بين المحيط الهندي وغرب آسيا.. ما الذي أرادت إيران إيصاله للعدو والحليف؟
الردّ الإيراني على اغتيال قادة محور المقاومة والأعمال الإرهابية في إيران، له عدّة رسائل واضحة في توقيته وحيثياته إلى "إسرائيل" والولايات المتحدة، وإلى محور المقاومة في الوقت ذاته. ماذا في هذه الرسائل؟
بعد أيام من بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، سارع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، إلى تحذير الولايات المتحدة، ومعها الكيان الإسرائيلي من "توسيع الحرب" إلى الإقليم، لما يترتب عليه من نتائج خطيرة.
استمرت الرسائل التحذيرية وتكررت من طهران، إلى أن خرج الأمر من السياق الدبلوماسي نحو فعل عسكري، أخذ منحىً تكتيكي، في الوقوف إلى جانب المقاومة الفلسطينية في غزة، ومنحى استراتيجي، يؤكد بأنّ إيران تتسع قدراتها في الإقليم مع محور المقاومة، من المحيط الهندي وباب المندب وصولاً إلى غرب آسيا.
مصادر الميادين، كشفت قبل ساعات أنّ حرس الثورة في إيران، هو الذي يقف وراء استهداف السفينتين الإسرائيلتين في المحيط الهندي في الرابع من شهر كانون الثاني/يناير الجاري، وذلك في سياق الرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروي، وأيضاً المستشار العسكري الإيراني في سوريا العميد رضي موسوي.
وإن عدنا في التاريخ، فإنّ هذا الاستهداف هو أوّلى الردود على اغتيال قادة المقاومة، ولذلك، فإنّه يُمثّل رداً هاماً جداً، لأنّه يُعدّ الباب الذي دخلت منه إيران إلى ساحة المعركة عسكرياً، بعد أشهر من التحذيرات من توسيع الجبهات.
فمنذ بدء معركة "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ودخول جبهات الإسناد في لبنان والعراق واليمن وسوريا على خط المواجهة، عملت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على دعم موقف محور المقاومة في إسناده للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في المحافل الدولية، وإرسال رسائل تحذيرية إلى "إسرائيل" والولايات المتحدة، من اندلاع حرب شاملة مع تواصل العدوان على القطاع، وإذا ما تماديا في العدوان على المنطقة ككل.
لكن الرسائل التحذيرية والعمل الدبلوماسي تحولتا من قولٍ في المحافل الدولية، على أهميّته، إلى فعلٍ على أرض الواقع، إذ استهدف حرس الثورة الإسلامية، قبل يومين أيضاً، مقار لجواسيس الموساد في إقليم كردستان العراق، ومقراً لتجمع قادة وعناصر إرهابيين في سوريا، على علاقة بالاعتداءات الإرهابية الأخيرة في كرمان، ولا سيما خلايا "داعش" الإرهابية.
الاستهدافات تضمنت إطلاق 24 صاروخاً بالستياً توزعت كالتالي: 4 صواريخ من طراز "خيبر شكن" من خوزستان إلى مقار التكفيريين في إدلب، و4 صواريخ من غرب إيران و7 صواريخ أخرى من شمال غربي إيران نحو مقار الموساد في إقليم كردستان العراق، و9 صواريخ متنوعة على مقار المجموعات الإرهابية في مناطق سورية.
نقطة التحوّل في الاستراتيجية الإيرانية في التعامل مع التطورات الإقليمية، تحقّقت بعد اغتيال موسوي، أواخر كانون الأول/ديسمبر، واغتيال العاروي في 2 كانون الثاني/يناير، وبعدها بيوم تبني تنظيم "داعش" التفجيرين الإرهابيين الذين استهدفا المواطنين الإيرانيين الذين يحيون ذكرى استشهاد القائد قاسم سليماني في كرمان.
وكان من الواضح من هذه الاغتيالات، محاولة "إسرائيل" والولايات المتحدة، وأذرعها في المنطقة، استهداف كل من كان له يد في ربط وهندسة وحدة ساحات محور المقاومة، والتي تجسّدت على أرض الواقع بشكل فعّال وواضح وجلّي، بحيث إنّها أوجعت الإسرائيلي والأميركي على السواء، مع بدء معركة "طوفان الأقصى" في غزة، ليأتي الردّ الإيراني على اغتيال قادة محور المقاومة وتفجيري كرمان في استهداف كل من كان له يد في ذلك في سوريا والعراق والمحيط الهندي.
