تقييم استخباراتي أميركي يشكّك بنتائج هجوم الربيع
يعد النقص في الذخيرة مشكلة كبيرة لأوكرانيا، حيث اشتكى جنود في الميدان من أنّ ما لديهم الآن يكفي فقط لصد الهجمات اليومية ولكن ليس للهجوم المضاد.
في الوقت الذي لم تستفق القيادة العسكرية الأوكرانية بعد من صدمة فضيحة الوثائق الاستخباراتية الأميركية السرية (للغاية) والتي تحدّثت عن مخاوف عميقة بشأن مسار "الحرب" وقدرة كييف على شن هجوم ناجح ضد القوات الروسية، تلقّت كييف ضربة جديدة على الرأس في غضون مدة قصيرة، ـسيكون وقعها أشدّ وأكثر إيلاماً بلا شك. بعدما كشف مسؤولون أميركيون في تقييم سري أجراه مجلس الاستخبارات الوطني في الأيام القليلة الماضية، أنّ احتمالات التوصل إلى نتيجة متواضعة في هجوم الربيع تعززت لديهم أكثر فأكثر أيضاً.
اللافت أن هذا التقييم (جاء بعد تسريب الوثائق السرية)، والذي يوضح حقيقة مختلفة عن قدرات الجيش الأوكراني المتدنية، التي لطالما حرص المسؤولون في هذا البلد على طمسها. وسيزعزع ثقة الرأي العام الأوكراني "الموعود بالنصر" بمسؤوليه وجيشه ــــ
تقاطع التقييم مع وصف الجيش الأميركي وحلفائه الآخرين الجهود المقبلة لاستعادة الأراضي التي احتلتها روسيا هذا الربيع، بأنها محاولة ناجمة عن الفشل. كما تطابق مع اعترافات لمسؤولين كبار، وعناصر في الجيش الأوكراني حول الصورة المأساوية والمصاعب التي يواجهونها في الميدان على المستويات العسكرية والتسليحية والتدريبية واللوجستية كافة.
ماذا يتضمّن هذا التقييم، وكيف تم التوصل إلى هذه النتائج؟
في الواقع، وجد التقييم، الذي تمّ اطلاعه مؤخراً على مجموعة مختارة من الأشخاص في الكابيتول هيل، أنه من غير المرجح أن تستعيد أوكرانيا أكبر قدر من الأراضي كما فعلت كييف في الخريف الماضي، عندما حقّقت الأخيرة اختراقات في الشرق والجنوب، وفقاً لمسؤولين أميركيين مطلعين على الأمر.
تعود قصة هذا الاستنتاج الى الأسابيع التي تلت صياغة الوثائق المسرّبة، حيث كان المسؤولون الأميركيون أجروا محادثات مع القادة الأوكرانيين للتأكد من أن طموحات كييف للهجوم تتناسب مع قدراتها.
واستناداً لهؤلاء المسؤولين (تحدّثوا إلى صحيفة الواشنطن بوست بشرط عدم الكشف عن هويتهم للمناقشة) نظراً لحساسية المسألة. إذ حدث تبادل في الآراء رفيع المستوى في منتصف آذار/مارس الماضي خلال مكالمة بين كل من: الجنرال مارك أ. ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، وجيك سوليفان مستشار الرئيس للأمن القومي، ووزير الدفاع لويد أوستن، ونظرائهم الأوكرانيين.
أكثر من ذلك، أجرى الجنرالات الأميركيون عملية محاكاة (على الطاولة) مع قادة عسكريين أوكرانيين لإظهار كيف يمكن أن تحدث سيناريوهات هجومية مختلفة، واكتشاف العواقب الأقلّ ضرراً لنشر القوات، وتوصّلوا إلى خلاصة مفادها، أنّ ذلك قد يؤدي إلى تمديد خطوط الإمداد إلى أبعد مما ينبغي، فضلاً عن صعوبة الاحتفاظ بالأراضي المستعادة أثناء محاولة التوغّل أكثر في "المناطق التي تسيطر عليها القوات الروسية.
ما يجدر التوقّف عنده، أنّ جميع الأطراف (خرجت من تلك المحادثات، ولديها قناعة أن أوكرانيا بدأت في فهم حدود ما يمكن أن تحقّقه في الهجوم وأن تستعد وفقاً لذلك، على ذمة الجنرالات أعلاه. أما النتيجة الأهم التي خلص إليها الطرفان الأميركي والأوكراني، فإنه من غير المرجح أن يحدث قطع الجسر البري الذي يصل منطقة القرم، بالأراضي الروسية، كما أفصح هؤلاء الأشخاص.
من هنا، فإن ما تأمله الولايات المتحدة فقط من هذا الهجوم، هو أن المكاسب الإضافية يمكن أن تهدّد على الأقل التدفّق الحر للمعدات والأفراد الروس في ذلك الممر، والذي يعدّ بمثابة شريان حياة للقوات الروسية.
هل تتطابق معلومات الوثائق المسرّبة حول الضعف الأوكراني مع الوضع الحالي في الجبهة؟
عملياً، لم يشكّك مسؤول أوكراني كبير في ما تم الكشف عنه في الوثيقة المسرّبة، راداً الأمر إلى التراكم اللوجستي الذي أدى إلى إبطاء عمليات التسليم الموعودة للمساعدات الغربية. وإذ اعترف بأن"هذا صحيح جزئياً"، لكن الجزء الأكثر أهمية بنظره، "هو تأخير الأنظمة الدفاعية والهجومية الموعودة بالفعل، مما انعكس سلباً على مستوى تأجيل تدريب الألوية المشكلة حديثاً والهجوم المضاد ككل".
