حل المجلس الأعلى للقضاء في تونس.. خيار سياسي أو إجراء قانوني؟
قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد الأخيرة المتعلقة بالمجلس الأعلى للقضاء أثارت جدلاً واسعاً حول قانونيتها وشرعيتها وخلفياتها السياسية.
مثّل مسار 25 تموز/يوليو نقطة فارقة في تاريخ تونس، وقسّم الشارع التونسي بين مؤيد ومعارض للإجراءات التي اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيّد، من ضمنها تجميد البرلمان التونسي ورفع الحصانة عن النواب.
ردود فعل متباينة
وتعددت ردود الأفعال الشعبية والسياسية و النخبوية حول تلك القرارات، فمنهم من اعتبر أنها محاولة لإصلاح الأمور و تصويبها من داخل النظام بعد الأزمة السياسية التي عصفت في البلاد. ومنهم من رأى فيها انقلاباً على الشرعية و الدولة ومكتسبات ثورة 2011.
وجاءت قرارات سعيّد الأخيرة المتعلقة بالمجلس الأعلى للقضاء في ذات السياق، حيث أثارت جدلاً واسعاً حول قانونيتها وشرعيتها وخلفياتها السياسية. وقال الرئيس التونسي إنه "قرّر حل المجلس الأعلى للقضاء، وهو الجهاز الذي يعنى باستقلالية القضاء"، معتبراً أنّ "المجلس أصبح من الماضي". وكان قد كرر بأنّه لن يسمح بأن تكون هناك "دولة للقضاء بل هناك قضاء الدولة".
حزب التيار الشعبي وحركة الشعب وحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد رأوا أن هذه الخطوة هي عبارة عن استجابة جزئية لمطالب التونسيين و يجب أن يتم إلحاقها بخطوات أكثر بنفس المبدئية و الجدية من أجل الدفع بمسار المحاسبة نحو الأقصى.
هذا واعتبر كل من حزب التيار الديمقراطي والتكتل و الحزب الجمهوري وحزب العمال أن حل المجلس الأعلى للقضاء مرفوض تماماً، داعيين إلى التصدي لهذه المحاولة التي قالوا إنها "تخضع القضاء لسلطة الانقلاب". أمّا حركة النهضة التونسية فأعلنت "رفضها القاطع لقرار الرئيس قيس سعيّد حل المجلس الأعلى للقضاء"، واصفة القرار بـ"اللادستوري".
عواينية: المجلس الأعلى للقضاء ولد مشوهاً من البداية
خالد عواينية عضو هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد براهمي، قال في حديثٍ للميادين نت إن "المجلس الأعلى للقضاء، كغيره من المؤسسات الدستورية والمنظمات كالهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب و الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، عملية ابتزاز للدول و تركيع لسيادتها". وأضاف أن تلك المؤسسات تشكلت "بطلب من الاتحاد الاوروبي من أجل خدمة مشاريع الأخير في تونس، وكان هذا استجابة فقط استجابة لطلبهم".
وأشار عواينية إلى أن "المجلس الأعلى للقضاء ولد مشوهاً من البداية، باعتبار أن نشأته كانت في ظروف غامضة غلب عليه الطابع الانتهازي بما فيه من ترضيات وتسويات ومحاصصة حزبية كانت سنداً قانونياً لحكومة حركة النهضة الإخوانية".
ولم يقم المجلس وفق عواينية "بأي نشاط فعلي طوال فترة وجوده، بل أن النشاط كاد يكون تكميلياً و استشارياً لعمل وإجراءات دأبت وزارة العدل على القيام بها منذ الاستقلال".
وتابع: "حتى أن المجلس سمح لنفسه بأن يخرق جميع التشريعات و القوانين وأن يسند منحاً و امتيازات لأعضائه دون المرور بالإجراءات المعروفة، عبر وزارة المالية" .
وتحدث عواينية عن أن المجلس سعى إلى" طمس معالم ملف بشير العكرمي الذي يعتبر الغطاء القضائي لحزب حركة النهضة"، لافتاً إلى أن المجلس قام بـ"التعتيم على الملف وسخّر من أجل هذا كل الإمكانيات، المادية و البشرية، لأن حركة النهضة لها أنصارها داخل المجلس أيضاً".
عضو هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد براهمي، شدد على أن "رئيس الجمهورية فتح باباً لتحرير القضاء"، قائلاً: "المجلس الأعلى للقضاء هيئة سياسية تابعة لتنظيم الاخوان المسلمين"، وفق تعبيره.
بن غازي: قيس سعيد ينفرد بالسلطة
في نفس الإطار، قال الناشط السياسي و الحقوقي سامي بن غازي في حديث للميادين نت إن "دوافع حل المجلس الأعلى للقضاء كانت من أجل المزيد من تمكين الرئيس قيس سعيّد في أجهزة الدولة وسيطرته على مفاصلها، في سير مباشر نحو الانفراد بالسلطة".
وأضاف بن غازي أن حل المجلس الأعلى للقضاء يجعل من المسار الاستثنائي مساراً دائماً، و هو عملية ممنهجة لضرب استقلالية القضاء وتدجينه".
وأشار بن غازي إلى أن ذلك "قد يؤثر على وجود تونس على طاولة مفاوضات صندوق النقد الدولي، خاصة أن الدول الـ7 التي أصدرت بياناً اليوم أعربت فيه عن قلقها ازاء استقلالية القضاء في تونس، هي دول محددة في مسار التداين و المفوضات"، مما سيؤثر وفق بن غازي، على "الوضع الاجتماعي والاقتصادي في تونس".
المباركي: حل المجلس هو نتيجة لـ"مغالطة" قام بها رئيس الجمهورية
في المقلب الآخر رأت رئيسة اتحاد القضاة الإداريين رفقة المباركي، أن حل المجلس الأعلى للقضاء يعبّر عن "هدم لمؤسسات الدولة" وستكون له "تأثيرات على اقتصاد تونس و فرص تمكنها من الاقتراض".
وأضافت المباركي أن حل المجلس هو نتيجة لـ"مغالطة" قام بها رئيس الجمهورية "والتي توجه فيها للشعب التونسي في مناسبات عديدة ليحرّض المواطنين على القضاء". كما اعتبرت أن "الرئيس سعيّد قد استأثر بكل السلطات بيديه مما سينعكس بشكل مباشر على الوضع الاجتماعي والاقتصادي".
وقالت المباركي إن "إشكاليات القضاء لا تتمثل في المجلس الأعلى للقضاء بل في السلطة التنفيذية التي أرادته أن يكون تحت سلطتها"، معتبرةً أن "هذه خطوة تعود بالبلاد إلى ما قبل عام 2011، وهي تكريس للديكتاتورية و القمع و استحواذ رئيس الجمهورية على مرافق العدالة واستخدامها كأداة لتصفية الخصوم السياسيين".
ويذكر أن المجلس الأعلى للقضاء تأسس أول مرة عام 1967، وتم استبداله بـ"الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء" عام 2013، لينشأ أخيراً بصفة مغايرة تماماً عام 2016، ومن مهامه تعيين 4 أعضاء في المحكمة الدستورية واقتراح الإصلاحات الضرورية لضمان حسن سير القضاء واحترام استقلاله، و من صلاحياته كلّ ما يخص سير العمل القضائي في نطاق اختصاصه.