"عشرة الفجر" في إيران: ثورة مع فلسطين.. ومن أجلها
منذ انتصار الثورة الإيرانية إلى اليوم، رُبط اسم الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدعم القضية الفلسطينية، وترافق هذا الدعم مع مخاوف أميركية - إسرائيلية واضحة بسبب ما يشكله هذا الدعم من تهديد حقيقي على الكيان وداعميه.
"المقاومة الفلسطينية الآن أقوى بعد انتصار الثورة الإسلامية، وبقيادة الإمام الخميني سنُحرّر فلسطين" (ياسر عرفات - 19 شباط/فبراير 1979).
بهذه الكلمات الشهيرة افتتح الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات، السفارة الفلسطينية في طهران، بتاريخ 19 شباط/فبراير من عام 1979، حينما أُسقِط العلم الإسرائيلي ورُفع مكانه العلم الفلسطيني بعد أيام من "عشرة الفجر"، لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة من تاريخ النضال الفلسطيني والدعم الإيراني لهذه القضية.
بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، كان الرئيس عرفات أول الواصلين للتهنئة، فعقد لقاءً مهماً مع قائد الثورة، الإمام روح الله الخميني، الذي أكد أن "إيران الثورة الإسلامية لن تدّخر جهداً في دعم ثورة فلسطين وشعبها". وتلقّت الوفود الفلسطينية ترحيباً علنياً، وتسلّمت رمزياً مفاتيح "السفارة الإسرائيلية" في طهران، والتي أصبحت فيما بعد سفارة فلسطين.
ولعل أبلغ تعبير عن مدى اهتمام الثورة الإسلامية بالقضية الفلسطينية، هو ما قاله السفير الفلسطيني في بيروت، أشرف دبور: "إن إيران حرّرت أول قطعة أرض فلسطينية برفعها أول علم لفلسطين في طهران، فكانت الأسيرة الفلسطينية المحررة فاطمة البرتاوي وأحد شبّان فتح هما من تولّى، مع الرئيس الراحل عرفات، رفع علم فلسطين يومها". وتم حينها تحويل سفارة الاحتلال الإسرائيلي في طهران، إلى سفارة فلسطين في إيران الثورة.
اقرأ أيضاً: كيف "حررت" الثورة الإيرانية أول قطعة أرض فلسطينية؟
في ذلك الوقت، احتفل الإيرانيون في الشوارع الإيرانية بمناسبة افتتاح أول سفارة فلسطينية في العالم. وانطلق ملايين الإيرانيين في مسيرات من أمام المقر السابق للسفارة الأميركية في طهران وصولاً إلى ساحة فلسطين، التي تقع فيها السفارة الفلسطينية.
ورفع المشاركون شعارات مناهضة لأميركا و"إسرائيل"، وداعمة للشعب الفلسطيني. وهذه الاحتفالات، التي عمت مدناً إيرانية، هي تأكيد قوي لأهمية القضية الفلسطينية ومكانتها بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران في 11 شباط/فبراير 1979، أعلن الإمام الخميني بعدها بأشهر، وتحديداً في 7 آب/أغسطس من العام نفسه، أن "الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك هي يوم عالمي للقدس الشريف". وقال عبارته الجميلة إن "يوم القدس يوم حياة الإسلام".
لم تكتفِ إيران بدعم القضية الفلسطينية، بكل إمكاناتها فحسب، معنوياً ومادياً، بل اهتمت أيضاً بذلك على مستوى الدستور الإيراني. وتمّ إقرار قانون لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني في عام 1990. وبات دعم الثورة الفلسطينية مكرَّساً في نصوص قانونية ودستورية في إيران.
دعم إيراني مستمر
آمن قادة الثورة في إيران بضرورة دعم حركات المقاومة، بعيداً عن الانتماءات الدينية، أو الخلافات الضيّقة، أو التوزُّع الجغرافي، فدافعت عن القضية الفلسطينية، وساندت حركات المقاومة فيها، وأقامت علاقة استراتيجية بالدول المناصرة لفلسطين.
تستمدّ إيران قوة ثورتها من قوة المقاومة الفلسطينية. لذلك، فإن طهران والقدس المحتلة تغذيان، إحداهما الأخرى، في المواجهة والصمود. وكان مؤسس حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، الدكتور فتحي الشقاقي، الذي أصدر كتيّباً بعنوان "الخميني: الحل الإسلامي والبديل"، يرى أن إيران بعد عام 1979 باتت نموذجاً للإسلام الثوري، الذي تتقاطع مصالحه وأهدافه مع فلسطين المحرَّرة، بصورة كاملة.
