"11 سبتمبر".. 20 عاماً من التغاضي عن التورط السعودي
منذ اليوم الأول لأحداث 11 أيلول/ سبتمبر، توّجه دوائر رسمية ووسائل إعلامية أميركية أصابع الاتهام إلى السعودية بتورطها في تمويل منفذي الهجمات، ولكن الإدارات الأميركية المتعاقبة أخفت الوثائق.
يعتبر مشهد اصطدام الطائرات بأبراج التجارة العالمية في نيويورك الأميركية، حدثاً مفصلياً في التاريخ السياسي المعاصر، استناداً لما تبعه من أحداث، ولما ارتبط به من تداعيات. وفيما تحرّكت الإدارة الأميركية حينها برئاسة جورج بوش لغزو أفغانستان، واستمرت في احتلالها لهذا البلد 20 عاماً، بقي الملف المرتبط بالتورط السعودي طيّ الكتمان، رغم نشر ما يشي بيدٍ سعودية ساهمت في هذا الحدث.. فأيّ مصلحةٍ أميركية في ذلك؟
هل موّلت السعودية أسوأ هجوم في التاريخ الأميركي؟
دوائر رسمية ووسائل إعلامية أميركية، وجّهت سهام الانتقاد إلى السعودية بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، بسبب كون 15 شخصاً من أصل 19 من المشاركين في العملية الإرهابية يحملون جنسيتها. وفي السياق، أكد تقرير لموقع "ذا إنترسبت The Intercept"، أنّ "السعودية موّلت وساعدت في تنفيذ أسوأ هجوم إرهابي في التاريخ الأميركي".
التقرير أشار أنّه مباشرةً بعد "أحداث 11 سبتمبر"، "قمعت إدارة الرئيس بوش كل الأدلة التي تؤكد تورّط أمراء سعوديين بتمويل هذه الهجمات"، مضيفاً أنّ "إدارة بوش فضّلت ألا تزعزع علاقتها بالسعودية التي تعتبر أحد أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم، والتي تُعدّ أيضاً حليفاً أميركياً له تأثيرٌ سياسي هائل في واشنطن".
الانتقادات الموجّة للسعودية زادت بشكلٍ كبير بعد التسجيلات المسموعة والمصورة التي نشرتها وسائل إعلام أميركية، لأسامة بن لادن "سعودي الجنسية" وقيادات في تنظيم "القاعدة" والتي اعتُبرت بمثابة إعلان بالمسؤولية عن أحداث 11 أيلول/ سبتمبر.
وعام 2003 تصاعدت الضغوط على إدارة الرئيس بوش للكشف عن الصفحات الـ 28 من أصل 900 والتي حجبها الكونغرس، حيث أنّ هذا التقرير أعدّته لجنة من الحزبين الديموقراطيي والجمهوري، في حين أشارت مصادر إعلامية إلى أنّ "مضمون هذه الصفحات يتعلّق بدور مزعوم للسعودية في مساعدة منفذي الهجمات". غير أنّ السفير السعودي في واشنطن، بندر بن سلطان أعرب عن ثقته بأن حجب الصفحات الـ 28 من تقرير الكونغرس عن "هجمات سبتمبر"، يعود إلى أنّ المعلومات التي تضمّنتها تلك الصفحات لا تحتوي على ما يُساندها من أدلّة.
لكن الأمر الذي عزز الأدلّة التي تُشير إلى تورّط السعودية، هو ما بيّنه العضو في تنظيم "القاعدة"، زكريا موسوي الذي يحمل الجنسية الفرنسية وسُمّي "الخاطف العشرين" في تلك الأحداث. فحينما أدلى بشهادته قال إنّ "أشخاصاً في الحكومة السعودية ساعدوا في تمويل المهاجمين، وإنّ سفير السعودية في واشنطن بندر بن سلطان شارك في تمويل القاعدة إلى جانب الرئيس السابق للاستخبارات السعوديّة تركي الفيصل، وشقيق هيفاء زوجة الأمير بندر".
ويأتي ذلك، بعد أن نشرت صحيفة "نيوزويك" الأميركية عام 2002، تقريراً يثبت تورّط "الأميرة هيفاء الفيصل بتمويل إثنين من الخاطفين السعوديّين اللذين أقاما في مدينة سان دييغو أثناء التحضير لاعتداءات 11 أيلول/ سبتمبر".
وبحسب معهد "واشنطن للدراسات"، فإنّ الصفحات الـ 28 التي تتحدث عن التدخل السعودي في الهجوم الإرهابي مرقمة من 415 إلى 443، فالصفحة 415 جاء فيها: "أثناء وجودهم في الولايات المتحدة، كان بعض مختطفي الطائرات في 11 أيلول/ سبتمبر، على اتصال بأفراد قد يكونوا مرتبطين بالحكومة السعودية وتلقوا الدعم والمساعدة منهم.. وزعم البعض أن إثنين على الأقل من هؤلاء الأفراد هم ضباط في الاستخبارات السعودية". أما الصفحة 417 فتبيّن أنّ أحد الأفراد الذين تم التعرف إليهم في الصفحات على أنهم قدموا الدعم المالي لإثنين من الخاطفين في هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، وهو أسامة باسنان، تلقى في وقت لاحق "مبلغاً كبيراً من المال" من "عضو في العائلة المالكة السعودية" خلال رحلة قام بها في عام 2002 إلى هيوستن الأميركية. وفي الصفحة 426 يذكر التقرير أن زوجة "أسامة بسنان" كانت تتلقى أموالاً من الأميرة هيفاء الفيصل زوجة السفير السعودي في واشنطن.
