تجميع قوات "الناتو" في قاعدة كونستانتا الرومانية إجراء احتياطي أم مقدِّمة للتورّط؟
في أفق الصراع المفتوح في أوكرانيا، تتّجه دول "الناتو" نحو الزجّ بمزيد من القوات والسلاح في المناطق المتاخمة لمسرح العمليات العسكرية في أوكرانيا.
راكَمَ قادة الأطلسي، على مدى الأيام، إجراءات استفزازية، عبر تحويلهم رومانيا وبولندا إلى ترسانة من السلاح والعسكر، كمنطلق لعمليات عسكرية مستقبلية، في حال خرجت الأمور عن السيطرة مع موسكو.
في هذه الأثناء، لا مناص من التأكيد أن الوجود العسكري الأطلسي المتصاعد، عند حدود أوكرانيا، بدأ يمثّل قاعدة خلفية للقوات الأوكرانية من أجل تزويدها بكل ما تحتاج إليه من أسلحة واستشارات ميدانية واستراتيجية، بالإضافة إلى تسهيل عبور الآلاف من المقاتلين الأجانب إلى الداخل الأوكراني، للمشاركة في القتال، وربما في عمليات أمنية خاصة.
صحيح أن أعضاء الحلف الأطلسي رفضوا، يوم الجمعة الماضي، فرض "منطقة حظر طيران" فوق أوكرانيا، خوفاً من التصعيد مع موسكو، لكن، في الوقت نفسه، تجمّعت القوات العسكرية لحلف شمال الأطلسي في رومانيا، حيث توجد قاعدة كونستانتا الجوية الكبيرة، والمطلة على شواطئ البحر الأسود، في مقابل مناطق القتال في أوديسا.
في الواقع، يُعَدّ هذا الانتشار مهماً جداً بالنسبة إلى قيادة الناتو، التي تحتاط من تدهور الأوضاع في أوروبا واحتمالات الانزلاق إلى مواجهة واسعة، كما هو مهم بالنسبة إلى بوخارست، التي تشترك في 650 كيلومتراً من الحدود مع أوكرانيا. وتم تعزيز قوات الناتو قبل شهر في رومانيا، بحيث ضاعف الجيش الأميركي أعداده إلى 2000 جندي، يتمركزون هناك، ووصلت التعزيزات الفرنسية الأولى، وقوامها 250 من صيادي جبال الألب، في نهاية شباط/فبراير، مع مركَبات مدرعة وعربات قتالية، بعد أيام قليلة فقط من بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وتستمرّ القوة الفرنسية، التي ستتولى زمام القيادة في العمليات كإطار عمل، في الانتشار: هناك 500 منها انتقلوا، يوم الأحد، الـ6 من آذار/مارس، وهبطت من أجل استقبالهم وزيرةُ القوات المسلحة الفرنسية، فلورنس بارلي، في قاعدة الناتو الجوية. وتقترب حاملة الطائرات، شارل ديغول، أيضاً من هذه المنطقة، بينما تظل ترابض في البحر الأبيض المتوسط، من أجل السماح للمقاتلين الفرنسيين بتنفيذ مُهمّات الاستطلاع والردع.
"نريد أن نرسل رسالة رادعة إلى روسيا، حتى لا تتخذ خطوة أخرى، ولا تتجاوز هذا الحد، وهو الحلف الأطلسي. فنحن دول مرتبطة بميثاق تضامن، وروسيا تعرف أنه إذا تعرّض أحدنا للهجوم، فإن الحلف بأكمله سيردّ"، بحسب ما حذّرت وزيرة القوات المسلحة، فلورنس بارلي، لـ"فرانس إنفو"، وقالت: "لقد نشرناها (القوات) لأننا مدينون بالمساعدة والتضامن تجاه الدول التي تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي، والتي تنتمي إلى الحلف الأطلسي، و(التي هي) الأقرب إلى هذا الصراع".
وعزّز الألمان والإيطاليون والبولنديون والهولنديون والبلجيكيون وجودهم العسكري. وتمّ تركيز القوات كلها في البداية في قاعدة الناتو الكبيرة في كونستانتا، في جنوبي شرقي رومانيا، والتي تبعد ساعتين بالسيارة عن منطقة الصراع الأوكرانية. وأكد وزير الدفاع الروماني أن رومانيا تقف عند خط المواجهة، وأن القوات الفرنسية سيكون لها دور متزايد تؤدّيه هنا.
لا أحد يمكن أن يتوقع استراتيجية الأطلسي تجاه روسيا مستقبلاً، لكن موسكو، التي تراقب حركة القوات الأطلسية في الميدان، ترسل تحذيراتها، يوماً بيوم وخطوةً بخطوة. همُّ موسكو الأول بقاءُ الحلف الأطلسي بعيداً عن ساحات القتال، في البر والجو والبحر. والقوات التي تتمركز في رومانيا وبولندا هي تحت عين الجيش الروسي، والقرار الروسي متَّخَذ مسبَّقاً بمواجهة أي حراك عسكري أطلسي داخل أوكرانيا، وربما يتم تنفيذ قرار التصدي للقوافل العسكرية التي تُرسَل إلى كييف، في اللحظة التي تمثّل تهديداً لأمن القوات الروسية.