اقرأ أيضاً: في الذكرى الـ44 لانتصار الثورة في إيران.. أبرز أحداث أيام "عشرة الفجر"
الدعم الإيراني، سياسياً وعسكرياً وإعلامياً، ساهم في تطوير مصادر قوة المقاومة الفلسطينية. وهذا ما قاله يحيى السنوار، قائد حركة حماس في قطاع غزة: "نحن نراكم ونطوّر قوتنا العسكرية التي تضاعفت من أجل تحرير فلسطين والعودة، وإيران هي الداعم الأكبر، بالمال والسلاح والتدريب، والدعم الإيراني استراتيجي".
تعدّدت أوجه الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية، كما تتقاطع الرؤية في القضايا المركزية ضد الاحتلال الإسرائيلي على الصعيد السياسي، ويساهم دعمها الجوانب العسكرية في تمكين المقاومة من تجهيز نفسها في مواجهة الاحتلال.
سياساً، تُعَدّ إيران من الدول القليلة، التي ترفض الاعتراف بالكيان المحتل وتعادي أصل وجوده في الأراضي الفلسطينية، وترفض الحلول، بما فيها "حل الدولتين"، الأمر الذي يتقاطع مع الرؤى السياسية لفصائل المقاومة الفلسطينية، بالإضافة إلى الثقل الإقليمي لإيران في المنطقة، وما يمثله من نقطة قوّة لفلسطين ومقاومتها.
عسكرياً، قدّمت الجمهورية الإيرانية المعدّات القتالية المتنوّعة والصواريخ ذات القدرة على تعطيل القوات البرية، بالإضافة إلى التدريب العسكري في تخصّصات قتالية متعدّدة، ونقل الخبرات الميدانية والاستخبارية، والتي ساهمت في تطوير هيكلية المقاومة وأدائها الميداني في مواجهة قوات الاحتلال الإسرائيلي، واعتماد المشاريع التطويرية لصواريخ المقاومة وأنفاقها، وتقديم الدعم المالي إليها بصورة مباشرة.
ومكّن هذا الأمر المقاومة، بقدراتها الذاتية، من تطوير أدائها الصاروخي في مواجهة الاحتلال، وأكسبها أكثر من جولة، والمساهمة أيضاً في تطوير البنية التحتية للمقاومة، وأبرزها التحكّم والسيطرة.
مالياً أيضاً، تُعَدّ المساهمة الإيرانية الدائمة في تقديم الدعم المالي النقدي إلى الموازنة الدورية للمقاومة الفلسطينية بمثابة دعم من أجل الاستمرار في مسيرة التحرير.
اقرأ أيضاً: انتصار الثورة الإسلامية.. البوصلة فلسطين
خوف أميركي إسرائيلي
منذ تلقي صدمة الهزيمة عام 1979، عملت الادارة الأميركية، آنذاك، وربيبها الكيان الاسرائيلي، على إسقاط هذه الثورة الداعمة للقضية الفلسطينية. محاولات متعددة، وبأساليب متعددة، قامت بها الإدارات الأميركية المتعاقبة من أجل منع الدعم العسكري من الوصول إلى فلسطين المحتلة، من خلال الحصار الاقتصادي والعقوبات، أو الاغتيالات، أو التحريض إعلامياً، لكنها كلها باءت بالفشل.
أمام الإصرار الإيراني على دعم فلسطين، ما زالت الثورة الإسلامیة محافظة على هویتها. لم تغیر أياً من مبادئها وأهدافها، وما زالت تواصل تقديم الدعم إلى المقاومة الفلسطينية، في كل توجّهاتها.
وظفت إيران موقعها الجيوسياسي في المنطقة للدفاع عن فلسطين، وربطت بقاء ثورتها وقوتها بذلك. وعندما يتحدث الغرب، ومعه "إسرائيل"، عن مزاعم تتعلق بصناعة إيران سلاحاً نووياً، فإنه غالباً ما يتم ربط المفاوضات في هذا الشأن بحضور إيران الإقليمي، وبمعنى أدق، حضور إيران الداعم للمقاومة الفلسطينية وغيرها من حركات التحرر، الأمر الذي يشي بأن المخاوف الغربية - الإسرائيلية تتجاوز المسألة النووية، وتصل إلى هوية الثورة في إيران. فالغرب عموماً و"إسرائيل" خصوصاً، لم يكن لديهما مشكلة مع إيران نووية يحكمها "الشاه"، ما دام لديها "سفارة إسرائيلية".