شي جين بينغ: يقود "حلم الصين" في مقابل أحادية الولايات المتحدة
بوصوله إلى رأس الهرم الصيني، لم يخفِ شي خططه لجعل بلاده واحدة من القوى العظمى في العالم. وسريعاً، أطلق خطة توسعية، سمّاها "حلم الصين"، وفيها دعا إلى اتخاذ خطوات لتعزيز الجيش والاقتصاد معاً، في مواجهة أحادية الولايات المتحدة الأميركية.
منذ صعوده إلى السلطة قبل عقد من الزمان، أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ مجموعة من الحملات لضمان انتصار الصين، أو على الأقل الصمود في مواجهة الغرب. وقامت أبرز خطواته في الصعود السلمي لبلاده على إعادة تنظيم الاقتصاد، وتعزيز الجيش الصيني، وتمحور المجتمع حول حزب شيوعي أكثر التزاماً أيديولوجياً، وإلى جانب كل هذا عزَّز وجود بلاده على الصعيد الدولي في مواجهة الولايات المتحدة.
واليوم، يقف شي على مقربة من ولاية ثالثة مدتها خمس سنوات، بعدما كان قد وصل إلى السلطة عام 2012. وفي حفل يبدأ يوم الأحد، داخل "قصر الشعب"، الستاليني الهندسة، وسط بكين، سيعرض الرئيس في اجتماع للحزب الشيوعي مفاعيل رؤيته في ولايته السابقة، ويحدد مشروعه للسنوات الخمس المقبلة، المرجح أن يتسم بالحزم والدفاع في آن واحد، كمهندس لعهد جديد في عالم متعدد القطب.
نهضة اقتصادية بدأها مهندس الإصلاح
"تجديد عظيم للأمة الصينية"، بحسب شي، تجلى في الملف الاقتصادي. نجح في خطوة تلو أخرى في القضاء على الفقر، إذ خرج 800 مليون صيني من عداد الفقراء خلال العقود السابقة، وفق تقارير البنك الدولي. مهمَّة بدأها الرئيس السابق دينغ شياو بينغ مهندس الإصلاح الصيني بانتقاله من الاقتصاد الموجه إلى اقتصاد السوق، وأكملها شي بنجاح في السنوات العشر الأخيرة بعدما خصص لها موارد ضخمة.
وأعاد شي توجيه مليارات الدولارات لتطوير تقنيات محلية، بما في ذلك "أشباه الموصلات" المتقدمة. ومع هذه الخطوة، حدَّ من إمكانيات القطاع الخاص، وأعاد تشكيل الشركات العملاقة المملوكة للدولة للتوجه نحو الاستثمار بقوة أكبر في الصناعات الاستراتيجية. كذلك، شنَّ حملةً على كبريات الشركات في مختلف القطاعات، مثل منصّة التجارة الإلكترونية "بينديوديو"، وشركة الألعاب العملاقة "تنسنت"، التي أُجبرت على إطلاق خطط بعشرات مليارات الدولارات لتمويل مشرعات التعليم والتكنولوجيا الزراعية والتخفيف من حدّة الفقر، وفق مجلة "فوربس" الأميركية.
وفي عقد من النمو المطرد، تطورت الصين، بحسب وكالة "شينخوا"، لتصبح قوة اقتصادية رئيسة في العالم، مع عدد من الإنجازات البارزة التي تحققت على طول رحلة التنمية عالية الجودة.
ففي عام 2021، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للصين 17.7 تريليون دولار أميركي، وهو ما يمثل 18.5% من الإجمالي العالمي. ومن عام 2013 إلى عام 2021، نما الناتج المحلي الإجمالي بمعدل سنوي متوسط قدره 6.6%، متجاوزاً المستوى العالمي البالغ 2.6%.
ومع التوسع الاقتصادي السريع، أصبحت الصين قوة دافعة رئيسة للنمو العالمي. وفي الفترة ما بين عامي 2013-2021، بلغ متوسط مساهمتها في النمو الاقتصادي العالمي 38.6%، وهو أعلى من مساهمة مجموعة السبع مجتمعة.
كذلك، شهدت التجارة الخارجية للصين وسط المساعي الرامية إلى الانفتاح على نطاق أوسع على العالم توسعاً قوياً في العقد الماضي. وفي عام 2020، تجاوزت البلاد الولايات المتحدة لتصبح أكبر دولة تجارية في العالم للمرة الأولى، إذ بلغ إجمالي حجم التجارة الخارجية 5.3 تريليون دولار أميركي، ارتفاعاً من 4.4 تريليون دولار عام 2012.
