دبلوماسية القوة.. التفاوض في خدمة مصالح طهران

يُراكم الإيرانيون المزيد من القدرات والطاقات التي تمنحهم موقفاً قوياً في ملف التفاوض على الاتفاق النووي، والتي قد تجعل واشنطن ترضخ لشروطهم من أجل إنجاح هذه المفاوضات.

  • إيران
    تعتبر إيران أنّ الوقت في صالحها في ما يخص المباحثات النووية

صفعة أخرى تلقّتها هيبة الولايات المتحدة الأميركية أمس مع تحدي حرس الثورة في إيران للقرصنة الأميركية، وذلك عبر إحباطه محاولة سرقة حمولة نفط إيرانية في منطقة بحر عُمان. انتصار عسكري وأمني جديد سجّلته إيران، أثبتت فيه أنّها لا تتهاون مع أيّ مسّ بالخطوط الحمر الإيرانية، كما عكس نجاح معادلة التحدي والردع الإيرانية في المنطقة.

مما لا شكّ فيه أنّ إيران بلغت مستوى عالياً من التحدي جعلها قادرة على مواجهة الولايات المتحدة في المحيط الإقليمي بثقة بالغة، وذلك في ضوء ما حصلت عليه طهران من أوراق استراتيجية مؤثرة في السنوات الأخيرة، ثبتتها في موضع قوة. هذا الأمر كان له أثر واضح في عدة مسارات، ولا سيّما لناحية ملف إحياء الاتفاق النووي المبرم في العام 2015.

نجاح الاستراتيجية الإيرانية الآخذة في التنامي، وثبات إيران وصمودها، دفع الإدارة الأميركية إلى تنازلات ضمن مسارات عديدة، فيما لا يمكن التغاضي عن الضغوط السياسية الهائلة التي ستتعرض لها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في حال فشل المفاوضات وانهيار الاتفاق، لا سيما مع معارضة بايدن لسياسة سلفه دونالد ترامب، القائمة على ممارسة "أقصى الضغوط" على طهران، ووعوده بإعادة واشنطن إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب، في حين أنَّ إيران تبنّت "الصبر الاستراتيجي" رداً على "الضغط الأقصى" الذي مارسه ترامب، وهو ما أثبت نجاحه.

فشل الضغوط القصوى

وفي هذا الإطار، طالبت مجلة "نيوزويك" الأميركية الرئيس جو بايدن وحكومته بتقديم تنازلات لإيران و"تخطي كبريائها" لضمان عودة الأطراف إلى الاتفاق النووي، كما دعت واشنطن إلى "الإقرار بفشل سياسة الضغوط القصوى التي تبلورت في الاتجاه المعاكس، وأسهمت في عزل الولايات المتحدة بدلاً من إيران". وبحسب المجلة، افترضت سياسة "الضغط القصوى" أنه كلما زاد الضغط المالي على الحكومة الإيرانية، زاد تلبيتها لمطالب الولايات المتحدة، وثبت أنّ هذا الافتراض خاطئ. وبدلاً من الاستسلام، رفعت إيران الرهان.

من جهة القيادة في إيران، فهي تعتبر أنّ الوقت في صالحها في ما يخص المباحثات النووية. وعلى الرغم من أنّ الولايات المتحدة فرضت عقوبات شديدة عليها، فإنَّ الاقتصاد الإيراني نجح في الصمود والتوسع، وبالتالي لم تعد وانشطن قادرة على استخدام ورقة الضغوط الاقتصادية لإجبار إيران على تقديم التنازلات. وبالنظر إلى التطور الذي يشهده برنامجها النووي، تعتبر القيادة الإيرانية أنها بوضع أفضل لممارسة المزيد من الضغط المضاد وانتزاع تنازلات أكبر من الغرب.

كل الدلائل تشير إلى أنّ الحكومة الإيرانية عازمة على مواصلة محادثات الاتفاق النووي، لكن بشروطها. فإيران تشدد على رفضها العودة إلى التزاماتها النووية، ما لم ترفع واشنطن العقوبات المشددة التي فرضتها عليها إدارة ترامب السابقة. طهران لا تنوي المساومة أو التنازل على أي من شروطها، إذ أكّد المرشد الإيراني السيد علي الخامنئي مطلع العام الحالي أنّ على "الولايات المتحدة أن ترفع كل أنواع العقوبات، وبشكل عملي"، من أجل عودة بلاده إلى التزاماتها النووية.

إيران تعزّز قوتها التفاوضية بأوراق أمنية 

على الرغم من كلّ محاولات الولايات المتحدة لإضعاف الجانب الإيراني، سعياً منها لإرغامه على تقديم التنازلات بشأن الاتفاق النووي، فإنّ الأحداث الأخيرة تصبّ كلها في دعم قوة طهران وتعزيزها، ولا سيما الحدث العسكري في بحر عمان أمس، والذي يسجّل في سياق نجاحات استراتيجية إيران في المنطقة. أثبتت إيران أمس أنها تمتلك الإمكانيات والتجهيزات والعناصر لردع أي عدو، وأنّ لديها القرار للتعامل مع أي تحرك معادٍ للأمن القومي الإيراني.

هي ليست المرة الأولى التي يبرز فيها فشل واشنطن و"إسرائيل" في مواجهة الردع الإيراني، وخصوصاً في المواجهة العسكرية البحرية، فالعديد من الحوادث المماثلة يظهر ضعف واشنطن في الرد وعدم رغبتها في التصعيد. فبعد إسقاط حرس الثورة في إيران طائرة تجسس أميركية مسيّرة في إقليم هرمزغان جنوب البلاد في العام 2019، لم تقدم الولايات المتحدة على أيّ رد فعل، باستثناء استنكار كلامي. وبعد استهداف سفينة إسرائيلية قرب إمارة الفجيرة الإماراتية في نيسان/أبريل الفائت، أكد الاحتلال الإسرائيلي أنه "لا ينوي الرد"، في حين اعتبر مصدر أمني إسرائيلي أنّ مواجهة إيران بحراً هي "معركة خاسرة سلفاً".

تشير الأحداث الأخيرة إذاً إلى مخاض التغيير الدوليّ والإقليميّ، فما جرى يؤكد أنّ الكثير من المعادلات تغيّرت، وأنّ الولايات المتحدة لم تعد القوة الوحيدة التي تملك القرار.

تشعر إيران بأنها تتفوّق في ميزان القوة الإقليمي بالنظر إلى المتغيرات الكثيرة التي طرأت، إذ إنها تمتلك القوة السياسية والعسكرية اللازمتين، ولديها أوراق رابحة كثيرة في المنطقة. يُراكم الإيرانيون المزيد والمزيد من القدرات والطاقات التي تمنحهم موقفاً قوياً في ملف التفاوض، والتي قد تجعل واشنطن ترضخ لشروطهم من أجل إنجاح هذه المفاوضات. والأهم، أن التفاوض لم يعد مطلباً أو هدفاً بحد ذاته، بل بات ضمن الاستراتيجية والمصلحة الإيرانية، بما يعود بالمنفعة على طهران.

اخترنا لك