العالم 2023: الاحتلال الإسرائيلي يواجه أزمة حكم

كيف سيكون عام 2023 في "إسرائيل"، وهل ستؤثر الحكومة الجديدة في المؤسسة العسكرية؟

  • العام 2023:
    عام 2023: "إسرائيل" تواجه أزمة حكم

 "إسرائيل تقف أمام اختبار حقيقي، وتشهد حالة غير مسبوقة تقترب من الانهيار، وتواجه مفترق طُرق تاريخياً".

هذا التصريح واحدٌ من تصريحات كثيرة عبّرت عن الواقع المرير الذي يعيشه كيان الاحتلال الإسرائيلي هذا العام، بدءاً بالتخبطات السياسية، وصولاً إلى الأزمات التي يعانيها جيش الاحتلال، بالإضافة إلى تفكك عميق في المجتمع قد يؤدي إلى "حربٍ أهلية" محتملة، كما يُحكى.

تبعات هذا العام، سترافق حتماً العام المقبل مع تعاظم التحدّيات الداخلية والخارجية، التي تواجهها حكومة الاحتلال الإسرائيلة والمؤسسة العسكرية.

قبل نهاية العام الحالي، قدّم التقييم السنوي لشعبة الاستخبارات الإسرائيلية مجموعةً واسعة من التحديات المتوقعة لـ"إسرائيل" في عام 2023، متجاهلاً مشاكله الداخلية وما يحدث، بل ركّز على إيران من جهة، ومن جهةٍ أخرى على اعتبار غزة والضفة ساحةً واحدة، وليس ساحتين منفصلتين.

كما يستشرف التقرير استمرار التصعيد الأمني الذي بدأ منذ أشهر في الضفة الغربية. ويضيف أنه، إلى جانب العمليات التي تتبناها الفصائل، هناك زيادة في الهجمات الفردية، وحضور أقوى كذلك للمنظمات المحلية، مثل "عرين الأسود" في نابلس، و"كتيبة جنين" في جنين.

الأزمة السياسية

الخوف الاسرائيلي بدا واضحاً في التقييم السنوي لشعبة الاستخبارات الإسرائيلية، بحيث تبدلت التحذيرات الاسرائيلية عن السابق، وتحولت لتكون تحذيرات إسرائيلية - إسرائيلية. ولعل أبرز تصريح كان على لسان الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، الذي قال إنّ "إسرائيل تشهد انشقاقاً خطيراً يهدد بتقويضها من الداخل".

وقبل هذا التصريح، أبدى رئيس الوزراء الأسبق، إيهود باراك، مخاوفه من قرب زوال "إسرائيل" قبل حلول الذكرى الـ80 لتأسيسها، مستشهداً في ذلك بـ"التاريخ اليهودي الذي يفيد بأنه لم تعمّر لليهود دولة أكثر من 80 عاماً إلّا في فترتين استثنائيتين".

إلى جانب هذه التصريحات، تبادل المسؤولون الإسرائيليون الاتهامات على مدار العام. وعلى سبيل المثال، اتهمت الحكومة الجديدة بأنها "خطرة ومتطرفة وغير مسؤولة، وستنتهي بصورة سيئة، كما أنها تمكنت من تفكيك أسس المجتمع الإسرائيلي".

في مقابل ذلك، تسببت الدعوة التي أطلقها رئيس أركان جيش الاحتلال السابق غادي آيزنكوت لخروج ملايين الإسرائيليين إلى الشوارع "إذا أضر نتنياهو بالديمقراطية"، بكثير من المخاوف. في مقابل ذلك، رأى أنصار الحكومة أن المعارضة هي التي تهدد "الديمقراطية" في "إسرائيل" لأنها "لا تريد احترام إرادة المستوطنين والقبول بنتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة".

الجدير ذكره أن هذه هي المرة الأولى منذ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق، إسحاق رابين عام 1995، التي تجري خلالها الدعوة إلى مظاهرات مليونية بين الإسرائيليين، مع تزايد الخلافات الداخلية، ووصولها إلى معدلات غير مسبوقة، الأمر الذي يفسح المجال لإضافة مفردات جديدة إلى القاموس الإسرائيلي، أبرزها "الحرب الأهلية" بين اليهود.

بالتزامن، كشف آخر استطلاع أجرته جمعية "يسود" أن 60٪ من الجمهور الإسرائيلي يعتقد أن مستقبل الديمقراطية في "إسرائيل" في خطر.