وفي العام الماضي، توسع حجم التجارة الخارجية للصين إلى 6.9 تريليون دولار، ليواصل احتلاله المركز الأول عالمياً. وارتفعت تجارتها الخارجية في السلع من 3.9 تريليون دولار في عام 2012 إلى 6.1 تريليون دولار في العام الماضي، وهو ما يمثل 13.5% من الإجمالي العالمي.
أما مشروع شي الأضخم فكانت مبادرة "الحزام والطريق" التي طرحها عام 2013، وهي مبادرة تقوم على إحياء طريق الحرير القديم، من أجل تعزيز الترابط بين الصين والعالم الخارجي، من وسط آسيا إلى الشرق الأوسط، وصولاً إلى أوروبا وأفريقيا. وتسعى من خلال هذا المشروع للوصول إلى أسواق جديدة وتأمين سلاسل التوريد العالمية التي ستساعدها في مواصلة تحقيق نمو اقتصادي مستدام وضمان الاستقرار الاجتماعي، لها ولكل مشارك في المبادرة.
على الصعيد البيئي، نجح شي في محاربة التلوث. فبعدما كان في الصين 6 مدن من بين أكثر 10 مدن تلوثاً في العالم، انخفض العدد إلى 3 فقط، مع استمرار الجهود لخفض معدلات التلوث.
أما بالنسبة إلى شبكة المدفوعات الخاصة بها، فإن الصين طورتها، وطرحت عملة رقمية مدعومة من الحكومة. وهي أدوات يمكن أن تساعد بكين في تجنب استخدام الدولار الأميركي نهائياً، والتخلي عن النظام المالي العالمي الذي تقوده واشنطن.
جيش أحمر لمقارعة أي "عدو محتمل"
عسكرياً، وبحسب مختصين بالشأن الصيني، قاد شي تغييرات جذرية لا نظير لها طوال قرن، ونفذ عملية إصلاح كبيرة في الجيش، ثم أعاد تنظيمه.
فكرة إعادة ترميم الجيش لم تبدأ بقدومه، بل هو من طوَّرها ووضعها في قالب قادر على مقارعة أي "عدو محتمل". بدأت فكرة ترميم الجيش بحسب الكاتب الصيني ليو زين عام 1991 مع "حرب تحرير الكويت"، وفيها كانت أولى مظاهر الامتياز العسكري الأميركي. أدَّى هذا إلى قراءة صينية تفيد بأن بكين، وبعد هذه الحرب، قد تصبح في دائرة الاستهداف، وعليه تقرر تحسين قدرات جيش التحرير الشعبي الصيني.
شي واصل العمل التراكمي للرؤساء السابقين، ولكن بلمسات جذرية. وأولى خطواته كانت تبني عقيدة قتالية مختلفة، تقوم على إنهاء اعتبار القوات البرية وحدها أساس الجيش، وأوجب اتباع القيادة المشتركة، التي تملك فيه إلى جانب القوات البرية، القوات الجوية والتكنولوجيا دوراً رائداً.
وضاعف شي ميزانية الجيش، بحسب "معهد استكهولم الدولي للأبحاث حول السلم"، ما أدَّى إلى امتلاك الصين آلاف الصواريخ الباليستية المتوسطة والطويلة المدى، وأكبر سلاح بحرية في العالم بـ 77 قطعة بحرية، من ضمنها حاملتا طائرات.
والأهم أنّه بدأ العمل لتعزيز الترسانة النووية الصينية، حيث باتت تضم 350 قنبلة ورأساً نووياً، وفقاً لـ "أتوميك سيانتيست". الاستخبارات الأميركية، من جهتها، توقعت أن تصل هذه الترسانة إلى 700 رأس نووي عام 2027.
أمّا على مستوى الشراكات الاستراتيجية، فإنّ الصين وروسيا وقعا بياناً مشتركاً في 4 شباط/فبراير الماضي، أي قبل أقل من شهر من بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ونصَّ على أن "الصداقة بين الدولتين ليس لها حدود"، وعلى معارضتهما أي توسع إضافي لحلف الناتو ولبناء تحالف أميركي في آسيا، وصوّرا الجهود المبذولة لترويج النسخة الغربية من الديمقراطية على أنّها تهديد "خطر" للسلام العالمي.