رسائل إيران إلى الأعداء
الردّ الإيراني في المنطقة ومن خلف المحيطات، وفي توقيته وحيثياته، له عدّة رسائل واضحة إلى "إسرائيل" والولايات المتحدة تتجاوز في أهميتها ما تم استهدافه، ألا وهي:
1- تأكيد إيران جهوزيتها للردّ على اغتيال قادة محور المقاومة وعلى الأعمال الإرهابية، واستعدادها لمواجهة أعدائها متى ما تطلّب الأمر منها، وفي المكان الذي تأتي منه هذه الأعمال العدائية، وذلك بضرب مقار "الموساد" في أربيل الذي يُعدّ "مركز تطوير عمليات التجسس والتخطيط للعمليات إرهابية في المنطقة، ولا سيما ضد إيران"، ما يعني أنّ إيران لديها المعلومات الاستخباراتية الكافية لفعل ذلك، وترصد محاولاتهم.
2- تهديد طهران واشنطن بشكل غير مباشر، بضربات مراكز "الموساد" في أربيل، التي كانت قريبة من المراكز الأميركية هناك، والتي نُفّذت بصواريخ تمكّنت من تحقيق أهدافها بدقة، ما يعني أنّ إيران قادرة على استهداف المراكز الأميركية في المنطقة وبصواريخ دقيقة ذات قُدرة تدميرية كبيرة إن أرادت ذلك.
3- أظهرت إيران أنّها تملك القدرات الصاروخية لاستهداف مراكز عدائية بعيدة، قد تصل إلى الأراضي الفلسطينية المُحتلة، وذلك بضرب مقرّ مهم للتكفيريين بصواريخ انطلقت من أقصى جنوب إيران وقطعت مسافة 1300 كلم مستهدفةً منطقة تحت سيطرة المجموعات التكفيرية في إدلب من دون اكتشافها.
4- أثبتت طهران، باستهداف السفينتين الإسرائيليتين في المُحيط الهندي، أنّها قادرة على فرض حصار على السفن الإسرائيلية في المحيط الهندي، وليس فقط من جانب القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر، ومن جانب المقاومة العراقية في البحر المتوسط، وبالتالي تضييق الحصار البحري عليها.
5- أكّدت طهران، بعمليتها العسكرية في المحيط الهندي، أنّها غير مردوعة من الوجود العسكري الأميركي في المنطقة تحت ما يُسمّى "تحالف الازدهار"، الذي أثبت فشله مع استمرار العمليات العسكرية ضد السفن الإسرائيلية من جانب محور المقاومة دعماً لقطاع غزة.
اقرأ أيضاً: في المكان والتوقيت.. ما دلالات استهداف السفينتين الإسرائيليتين بالمحيط الهندي؟
رسائل إيران إلى الحلفاء
في مقابل ذلك، يُمثّل توسيع الضربات من إيران، رافداً استراتيجي أساسياً وداعماً لفصائل محور المقاومة إقليمياً ودولياً، خصوصاً وأنّ هذه العمليات تأتي من دولة رسمية، لها ثقلها العسكري والسياسي بين الدول الإقليمية، إذ أثبتت قدرتها على دعم محور المقاومة دبلوماسياً ولوجستياً، إضافةً إلى دعمه عسكرياً. فالتأثير العسكري في المنطقة، وفي البحار والمُحيطات أيضاً، سيكون داعماً لموقف محور المقاومة السياسي في هذه المواجهة.
فالاستهدافات الإيرانية والردّ على اغتيال قادة محور المُقاومة، أتت في الوقت الذي أَبلغ به المتحدث باسم حركة حماس أبو عُبيدة، بأنّ محور المقاومة سيُوسّع ضرباته ضد "إسرائيل" في قادم الأيّام، إذ إنّها ليست منعزلة عن دعم المقاومة الفلسطينية في غزة، وإشغال الاحتلال الإسرائيلي في جبهات متعددة، تطبيقاً لمبدأ وحدة ساحات المُقاومة، الذي لا يُمكن أن يتفكك باغتيال قادته، بل يزيده ذلك وحدةً في ساحات الحرب، ووحدةً في الدم والمصير.
"الكل للواحد"، بهذا الوصف، رأت مجلة "فورين أفيرز"، تعاضد محور المقاومة، معتبرةً أنّه "يُعزز بصبر ومنهجية تحالف القوى عبر ساحة معركة إقليمية"، ومؤكّدةً أنّ "الولايات المتحدة لا تستطيع تفكيك المحور بسهولة ولا هزيمة الأفكار التي ولّدته".
وهو ما أنجزه، قائد قوة القدس السابق، الشهيد قاسم سليماني، منشئآً ما سمي لاحقاً بـ "دول الطوق".
"دول الطوق"، التي باتت تحاصر كيان الاحتلال من جهاته أجمع، بصواريخ أرض - أرض، والمسيرات جواً، وصولاً إلى الصواريخ البحرية. كل هذا يظهر القوة العسكرية التي تراكمت وتطورت، وهي تصيغ عصراً جديداً، يتحدى "إسرائيل" والهيمنة العسكرية الأميركية في المنطقة.