السياسة الإسرائيلية عام 2023

في هذا السياق، أكد المتخصص بالشأن الإسرائيلي، أليف صباغ، في حديث إلى الميادين نت، أن "جوهر الأزمة السياسية في إسرائيل يُعَدّ أزمة حكم، وليس أزمة حكومية"، مشيراً إلى أن هذه الأزمة "لن تنتهي حتى يتغلب أحد الأطراف على الآخر".

ولفت صباغ إلى أنّ من المتوقع أن يتغلب معسكر رئيس الحكومة الجديد بنيامين نتنياهو، الذي يهدف إلى تغييرات جوهرية في نظام الحكم، لمصلحة اليمين الفاشي، من خلال تقييد الحيز الديموقراطي، مضيفاً أن "موازين القوى الحالية، ليست برلمانية، وإنما موازين القوى السياسية بصورة عامة، المتأثرة بالإقليمي والدولي، والتي بدورها لا تسمح لغاية الآن بتغييرات جوهرية كبرى، وإنما بتغييرات تمهد لما بعدها. وهذا ما سنراقبه خلال الأعوام المقبلة، من حكومة نتنياهو - بن غفير الجديدة.  

ومن التغيرات الجوهرية التي تطمح حكومة نتنياهو إلى إجرائها في العام المقبل، السيطرة على الجيش والشرطة وتقييد صلاحيات المحكمة العليا، بالإضافة إلى نشر الفكر الاجتماعي الديني وهيمنته في الحياة العامة، من خلال وزارة التربية والتعليم ووزارة المواصلات وغيرهما، وفق صباغ.

سيل العناوين والتصريحات، التي نُشرت في وسائل الإعلام الإسرائيلية هذا العام، كفيلة بكشف هذا التخبط، والتي قد تتسبب بوقوع تصعيد أمني، فهل جيش الاحتلال جاهز للمواجهة؟

المؤسسة العسكرية

ما لا شك فيه أن الجيش الاسرائيلي غرق في مستنقع الأحداث السياسية، فالتوترات بين قيادة الجيش والحكومة احتدمت، بصورة كبيرة، على خلفية حادثة جنود "لواء جفعاتي" في الخليل، والتي قام بها جندي من جيش الاحتلال، بحيث اعتدى على ناشط "يهودي". 

كما ساهمت الأحداث الأخيرة في وصول الجيش إلى "نقطة خطيرة، ودفع الضباط إلى التفكير في مدى الاستمرار في خدمتهم فيه"، بحسب نير دفوري المعلق العسكري في "القناة الـ12" الإسرائيلية .

تُضاف إلى هذه المشاكل، بالطبع، التدخلات الدينية من خلال فتاوى الحاخامات لجنود "الجيش". ومؤخراً دعا حاخامات من "الصهيونيّة الدينية" طلابهم إلى رفضِ الخدمة العسكرية في سلاح المُدرعات، اعتراضاً على دمج 3 مجنّداتٍ في دورةٍ عسكريةٍ يُشارك فيها جنودٌ متدينون.

وفي رأي محللين إسرائيليين، فإنّ خطورة هذه الدعوات لا تنبع من مضمونها وسياقها فحسب، بل من طبيعة الجهات التي صدرت عنها أيضاً، ومن التبعات السلبية المترتبة عليها. 

إقرأ أيضاً:تآكل هيمنة "الجيش" على قرارات الأمن القومي الإسرائيلي

هذه المشاكل هي جزء من سلسلة مشاكل يعانيها الجيش، بحيث تبين، وفق ما نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أنّ عدد المنتحرين في هذا العام ارتفع مقارنةً بالعام الماضي: 14 في مقابل 11، كما أنّه المعطى الأعلى منذ خمسة أعوام. 

"انتشار ثقافة الكذب" أيضاً، يمكن أن تضاف إلى هذه السلسلة. صحيفة "هآرتس" أكدت أنّ "على رأس المؤسسة العسكرية تقف قيادة مدركة للأكاذيب وناشرة لها. وفوق ذلك، تمنح تصرفها هذا شرعيةً، وتعدّه جزءاً لا يتجزأ من الحرب يصورة عامة، ومؤثراً في الوعي الإسرائيلي بصورة خاصة".

كما أوضحت الصحيفة أنّ "هناك فارقاً بين نشر الأكاذيب، كجزءٍ من حربٍ نفسية ضد عدو، وبين استخدام الكذب أداةً لنفض اليد من المسؤولية، ولصد الانتقاد ومنح دعمٍ لجنود وقادة ارتكبوا خطيئة، في مكانٍ مطلوب فيه تطهير الجيش من هذه اللوثة؛ الكذب". ووفق الصحيفة، فإنّ "هذا النوع من الكذب يتعامل مع الجمهور الإسرائيلي نفسه كأنه عدو".

