تفاصيل يرويها رفيق دربه.. كيف منعت الحاجة أم راغب حرب محاولة لاغتيال ابنها؟
كيف ساهم والدا الشيخ راغب وعائلته في نشأته، وماذا كان دور الحاجة أم راغب بشكل خاص في احتضان الشيخ واستقبال العلماء والمقاومين؟ وما هي طبيعة العلاقة التي جمعته بالسيد الشهيد محمد باقر الصدر؟ تفاصيل تروى لأول مرة عن حياة الشيخ في مقابلة مصورة مع الميادين نت.
تزامنت أجواء الذكرى الأربعين لتأسيس المقاومة الإسلامية في لبنان، والتي لعب الشيخ الشهيد راغب حرب دوراً أساساً في انطلاقتها وتأسيس نواة العمل الإسلامي المقاوم جنوبي لبنان، جعلت ذكره حاضراً في مختلف لحظاتها المفصلية ومناسباتها كـ"شيخ شهداء المقاومة الإسلامية"، مع وفاة الحاجة أم راغب حرب، والدة الشيخ الشهيد وإحدى الشخصيات الاستثنائية من الأمهات اللواتي مثّلن الجيل الحاضن لانطلاقة المسيرة الجهادية التي هزمت الاحتلال وحررت لبنان عام 2000.
وقد أجرى موقع الميادين نت مقابلة مصورة مع د. نسيب حطيط، رفيق درب الشيخ راغب وأحد المعاصرين لانطلاقة المقاومة الإسلامية من بلدة جبشيت، مسقط رأس الشيخ الشهيد، ومحيطها من قرى محافظة النبطية، وهو كذلك صاحب كتاب يؤرخ لسيرة شيخ شهداء المقاومة ومسيرته النضالية ضدّ الاحتلال، ويروي تفاصيل المراحل الأولى التي كان الشيخ راغب حرب أحد أبرز الشخصيات التي لعبت دوراً مفصلياً في قيادتها.
بدأ حطيط كلامه عن الشيخ بأنّ "كثيرين يستغربون بأنّ الشيخ راغب استشهد بعمر 32 عاماً، بينما يعتقدون أنّه استشهد بعمر 50 أو 60 عاماً بسبب ما يعرفونه ويسمعونه عن شخصيته وانجازاته ونشاطه الميداني على المستويات التعبوية الدينية والمقاومة الميدانية"، لكنه يؤكد أنّه "لمعرفة الشيخ راغب حقيقة يجب معرفة أين نشأ الشيخ راغب".
وأشار حطيط إلى دور عائلة الشيخ في نشأته، فمنزل والده الحاج أبو راغب كان محطة استقبال ونزول لقياديي العمل الديني في لبنان، سواءً الإمام موسى الصدر أو الشيخ محمد مهدي شمس الدين أو السيد محمد حسين فضل الله،بحيث أنّ بيت والد الشيخ كان، على صغره، محل إقامة لهؤلاء العلماء عندما يصلون إلى الجنوب.. هذا فضلاً عن كون أقرباء الشيخ من القادة العسكريين الأوائل لحركة أمل مع الإمام موسى الصدر.
وتحدّث عن مرحلة دراسة الشيخ راغب حرب في الحوزة العلمية لمدينة النجف وإقامته في العراق، والتي "ساهمت في اكتمال شخصيته"، كاشفاً أنّ الشيخ كان واحداً من أربعة طلاب علم لبنانيين كانوا يشكلون ما سمّي بـ"مجموعة السيد محمد باقر الصدر" التي كانت مجموعته الخاصة التي تلتقيه بشكل شبه يومي، وأنّ الشيخ "عمل بشكل ميداني" في العراق، وتمّت مطاردته مما اضطره إلى العودة إلى لبنان.
الحاجة أم راغب: الأم المربّية والمقاوِمة الصابِرة
ولفت حطيط إلى أنّ المخابرات العراقية لم تترك الشيخ بعد سفره من العراق، إذ أرسلت أحد عناصرها الأمنيين بهدف اغتياله في لبنان، وبعد أن عرف أنّ الشيخ يؤوي في منزل والديه المطاردين من النظام العراقي آنذاك، قدّم نفسه على أنه أحد الفارين المطلوبين للمخابرات العراقية، فأقام في منزل الشيخ في جبشيت مدة شهر بقصد اغتياله، ولكنّ إقامته في المنزل بين والدي الشيخ، واحتضان الحاجة أم راغب للعنصر العراقي وإكرامها له كأنه أحد أبنائها، جعلته يتأثر بأجواء البيت، فكتب رسالة قبل فراره يعتذر فيها عن نيته السابقة قتل الشيخ، ويطلب منه أن يحذر من محاولات اغتياله.
