روسيا من ستالينغراد إلى دونباس: الهدف القضاء على النازية
يعدّ "يوم النصر الروسي" حدثاً تاريخياً مهماً في روسيا، باعتباره ذكرى هزيمة النازية، وهو يأخذ هذا العام طابعاً مختلفاً لتزامنه مع العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا.
تحتفل روسيا في 9 أيار/مايو من كل عام بـ"يوم النصر الروسي"، وهو اليوم الذي هُزم فيه النازيون قبل 77 عاماً في الحرب العالمية الثانية.
تتميز احتفالات "يوم النصر" في كل سنة باستعراض عسكري ضخم، يشرف عليه رئيس البلاد ويحضره شخصياً، على منبر مليء بالمحاربين القدامى، فيما تستعرض القوات الروسية في الساحة الحمراء في العاصمة موسكو الترسانة العسكرية للبلاد.
وكان من خصائص عرض اليوم الإثنين، تسيير ممثلين للقوات المشاركة في العملية الخاصة في أوكرانيا في الساحة الحمراء على متن معدات عسكرية تابعة لهم؛ فاحتفال روسيا هذا العام بـ"يوم النصر" يأخذ طابعاً مختلفاً محلياً ودولياً، إذ يتزامن مع عملية عسكرية روسية مستمرة في أوكرانيا منذ 24 شباط/فبراير الماضي، أُطلقت "لحماية المتحدثين باللغة الروسية في أوكرانيا من اضطهاد النازيين"، وأيضاً لحماية روسيا من "التهديد الأميركي المتمثل بتوسيع حلف شمال الأطلسي"، وفق بوتين.
القضاء على النازية: قضية روسية تاريخية
تحديد الرئيس الروسي هدف "محاربة النازية والقضاء عليها" بكل صراحةٍ ووضوح عند إعلانه العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا ليس أمراً عرضياً، بل هو أمرٌ يعبر عن النهج الذي تتبناه روسيا منذ زمن، والذي ما زالت تسير على خطاه، إذ إنّ "القضاء على النازية" يمثّل قضيةً تاريخيةً وتقليدية خاصة في الوعي الجمعي الروسي، الذي عانى من النازية على مدى سنين.
بالنسبة إلى الروس، ووفق تصريح لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، يجسّد عيد النصر "العمل المتفاني لمن هزموا الغزاة النازيين وحرروا البشرية من النازية"، ويمثّل أيضاً اليوم الذي "غير مصير العالم بأسره".
التاريخ يُعيد نفسه إذاً، ولكن بأشكالٍ مختلفة، فقبل 77 عاماً، أخذ الاتحاد السوفياتي على عاتقه محاربة النازية بقيادة أدولف هتلر في ألمانيا، واستطاع أن يلحق به هزيمة كبيرة. وكان أبرز مثال على هذا النصر الروسي معركة ستالينغراد التي استمرت قرابة 6 أشهر، وقضى فيها السوفيات على الجيش السادس النازي، وكانت مقدمة لهزيمة النازيين، فيما تأخذ روسيا الاتحادية على عاتقها اليوم محاربة "النازيين الجدد" والقوميين المتطرفين في أوكرانيا، بحسب ما يرى الروس.
وفي هذا السياق، أكّد الرئيس الروسي خلال خطابه اليوم في فعاليات "يوم النصر"، أنّ "من واجب روسيا الحفاظ على إرث من قضى على النازية، لكي لا تتكرر تلك الأيام"، مؤكّداً ضرورة منع عودة النازية التي سببت المعاناة لشعوب دول مختلفة".
كلام بوتين أكده وزير الدفاع شويغو، بقوله: "الجنود والضباط الروس يقاتلون اليوم أتباع النازية، ويذودون عن المصالح الوطنية لروسيا في أوكرانيا."
من هم النازيون الجدد في أوكرانيا؟
تعدّ "كتيبة آزوف" من أبرز الحركات النازية الجديدة في أوكرانيا. أنشئت هذه الكتيبة من قبل أعضاء مجموعتين من النازيين الجدد، "باتريوت أوكرانيا" و"الجمعية الوطنية الاجتماعية"، بعد نشوء الصراع الانفصالي في شرق أوكرانيا في العام 2014.
