"أفريكوم".. أي دور في صياغة الانقلابات في أفريقيا؟
"أفريكوم" تعزز حضورها في أفريقيا تحت عناوين إنسانية أمنية، أي دور أدّته القيادة العسكرية الأميركية في تعميق ظاهرة الانقلابات والصراعات العسكرية في القارة الأفريقية؟
تغلّف القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا "أفريكوم" حضورها المكثّف في غير دولةٍ في القارة، إذ يتواجد حوالى خمسين ألف عسكريٍ أفريقيٍ دربهم الجيش الأميركي خلال العقد الماضي، بعض هؤلاء انتهى به الأمر مشاركاً في عملياتٍ انقلابية.
وبحسب موقع "the intercept" تشمل مناهج التدريب العسكرية الأميركية في أفريقيا تدريباتٍ على كيفية صياغة انقلاباتٍ عسكرية، في غانا وساحل العاج مثلاً اجتمع الشهر الماضي 1300 جندي أميركي ومن حلف الشمال الأطلسي وأفريقيا للتدريب التكتيكي والغارات الوهمية كجزءٍ من فلينتلوك 2023، وهو تدريبٌ سنويٌ ترعاه قيادة العمليات الخاصة الأميركية في أفريقيا وضخّت من أجله مليارات الدولارات.
وقام ضبّاطٌ أفارقة مشاركون في فلينتلوك بحسب الموقع بخمسة انقلاباتٍ على الأقلّ في السنوات الثماني الماضية، منذ عام 2008 حاول الضباط الذين درّبتهم الولايات المتّحدة تنفيذ تسعة انقلاباتٍ على الأقلّ ونجحوا في ثمانيةٍ منهم في خمس دولٍ في غربي أفريقيا بما في ذلك بوركينا فاسو، غينيا، مالي، موريتانيا وغامبيا.
ولا يبدو أنّ هذه التدريبات أدّت جميعها إلى انقلاباتٍ وافقت المصالح الأميركية كالانقلاب الأخير في بوركينا فاسو، فالأخيرة مُنعَت من تلقّي مساعداتٍ أميركية مذ أطاح ضابطٌ درّبه الأميركيون الحكومة المنتخبة العام الماضي.
ما الذي يجعل القارة الأفريقية عرضةً لوباء الانقلابات ؟
قال محلل الميادين للشؤون الإقليمية والثقافية سليم بوزيدي خلال حلوله ضيفاً في التحليلية على الميادين، إنه في المستوى التاريخي يمكن القول إنّه طوال ستّة عقود أي حوالى ستين سنة الماضية شهدت القارة الأفريقية حوالى مئتي محاولة انقلابية، 50% منها كانت ناجحة وأيضاً هذه المحاولات توزّعت على حوالى 27 دولة أفريقية.
ووفق بوزيدي فإن الخيط الجامع بين هذه الدول أنّ كلها أشاعت ما يُسمى في الأدبيات السياسة بحالات ما بعد الاستعمار، وبالتالي فإنّالوضعية السياسية في هذه الدول كانت مرتبطة بالاستعمار الفرنسي الذي كان ذو طبيعة استيطانية، وبالتالي تراكم التجربة الاستعمارية الاستيطانية في القارة الأفريقية الذي كان يقوم بإحلال مؤسسات سياسية هي في الحقيقة إمّا أنّها بالكامل تابعة للاستعمار الفرنسي أو أنّها مؤسسات تسيطر عليها فرنسا.
وتابع أنّ هذه الأسباب التاريخية والتقليدية يُضاف إليها طبعاً الأسباب الطارئة، التدافع الكبير في القوى سواءً كانت الصين أو روسيا أو حتى الولايات المتّحدة التي بدأت تعود مؤخّراً على الساحة الأفريقية، وبالتالي العنوان هو العامل الخارجي هو الكلمة المفتاح لما يجري في أفريقيا.
من الناحية السياسيّة، ما الذي يجعل القارة الأفريقيّة عرضةً لوباء الانقلابات؟
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) April 23, 2023
محلل #الميادين للشؤون الإقليميّة والثقافيّة سليم بوزيدي في #التحليلية.#أفريقيا #الولايات_المتحدة @mayarizkrizk pic.twitter.com/yr8nuX2eWq
ماهو العامل الخارجي الذي يلعب دوراً في ترسيخ الهشاشة السياسية في الدول الأفريقية؟
وفق محلل الميادين للشؤون الدولية والاستراتيجية منذر سليمان فإنّ الهشاشة هي ناتجة عن عدم وجود خبرة سياسية مدنية تقليدية واسعة في هذه الدول الأفريقية، بمعنى إمّا وجدنا بروز قيادات كاريزمية والتي كانت تنحو بشكل أساسي باتّجاه عالمي يساري وتمّ القضاء عليها عبر الولايات المتّحدة، وإمّا كانت تعتمد على القوّة المنظّمة الوحيدة التي أيضاً وُلدَت برحم الاستعمار التي هي القوات العسكرية.
بدوره أجاب محلل الميادين للشؤون الأمنية والعسكرية شارل أبي نادر عن سؤال حول السبب الذي يجعل القارة الأفريقية بيئة حاضنة أو أرض خصبة للانقلابات العسكرية، قائلاً إنّه من الناحية الأمنية هناك هشاشة في الحدود، الحدود هي غير متماسكة، وقد تكون هناك مجموعة أفراد من دولة خارجية سواء أفريقية أو غيرها تستطيع أن تؤثّر بطريقةٍ ما في الدولة الأخرى.
