناخبين، ولا سيما الشباب.
بعد هذه الجولة الانتخابية المخالفة للتوقعات، يبدو أنّ الحزب الجمهوري بدأ يعي حقيقة ضرورة إجراء تغييرات في أجنداته وخياراته، وخصوصاً أنّ عام 2024 لن يستنسخ معطيات جولة عام 2020 وما رافقها من جدلٍ قانوني واسع، واتهامات موجهة إلى الحزب الديمقراطي لممارسته "الخداع والتزوير" في النتائج، كما يمضي الخطاب السياسي للرئيس ترامب في ترويجه.