حملة عسكرية تهدف إلى الاستعداد للانخراط في القتال، إذا لزم الأمر، للمرة الأولى منذ عام 1979، مع عدو، يحتمل أن يكون الولايات المتحدة الأميركية.
بكين تقارع واشنطن .. وخطط احتواء "الصعود الصيني"
فالصين، الدولة التي امتازت بصعودها السلمي، من دون خوض أي حرب في العقد الأخير، باتت منافساً استراتيجياً وحيداً لواشنطن، وأصبحت تملك "القدرة بشكل متزايد على إعادة تشكيل النظام الدولي"، وفقاً لاستراتيجية الأمن القومي التي أعلنتها إدارة جو بايدن في الـ 12 من الشهر الحالي.
لم يبدأ العداء العلني هذا العام، بل بدأ مع الرئيس السابق باراك أوباما في أواخر عام 2012، حين كشف أنّ الأولويات هي احتواء "الصعود الصيني"، على مختلف المستويات سياسياً، اقتصادياً، وحتى عسكرياً.
قبل هذا التاريخ، وفي شباط/فبراير من العام نفسه، توجه شي بنفسه إلى واشنطن قبل أن يصبح على رأس الحزب الشيوعي. وقتئذ، سعى لمزيد من التسوية مع الولايات المتحدة التي من شأنها أن تمهّد الطريق أمام صعود الصين المستمر. وبمجرد توليه منصبه، وحديثه عن إقامة "نوع جديد من علاقات القوى العظمى"، تبيَّن لشي أنّ إدارة أوباما لا تعامل بكين على قدم المساواة، وقاومت الصياغة، واعتبرتها محاولة لجعل الولايات المتحدة تعترف بالصين كنظير، وخشيت أن يرسل ذلك إشارة خاطئة إلى حلفاء الولايات المتحدة.
مسار أوباما عززته راديكالية خلفه دونالد ترامب، الذي أطلق حرباً تجارية، وهدّد بفك الارتباط بين الاقتصادَين الأميركي والصيني. حينذاك، أعادت الشركات الأميركية النظر في خططها الاستثمارية في الصين، التي كانت سوقاً واعدة للنمو. خطوات أثَّرت في العلاقات الدبلوماسية، إذ وصفت "وول ستريت جورنال"، نقلاً عن مصادر مطلعة، أن الاجتماعات رفيعة المستوى، التي يفترض أن تكون هادئة، تحولت إلى جلسات محمومة. وإضافة إلى ذلك، تبادل الطرفان فرض العقوبات، في حين شُطبت الشركات الصينية من البورصات الأميركية.
لم يكتفِ الأميركيون وقتئذٍ بهذا الحد، بل وصلت الأمور إلى دعوتهم عبر وزارة الخارجية إلى تغيير النظام، عبر ما سموه "تمكين الشعب الصيني". وبعد ترامب، جاء بايدن من دون أي تغيير في اتباع السياسات الإدارة السابقة، وهو ما أثبته بعدما تم الاعلان عن استراتيجية الأمن القومي.
وبينما تشهد علاقات واشنطن وبكين توترات غير مسبوقة في طبيعتها ودرجة خطرها، بعد أحداث قضية تايوان، وزيارة نانسي بيلوسي الجزيرة، أوضحت بكين اليوم أنّها "لا تستبعد استخدام القوة في قضية تايوان، ولكن فقط في حال محاولة الانفصال أو التدخل الخارجي".
وقبل المؤتمر التاريخي غداً، ترى الصين أنّ الخلاف مع الولايات المتحدة بات هيكلياً، حيث لا ترحب واشنطن بظهور منافس لها في الساحة العالمية لديه إمكانيات اقتصادية وثقافية وعسكرية وتكنولوجية ضخمة.
أما هدف شي الشامل فهو إعادة الصين إلى ما يعتقد أنّه مكانها الصحيح كلاعب عالمي ونظير يواجه القطبية الأحادية. ونتيجةً لذلك، ومع استمرار الصين في هدفها الاستراتيجي، مقابل تعنت أميركي، فإنّ احتمال حدوث مواجهة مع واشنطن بات أمراً محتملاً بشكل متزايد. يعي شي ذلك جيداً، متباهياً بانتظام صعود الصين في مقابل الانحدار الغربي.