ومن الناحية العسكرية، تابع أبي نادر أنّ أغلب هذه الدول الأفريقية هي التي كانت مُستعمَرة، مضيفاً أنّ نالتها استقلالها بين الخمسينيات والستينيات، أي أنّها دول فتيّة"، مشيراً إلى أنّ هذا الأمر جعلها عرضة للاستغلال من قبل الغرب والدول الأوروبية سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عبر شركات أمنية.
ما الدور الذي يلعبه العامل الخارجي في الانقلابات في القارة السمراء؟
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) April 23, 2023
محلل #الميادين للشؤون الدوليّة والاستراتيجيّة منذر سليمان في #التحليلية.#أفريقيا #الولايات_المتحدة @mayarizkrizk pic.twitter.com/dpGmugKdo6
ما هي الطريقة التي ربّما تتدخل فيها دول خارجية في الداخل الأفريقي؟
قال بوزيدي إنّ بعض أشكال التدخل لربّما هي أشكال تقليدية سواءً بشكل سياسي أو استخباراتي أو بطريقة سافرة، وهناك بعض الطرق الأخرى، وهو دور الشركات الأمنية وأيضاً دور "إسرائيل" التخريبي في هذا المجال.
وتابع أنّ الشركات الأمنية تأخذ عدة واجهات، مثلاً تأخذ واجهات التعمير والعمران والإنشاءات، وهي في الحقيقة مجرّد واجهات لمؤسسات أمنية واستخباراتية غربية، فرنسية وأميركية، ومتنفّذة جداً داخل المؤسسة العسكرية الأفريقية، بل أنّها هي مَن ترعى قادة الصفّ الأول وتدرّبهم كما تقوم مثلاً الولايات المتّحدة الأميركية.
ما الذي تريده واشنطن من أفريقيا بالتحديد في هذا الوقت بالذات؟
قال سليمان إنّ القارة الأفريقية ذاخرة في الثروات الطبيعية، من الذهب، الفضة، الكوبالت، اليورانيوم، بالإضافة إلى الغاز والبترول في العديد من هذه الدول، وبالتالي المؤسف أنّ هذه الثروات الباطنية الطبيعية القائمة لا يتمّ استثمارها لمصلحة أفريقيا، وتبقى أفريقيا دولة "متخلّفة" اقتصادياً.
وأشار سليمان إلى وجود ثلاثين قاعدة عسكرية أميركية منتشرة، ولكن أيضاً هناك منافسة تأتي من الصين بشكل أساسي عبر البنية التحتية، ومن روسيا، واليابان، والدول الأوروبية، وأيضاً الدول الخليجية.
وتحاول واشنطن إظهار أنّها لم تتجاهل أفريقيا لأنّها تُتّهَم بالاستعلاء على الأفارقة وعدم الاهتمام بهم والنظر إليهم فقط بنظرة أمنية، وبالتالي هناك رغبة بعقد قمم أفريقية أميركية توازي النشاط الصيني والنشاط الروسي وتبقي أيضاً البُعد العسكري قائماً.
ما الرابط بين الشركات الأمنية في أفريقيا ومأزق الانقلابات في أفريقيا؟
أوضح أبي نادر أنّ استراتيجية واشنطن عبر العالم في شرق آسيا وشمال غرب المحيط الهادي هي عبر وجود قواعد ثابتة وعبر انتشار مكثّف بحري، وفي أوروبا عبر الناتو، وعبر الشركات الأمنية في أوكرانيا لأنّه لا يمكن إدخال قوّات أميركية استناداً إلى أنّ هذا الموضوع له حساسية مع الروس وأوكرانيا هي بالناتو.
وتابع أنّ أفريقيا هي هدف أيضاً للنفوذ الأميركي عبر الشركات الأمنية، لافتاً إلى أنّ الشركات الأمنية ظاهرها شركات أمنية وحماية لشركات التنقيب، ولكن باطنها كلّها مجموعات استخبارية تابعة للمخابرات الأميركية أو لمخابرات غربية بشكل عام تنفّذ رصد واستعلام.
هل تتّجه القارة السمراء الى تحسّن البيئة السياسية؟
أشار بوزيدي إلى عاملين رئيسيين يؤكّدان أنّ القارة الأفريقية بشكل عام تتّجه إلى المزيد من التعقيد الأمني، العامل الأول متعلق أولاً بالتدافع الاستراتيجي الكبير على القارة الأفريقية خاصة بعد أزمة كورونا، وأيضاً بشكل أوضح بعد الأزمة في أوكرانيا، وبالتالي تحوّلت أفريقيا إلى نقطة تجاذب بل صراع كبير لقوى كبرى.
لكن العامل الثاني هو ظاهرة الشعبوية، التي جعلت قوى غربية كبرى لها تأثير أيضاً على نظام الحكم في أفريقيا.
هل من طريقة للخروج بالمؤسسات العسكرية في أفريقيا من مستنقع الانقلابات؟
قال أبي نادر إنّه في البداية لا بد من نشر الديمقراطية بشكل أكثر، وتخفيف نفوذ العسكر في الحياة المدنية.
ومن ناحية أيضاً الوحدة أكثر بين منظمة دول العمل الأفريقية، والابتعاد أكثر عن الغرب، والابتعاد عن إدخال الغرب ومخابراته في الجيوش وهي الثغرة التي تدخل منها كل الدول تقريباً في تخطيط ورعاية ودعم الانقلابات.
وأكد أبي نادر أنّ البُعد الإسرائيلي له تأثير سلبي جداً، ومن الأفضل لحماية التماسك الداخلي الأفريقي أن يكون هناك ابتعاد عن الطابع الإسرائيلي أو عن التطبيع أو عن العلاقة مع الإسرائيليين.