ووفق موقع "جيوهيستوري"، فإنّ قوات "آزوف" تعرّف عن نفسها بأنّها "منظمة قومية متطرفة تركز بشكل عام على الصراع المستمر بين أوكرانيا وروسيا"، وبأنّها "دولة داخل دولة".
وأوضح الموقع أنّ حركة آزوف اكتسبت شهرةً ونفوذاً، وخصوصاً بعد توسّعها وتطوّرها من منظمة شبه عسكرية تطوعية إلى جزءٍ من القوات العسكرية الرسمية في أوكرانيا.
وقد ارتبط اسم "آزوف" بالعنف، إذ اعتدى مناصروها على مسيرةٍ مناهضة للفاشية في كييف في العام 2018، وتدخلوا بشكلٍ عنيف ضد مشاركين في محاضرة حول التمييز في ماريوبل، وهجموا على متظاهرين في يوم المرأة العالمي في العام 2018.
وتحظى هذه التعبئة لليمين من قبل "آزوف" بدعمٍ من السلطة، فقادتها ينشطون حالياً في السياسة المحلية والوطنية، ويمارسون السيطرة والنفوذ داخل الدولة. وتُعرف هذه المجموعة أيضاً بعلاقتها الوثيقة بوزير الداخلية الأوكراني، أرسين آفاكوف السابق، الذي كان يعدّ أقوى شخص في الدولة، لتعزز بذلك وجودها في المجتمع والحياة العامة الأوكرانية، وفق "جيوهيستوري".
الدعم السياسي والعسكري لحركة "أزوف" غير مقتصرٍ على نطاقها الداخلي فقط، بل تخطّى ذلك، إذ أفادت تقارير نشرها موقع "ياهو نيوز" بأنّ وكالة المخابرات المركزية الأميركية "CIA" تدعم القوات النازية في أوكرانيا سراً للعمل "كقادة متمردين"، في حال قامت روسيا بأي تحرك نحو كييف، على حد تعبير مسؤول استخباراتي سابق.
توسّع دائرة الداعمين للنازية في أوكرانيا
عقب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، التي كان أحد أهم أهدافها هو القضاء على المشروع النازي التي تمثّله كتيبة "آزوف"، توسّعت دائرة الداعمين لهذه الكتيبة النازية، إذ بات يشاركها في قتال القوات الروسية مرتزقة من عدة مناطق حول العالم، منهم إسرائيليون، وفق تصريح المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا.
هذا الأمر وسّع أيضاً دائرة الجهات التي تحاربها روسيا بسبب توجّهاتها النازية ودعمها لها، إذ باتت "إسرائيل" واحدةً من هذه الجهات. وبرزت المواجهة الروسية لها مؤخّراً في تصريحات وزير الخارجية سيرغي لافروف، الذي شبّه خلالها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالزعيم النازي أدولف هتلر.
وقال لافروف: "إنّ حقيقة أنّ زيلينسكي يهودي لا تنفي وجود عناصر نازية في أوكرانيا. قد أكون مخطئاً، لكن أدولف هتلر كان لديه دم يهودي أيضاً. يقول الشعب اليهودي الحكيم إنّ أكثر المعادين للسامية حماسةً، كقاعدة عامة، هم يهود".
كَثرت التقديرات والتحليلات بأنّ روسيا سوف تعلن إنهاء العملية الروسية في أوكرانيا في "يوم النصر" الروسي، لما يمثّله هذا اليوم من أهميّة تاريخية لدى الروس، إلا أنّ لافروف نفى ذلك، مؤكّداً أنّ "وتيرة العملية في أوكرانيا تعتمد، في المقام الأول، على ضرورة تقليل المخاطر المحتملة على السكان المدنيين والعسكريين الروس".
يبدو أنّ روسيا مصممة على القضاء على النازية الجديدة في أوكرانيا بشكل كامل، كما فعل الاتحاد السوفياتي قبل 77 عاماً.