"بوليتيكو": بعد أزمة الدبابات.. كيف أصبحت ألمانيا "الطفل المشكلة" لحلف "الناتو"
صحيفة "بوليتكو" تقول إنّ الولايات المتحدة الأميركية تعرف أن برلين "قد تكون حليفاً سيئاً"، وتشدد على أنّ تعامل ألمانيا مع أوكرانيا لا يُعَدّ خروجاً عن القاعدة.
في أعقاب العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، ارتفع، الشهر الماضي، إلى خمسة أضعاف عدد الجنود الألمان الذين أعلنوا أنهم "مستنكفون ضميرياً" عن الخدمة في الجيش، بحسب ما ذكرت صحيفة "بوليتكو" الأميركية، مشيرةً إلى أنّ من الطبيعي تماماً، بالنسبة إلى بعض الألمان، أن يتراجع عناصر الجيش عن تعهدهم الدفاع عن بلادهم.
وسألت الصحيفة: "إذا كان الألمان أنفسهم لا يريدون القتال، فلماذا يجب أن تفعل قواتهم"؟
في الواقع، فإن الجندي في ألمانيا ليس جندياً، بل "مواطنٌ يرتدي الزي العسكري"، وفق الصحيفة. وأضافت "أنه تعبير ملطَّف ملائم لشعب عاش بصورة مريحة تحت مظلة الأمن الأميركي لأكثر من سبعة عقود"، ويقطع شوطاً طويلاً نحو شرح كيف أصبحت ألمانيا "الطفل المشكلة" لحلف "الناتو" منذ بدء الحرب في أوكرانيا، وهو ما أدى إلى تأخير الجهود الغربية وإحباطها بشأن تزويد أوكرانيا بالأسلحة التي تحتاج إليها في حربها ضد موسكو.
الدفعة الأخيرة في هذه الملحمة تتعلق بمسألة تسليم دبابات القتال الرئيسة إلى أوكرانيا. وترفض ألمانيا، بثبات، وهي واحدة من أكبر منتجي هذه الدبابات، إلى جانب الولايات المتحدة، القيام بذلك منذ شهور، بحجة أن تزويد أوكرانيا بالدبابات الغربية يمكن أن يؤدي إلى حرب أوسع. كما حاول المستشار أولاف شولتس الاختباء وراء الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن واشنطن لم ترسل أي دبابات، وهو لن يفعل ذلك، إذا لم تفعل أميركا.
غالباً ما يعزو حلفاء ألمانيا، بما في ذلك واشنطن، التعنت الألماني إلى نزعةٍ سلمية غير محسوبة وُلدت من الدروس المستفادة من "ماضيها".
ووفق الصحيفة، لا شك في أن "ضمير ألمانيا" لا يحرك سياستها الخارجية حقاً، بل إن شركاتها تفعل ذلك. وفي الوقت الذي تندلع الحرب وترفض إرسال الدبابات، فإنها "لا تتورع عن البيع لأنظمة دكتاتورية، مثل تلك الموجودة في الشرق الأوسط، بحيث تقوم بأعمال تجارية نشطة لبيع الأسلحة لدول، مثل مصر وقطر".
وعلى الرغم من كل ما حدث خلال العام الماضي، فإن برلين لا تزال متمسكة بالأمل في أن تتمكن أوكرانيا، بطريقة ما، من إصلاح الأمور مع روسيا حتى تتمكن برلين من استئناف العمل كالمعتاد وإعادة تشغيل الغاز. وحتى لو انتهى الأمر بألمانيا إلى إرسال دبابات إلى أوكرانيا - كما يتوقع كثيرون الآن - فإنها ستقدم أقل عدد ممكن. وستفعل ذلك فقط بعد استنفاد كل خيار ممكن للتأخير.
تَرَكَّز الكثير من الاهتمام في الأعوام الأخيرة على "نورد ستريم 2"؛ مشروع الغاز الطبيعي الروسي الألماني. ومع ذلك، فإن التوترات بين الولايات المتحدة وألمانيا بشأن تشابك الأخيرة مع مصالح الطاقة الروسية تعود إلى أواخر عام 1950، عندما بدأت لأول مرة تزويدَ الاتحاد السوفياتي بأنابيب ذات قطر كبير.
طوال الحرب الباردة، كانت مشاركة ألمانيا مع حلف شمال الأطلسي مدفوعة باستراتيجية للاستفادة من الحماية التي يوفرها الحلف، وتقديم ما لا يزيد على الحد الأدنى المطلق، مع توسيع العلاقات التجارية مع السوفيات.
اقرأ أيضا: "فايننشال تايمز": لماذا يُحجم شولتس عن إرسال دبابات قتالية إلى أوكرانيا؟
وأكدت الصحيفة أنّ تعامل ألمانيا مع أوكرانيا لا يُعَدّ خروجاً عن القاعدة، مضيفةً أن هذا هو المعيار في "التعامل الألماني". وشددت الصحيفة على أنّ تردد ألمانيا بشأن المساعدات لأوكرانيا هو امتداد منطقي لاستراتيجية خدمت اقتصادها بصورة جيدة، من الحرب الباردة إلى قرار منع انضمام أوكرانيا إلى "الناتو" في عام 2008، وصولاً إلى "نورد ستريم".
وبحسب الصحيفة فإنّه "بحكم حجمها وموقعها الجغرافي في وسط أوروبا، ستكون ألمانيا دائماً مهمة للولايات المتحدة، إن لم تكن كحليف حقيقي، فعلى الأقل كشريك سابق وأرض انطلاق للجيش الأميركي"، مشيرةً أيضاً إلى أنّه "من وجهة نظر واشنطن، قد تكون ألمانيا حليفاً سيئاً، لكنها على الأقل حليف أميركا السيئ".
اقرأ أيضاً: ألمانيا تواجه مشكلة: انخفاض كبير في الذخيرة بسبب توريد الأسلحة إلى كييف
وفي السياق، ذكرت صحيفة "Süddeutsche Zeitung"، نقلاً عن مصادر مطلعة، أن المستشار الألماني، أولاف شولتس، مستعد للسماح بتزويد أوكرانيا بدبابات "ليوبارد - 2"، شرط أن تزود واشنطن كييف بدبابات "أبرامز".
وأكدت الصحيفة الألمانية أن هذا الشرط وضعه شولتس خلال محادثة هاتفية مع الرئيس الأميركي جو بايدن.
يشار إلى أنّه، منذ أيام،أعلنت النائبة الألمانية من حزب اليسار، سيفيم داغديلين، أن "الولايات المتحدة، عبر دفعها لألمانيا على تزويد كييف بالدبابات، تجبرها على التضحية بنفسها في الصراع ضد روسيا".
وكتبت داغديلين، في مقالة نُشرت في صحيفة "Berliner Zeitung" الألمانية: "يتزايد الضغط الشعبي لإرسال الدبابات الألمانية إلى أوكرانيا. هذا ما تريده الولايات المتحدة. لكن هذه الخطوة ستصبح خطأً تاريخياً".
ويأتي تصريح داغديلين، بالتزامن مع تعيين الحكومة الألمانية بوريس بيستوريوس وزيراً جديداً للدفاع، في وقت تتصاعد الضغوط على برلين من الحلفاء الغربيين للسماح لأوكرانيا باستخدام دبابات ألمانية الصنع في الحرب ضد روسيا.