وأشار إلى مستوى صبر الحاجة أم راغب على صعوبة الحياة والفقر والمواقف الصعبة التي تعرضت لها، إلى سماعها نبأ شهادة ابنها ملطخاً بدمائه، فضلاً عن استشهاد أخ الشيخ راغب، الشهيد عبدالله حرب، وقريبها الشهيد ماهر حرب الذي استشهد في تفجير عين البنية، موضحاً أنّ هذا يظهر كيف أنّ بيت الشيخ كان "بيتاً مؤمناً متديناً مقاوماً"، وكانت أجواؤه تنتج هذا النوع من الشخصيات.
ولم يقف نضال الحاجة أم راغب عند شهادة ابنها الشيخ، إذ أنّ صبرها بعد شهادة الشيخ طوال 40 عاماً مثّل إحدى أبرز محطات النضال في حياتها، والتي وظّفتها في العمل على تعبئة المقاومين وعائلاتهم دينياً ومعنوياً، و"شكّلت دعوة مستمرة ومزاراً للناس، فأكملت رسالة ابنها الشهيد عبر المقاومة الإعلامية والثقافية المكمّلة لمقاومة الشيخ الدينية والعسكرية".
"كيان الاحتلال شوك طريّ.. سارعوا لأكله"
وذكّر حطيط بخطبة للشيخ راغب حرب في حسينية بلدة الدوير، في المراحل الأولى للاحتلال الإسرائيلي للبنان، قال فيها إنّ "إسرائيل" هي الآن بمثابة "الشوك الطريّ على جنب الطرقات، ويجب أن يغتنم الجنوبيون الفرصة لقطف هذه الأشواك وهي طرية، قبل أن تتحول إلى شوك قاسٍ ويحتاج الأمر إلى أدوات قد لا تكون متيسرة وتصعّب الأمر"، مشيراً إلى قوة بيان الشيخ وبلاغته في خطاب المجتمع الجنوبي الذي كان معظم كباره ونسائه يعتاشون من الفلاحة، وفي نفس الوقت كان يقدّم الفكرة في صورة بيانية يفهمها المثقفون من الشباب، فيسارعون إلى قتال الاحتلال والانخراط في المقاومة.
وروى أنه "في الأسبوع الأول من الاحتلال كان هناك اجتماع في جبشيت في منزل الشيخ عبد الكريم عبيد ونقاش محتدم بشأن مستقبل الاحتلال الإسرائيلي وهل سيكون هناك احتلال دائم مثل الضفة وغزة المحتلتين أم أنّ لدى الاحتلال خططاً أخرى.. فاقتحم الشيخ الاجتماع وقال بوضوح أنّ المفروض هو أن نفكّر في تحرير فلسطين،لأنّه لا بقاء لـ"إسرائيل" في لبنان، ويجب التفكير في موعد وصولنا إلى القدس"، وذلك بالرغم من أنّ الاحتلال كان ما يزال في بيروت؛ وتابع حطيط: "خلال الاجتماع دقّ الباب.. خرج الشيخ دقائق وعاد وأكمل سهرته.. وبعد 3 ساعات، كانت أول عملية ضدّ الاحتلال بين بلدتي الدوير وحاروف".
وختم حطيط كلامه عن الشيخ بقصة أنّ أحد رجال البلدة كان يزرع بعض الشجر بمعاونة الشيخ قبل الاجتياح، فشدّد بشكل لافت على ضرورة أن يلتزم الرجل بريّها والاهتمام بها، فسأل الشيخ راغب عن سبب تشدده في الطلب، فما كان إلا أن قال له: "هذه الأشجار قد تفيدنا أن نتستّر تحتها عندما تحصل معركة بيننا وبين الصهاينة"، مؤكداً أنّ الشيخ راغب حرب بتاريخه النضالي المقاوم ضد الاحتلال، والذي لم يتجاوز ال 32 عاماً، مثّل شخصيةً من أبرز الشخصيات التي صنعت المقاومة.