"حرب داخلية".. فرنسا أمام موجة من الإضرابات والاحتجاجات
عمال وموظفون في مصافي النفط وقطاعات أخرى في فرنسا يصعدون من إضرابهم احتجاجاً على التضخم والغلاء وسياسات الحكومة، ما ينقل البلاد إلى حال وصفت بـ"الجلطة القلبية".
"فرنسا على ركبتيها"، بحسب تعبير اختصاصي مراقبة الأوضاع الاجتماعية - الاقتصادية. التعبير يعكس الشلل والجمود في مناحي حياة الفرنسيين، بعد أكثر من أسبوع على إضراب عمال وموظفي مصافي النفط، وانضمام قطاعات أخرى إلى الاحتجاجات المشتعلة ضد التضخم والغلاء وسياسات الحكومة.
احتجاجات انضمت إليها أحزاب اليسار جميعها، التي كانت تتحضر منذ أشهر لمواجهة عهد إيمانويل ماكرون في الشارع والبرلمان، وأعطت المطالب الاجتماعية خلفيات سياسية عاصفة، إذ هتف المشاركون في المسيرة الكبرى في باريس، أمس الأحد، للخروج من ورطة الحرب الأوكرانية ووقف المساعادت الهائلة لكييف لمصلحة إنقاذ الفرنسيين من مسلسل الانهيار الاقتصادي والاجتماعي.
نقابات عمال مصافي النفط التي تخلى عنها زملاؤها في النقابات المقربة من اليمين لم تتراجع عن الإضراب، بل فتحت نسقاً إضافياً جديداً من الاحتجاجات في المواقع النووية المنتجة للكهرباء، ومعها قطاعات النقل والمواصلات والصحة والموظفين.
وبذلك، انتقل التحدي مع الشركات والحكومة إلى مستوى غير مسبوق في فرنسا، في ظل أزمة خانقة سببتها تداعيات الأزمة في أوكرانيا على الاقتصاد الأوروبي بشكل شامل.
ما يحصل "جلطة قلبية"، بحسب تعبير صحيفة "الفيغارو". وفي رأي صحيفة "لوموند"، فإنّها "حرب داخلية"، لكن التوصيفات ربما ستعجز عن ابتكار مصطلحات جديدة أكثر تعبيراً عن الواقع يوم الثلاثاء المقبل، مع الإضراب العام الذي تنضم إليه المزيد من النقابات والمنظمات الشبابية والجامعية والطبية.
ومن المقرر أن يمثل الإضراب تحولاً فاصلاً في إيجاد تسوية أو دخول البلاد في الفوضى التي لا تَني معالمها تضرب مفاصل الإنتاج والحياة المعيشية للفرنسيين، فيما تدفع الحكومة إلى مأزق عميق قد يكون الخروج منه تلبية لدعوات المتظاهرين في ساحات باريس بالاستقالة، على الرغم من استحالة خطوة مماثلة، لما تعنيه من هزيمة ساحقة لإيمانويل ماكرون.
لذلك، لدى الحكومة يوم واحد قبل دخول الإضراب الشامل حيز التنفيذ غداً الثلاثاء، لإيجاد مخرج مع شركات الطاقة يرضي العمال، وآخر يلبي توجهات اليسار الذي لم يعد يريد زيادة على زيادة الأجور ووضع سقف للأسعار وخطة واضحة لمواجهة تدهور المناخ، بل معالجة جذور الأزمة التي تعيشها فرنسا.
وتكمن الأزمة، في رأي اليسار، في السياسات المتهورة التي يقودها إيمانويل ماكرون منذ ولايته الأولى، والتي ألحقت فرنسا بالولايات المتحدة، ما ورطها في حرب أوكرانيا وتهور حلف الناتو، اللذين قصما ظهر البعير، ونقلا فرنسا وأوروبا عموماً إلى كارثة تتسع مع الأيام.