وتعليقاً على ما يرد في الصحافة الإسرائيلية، قال صباغ في حديثه إن الأعوام المقبلة "تشهد تراجعاً في حافزية التجند للجيش لدى العلمانيين، لكن قد نشهد في المقابل حافزية متصاعدة لدى المتدينين الصهاينة، ورغبة منهم في تولي مناصب عليا في الجيش".

وأشار إلى أنه حتى اليوم "لم يصل إلى رتبة قائد أركان أي ضابط متدين، لكن هذا قد يحدث في ظل حكومة نتنياهو - سموطرتش -بن غفير، أو يتم التمهيد له مستقبلاً"، مضيفاً أنّ "هناك تخوفات من صراعات في الجيش والشرطة على الصلاحيات بين القيادة السياسية والقيادات العسكرية والشرطية".

وفي الوقت الذي ينشغل الإسرائيليون بتشكيل حكومةٍ جديدة، بالتزامن مع تراجع قدرات الجيش، هل سيبقى المجتمع الإسرائيلي على حاله؟ 

المجتمع 

"التفكك الداخلي الإسرائيلي يتزايد، وإسرائيل لن تبقى حتى الجيل المقبل، نتيجة أسباب ومؤثرات داخلية. والانقسام بين الإسرائيليين يزداد عمقاً، كما أن انعدام الثقة بأنظمة الحكم آخذ في الازدياد، والفساد ينتشر، والتضامن الاجتماعي ضعيف". 

رئيس جهاز "الشاباك" الإسرائيلي الأسبق، يوفال ديسكين

يجني المجتمع الاسرائيلي ما يحصد في السياسة والعسكر. وبطبيعة الحال، أدّت المشاكل المتراكمة إلى زيادة حركة الهجرة من "إسرائيل" إلى الخارج.

ومطلع هذا الشهر، أعلنت وسائل إعلام إسرائيلية أنّ حركة يهودية جديدة تحاول ولا تزال تجنيد عشرة آلاف إسرائيلي، لمغادرة "إسرائيل" بعد نتائج الانتخابات الإسرائيلية.

وفي التفاصيل، ذكرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أن مجموعة "نغادر البلاد معاً"، حدّدت الهدف الأول بنحو 10 آلاف إسرائيلي مهاجر، مضيفةً أن "أحد رؤساء المجموعة، ينيف غورليك، كان ناشطاً أساسياً في التظاهرات ضد نتنياهو، ويُعَدّ ناشطاً اجتماعياً بارزاً ضد فرض الدين".

وبفعل الانقسامات الداخلية، وخصوصاً في ظل اختفاء المعارضة الإسرائيلية من الساحة السياسية، وبقاء النظام السياسي الإسرائيلي كما هو، ارتفعت أكثر نسبة من العنصرية والتعصب، سواء عبر الفتاوى الدينية أو القرارات والقوانين الحكومية.

وكان الحل للمعارضة الإسرائيلية، وفق ما نشرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، في الأول من شهر آب/أغسطس هذا العام، هو الهجرة إلى الخارج.

وأضاف كاتب المقال حينها، روغل ألفر: "إنكم تراهنون على المستقبل في إسرائيل، الذي هو ببساطة ليس لكم. وبناءً على ذلك، أقترح عليكم، أيها المصابون بالعمى، دورة مكثفة لرؤية الحقائق الواضحة... عليكم البدء بتنظيم أنفسكم قبل أن تضطروا إلى فعل ذلك، وأنتم في حالة ذعر".

المجتمع الإسرائيلي في عام 2023؟

الحكومة الإسرائيلية في عام 2023، وفق تركيبتها المتطرفة دينياً، ستكون حكومة مقيدة للحريات الفردية، معادية تحمي المثليين مثلاً، بحسب صباغ.

ويضيف: "ستحاول الحكومة أن تفرض قيوداً على الحركة في المواصلات العامة يوم السبت، وهذا هو الموضوع الأساس الذي يُقلق المجتمع الإسرائيلي".

يبقى صدى المقال، الذي كُتب في صحيفة هآرتس"، والذي جاء تحت عنوان: "إسرائيل تلفظ أنفاسها الأخيرة"، يصدح ويعبر عن واقع الكيان المحتل. كما أنه يلخص الحال الإسرائيلية في قوله: "يمكن أن يكون كل شيء ضائعاً، ويمكن أن نكون اجتزنا نقطة اللاعودة، ويمكن القول إنّه لم يعد في الإمكان إعادة إصلاح الصهيونية وإنقاذ الديمقراطيّة".

اقرأ أيضاً: "فوبيا" العقد الثامن.. لماذا يخشى الاحتلال زوال "إسرائيل" قريباً؟

اخترنا لك