وهنا لا بدّ من التذكير أنّ دولاً عديدة، بما في ذلك الولايات المتحدة، كانت أرسلت دبابات قتالية ومركبات مدرعة أخرى إلى أوكرانيا، ولكن فقط بعد مماطلة وتسويف، إلى حد بدا أن هذه البلدان قامت بذلك مكرهة، مما أثار انتقادات من كييف وأشد داعميها في أوروبا الشرقية. وأمام تلك الضغوطات سرّعت واشنطن خططها لإرسال كتلة من دبابات من طراز "أبرامز"، لكن التسليم سيكون بعد شهور.
بالمقابل وفي إقرار غير مباشر بمطابقة الخطط العسكرية الأوكرانية على الأرض، مع ما جاء بالوثائق، أوضح مسؤول أوكراني كبير آخر، أنه من غير المرجح أن تضرّ الوثائق بالهجوم المضاد المخطّط له. فالجميع برأيه يعرف أن ذخيرتنا منخفضة، الرئيس ووزير الدفاع يتحدثان عن ذلك علانية. وأضاف "كان من الواضح للجميع منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أن الهجوم المضاد المقبل سيركّز على الجنوب، أوّلاً ميليتوبول، ثم بيرديانسك. أما المكان- فيمكننا تغيير ذلك في الأسبوع الذي يسبق الهجوم.
وما هو الوضع الحالي على الجبهة الأوكرانية؟
صحيح أنّ الغرب أرسل إلى أوكرانيا أسلحة ومعدات عسكرية بقيمة عشرات المليارات من الدولارات، لكن ما يعرفه العديد من القادة الأوكرانيين وجيشهم بالفعل، هو أن القتال الصعب ضد روسيا استنفد القوات والمعدات الأوكرانية، مما يجعل الحرب كل يوم تسجّل ميزة للجيش الروسي الأكبر، الذي عزّز دفاعه عن شبه جزيرة القرم بشبكة كثيفة من التحصينات وخطوط الخنادق تحسباً واضحاً لمثل هذه العملية.
ولهذه الغاية، يرسم المسؤولون في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن صورة قاتمة للميدان الأوكراني، فالجنود منهكون تماماً، وهذا الأمر دفع كييف للتوجّه إلى سكانها لتعبئة مقاتلين إضافيين، وفي بعض الأحيان أُوكِلَ المكلّفون بهذا الملف، بإيقاف الرجال في الشارع لتسليمهم مسوّدات الأوراق.
ليس هذا فحسب، فقد اشتكى الأفراد العسكريون في الميدان في الأسابيع الأخيرة من ضعف تدريب القوات التي تم حشدها حديثاً والتي تصل إلى الخطوط الأمامية. وتبعاً لذلك قال مسؤول أميركي إن الوضع في ساحة المعركة الآن قد لا يعكس صورة كاملة للقوات الأوكرانية، لأن كييف تدرّب القوات للهجوم المضاد المقبل بشكل منفصل، وتعمد إلى إبعاد هؤلاء عن القتال الحالي الدائر، بما في ذلك الدفاع عن باخموت.
وماذا عن مشكلة النقص بالذخيرة؟
أقرّ جنود أوكرانيون أنّ الوحدات العسكرية تحرق مستويات تاريخية من ذخيرة المدفعية وبدأت تقنين القذائف. وتبعاً لذلك، أشار رجال المدفعية الذين يدعمون العمليات في مدينة باخموت المحاصرة، إلى أنّ مدافع الهاوتزر السوفياتية القديمة أقل دقة من المدافع الغربية، ممّا يتطلّب منهم إطلاق المزيد من النيران واستهلاك معداتهم بشكل أسرع.
وبناء على ذلك، يعد النقص في الذخيرة مشكلة كبيرة لأوكرانيا، حيث اشتكى جنود في الميدان من أن ما لديهم الآن يكفي فقط لصد الهجمات اليومية ولكن ليس للهجوم المضاد. وهذا بدوره يزيد المخاطر بالنسبة لأوكرانيا لاستعادة الكثير من الأراضي قريباً لأن حرباً طويلة من المرجح أن تكون لصالح روسيا، خصوصاً وأنّ مسؤولين أميركيين، كشفوا عن أن الصين تدرس إرسال قذائف روسية من عيار 122 ملم و 152 ملم، وبالتالي، إنه إذا حدث ذلك برأيهم، "فقد يغيّر مسار الحرب بشكل كبير".
بموازاة ذلك، قال روب لي، المحلّل العسكري في معهد أبحاث السياسة الخارجية "هذه حرب مدفعية في نهاية المطاف، لذا أياً كان الجانب الذي لديه المزيد من قذائف المدفعية أو يمكنه إنتاج المزيد منها والحفاظ على هذا المدى الطويل، فستكون له ميزة كبيرة". وأشار إلى أن "توفّر ذخيرة المدفعية هو أحد أهم العوامل الفردية في هذه الحرب".
وعلى المنوال ذاته، أقرّ الكولونيل الجنرال أولكسندر سيرسكي، قائد القوات البرية الأوكرانية، بأن القوات الروسية تواصل إطلاق النار بكثافة على المواقع ذات الأولوية على الجبهة".
في المحصّلة، وإزاء هذا المشهد المأساوي للقوات الأوكرانية، إن احتمال ضخ مليارات الدولارات في مأزق عسكري مع مكاسب إضافية فقط في اتجاه أو آخر، يمكن أن يضعف عزيمة داعمي كييف في أوروبا والولايات المتحدة، وربما يزيد من حدة الدعوات لإجراء مفاوضات بين كييف وموسكو.