السعودية بين الابتزاز الأميركي وقانون "جاستا"
بدأت عملية توجيه أصابع الاتهام إلى السعودية عام 2001، عندما أعلن عدد من أعضاء "الكونغرس" عن نواياهم إصدار تشريع يدين السعودية ويتهمها بالتورط في هجمات 11 أيلول/ سبتمبر. وعلّق يومها الرئيس بوش على إخفاء الصفحات الـ 28 بقوله إنّ "نشر هذا الجزء من التقرير سيلحق الضرر بعمليات المخابرات الأميركية، ويكشف عن مصادر وأساليب ستجعل من الصعب علينا كسب الحرب على الإرهاب"، بحسب صحيفة نيويوركر.
من جهته، عضو "الكونغرس" الجمهوري والتر جونز، والذي قرأ الصفحات المفقودة، قال لـ"نيويوركر" إنه "لا يوجد شيء في ذلك يتعلق بالأمن القومي الأمر يتعلق بإدارة بوش وعلاقتها بالسعوديين"، مضيفاً: "أخبرني ستيفن لينش، وهو ديمقراطي من ولاية ماساتشوستس، أنّ الوثيقة مذهلة في وضوحها، وأنها تقدّم دليلاً مباشراً على تواطؤ بعض الأفراد والكيانات السعودية في هجوم القاعدة على أميركا".
زعيمة الأقليّة الديمقراطية في مجلس النواب، النائبة نانسي بيلوسي، اتّهمت حينها حكومة الرئيس بوش بأنّها "أسيرة الرغبة في التكتّم على الحقائق وتغليفها بالسرية دائماً بحيث أنها ترغب في إخفاء معلومات يجب أن يطّلع عليها الشعب الأميركي، وخاصّة أسر ضحايا هجمات سبتمبر/ أيلول، الذين يتطلّعون إلى إجابات شافية".
الرئيس الأميركي، باراك أوباما، حاول جاهداً إيقاف تشريع "جاستا" وهو اختصار لقانون "العدالة ضد رعاة الإرهابط، ومن اسمه يكشف القانون عما يسعى له من "تحقيق العدالة للضحايا وأسرهم"؛ عبر دفع تعويضات مالية لهم، ولكنّ التشريع مرر عام 2016 بشبه إجماع في "الكونغرس". "جاستا" لا يذكر هجمات 11 أيلول/ سبتمبر السعودية، إلا أنه يسمح ضمنياً بإجراء دعاوى قضائية ضد المملكة من قبل أهالي القتلى والجرحى والمتضررين جراء الهجمات.
وفي ذلك الحين، وخوفاً من فرض قانون "جاستا"، هددت السعودية ببيع ما يصل إلى 750 مليار دولار في سندات الخزينة الأميركية للأوراق المالية وغيرها من الأصول إذا تم تنفيذ القانون، لكن صحيفة "نيويورك تايمز" الأمبركية، تنبأت بأن "المملكة من غير المرجّح أن تفعل مثل هذه التهديدات لأنها ستشل اقتصادها". وفي وقتٍ لاحق، من العام 2018 وخلال ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أخفت وكالة الإستخبارات الأميركية "أف بي أي"، وثائق حساسة حول تورّط السعودية بهجمات 11 أيلول/ سبتمبر.
أدار الرئيس ترامب، مرحلةً جديدة من الابتزاز للسعودية، والتي وصفها في إحدى كلماته بـ "البقرة الحلوب"، حيث وقّع ترامب عام 2019 مرسوماً يقضي بتعويض عائلات ضحايا أحداث 11 أيلول/سبتمبر، فاتحاً بذلك الباب لتطبيق قانون "جاستا" الذي يمنح عائلات الضحايا حق "مقاضاة" الدول الأجنبية ومنهم السعودية على تلك الأحداث ومطالبتها بالتعويضات التي تشير التقديرات إلى أنّها تفوق قدرة السعودية على الدفع.
أمّا خلال فترة الرئيس جو بايدن فقد قالت صحيفة "نيويورك بوست"، في نيسان/أبريل الماضي، إنّ "مشرعين جمهوريين يضغطون على إدارة بايدن لنشر وثائق مكتب التحقيقات الفدرالي ووكالة المخابرات المركزية علناً والتي يقولون إنها قد تكشف تورط السعودية المحتمل في هجمات 11 أيلول/ سبتمبر".
واستجابةً لضغوطٍ من عائلات نحو 3 آلاف شخص قضوا في أحداث سبتمبر، وقّع الرئيس الأميركي جو بايدن قبل أيام، مرسوماً يقضي بإلغاء السرية عن بعض المواد المتعلقة بهجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، ليبقى هذا الملف رهينة العلاقة السعودية - الأميركية، التي تحولت لا سيما في السنوات الأخيرة إلى علاقة ابتزاز علني، تحكمها المصالح الأميركية، حتى على حساب حق الشعب الأميركي في معرفة الحقيقة.